تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


على أميركا إصلاح ذاتها قبل غيرها

الغارديان
ترجمة
الخميس 8-4-2010م
ترجمة: خديجة القصاب

متى كانت المرة الأخيرة التي طرقت مسامعنا أخبار مفعمة بالحماسة على صعيد سياسة باراك أوباما الخارجية؟ فعلى امتداد العام الماضي تجاهلت كل من الصين وروسيا وإيران يده الممدودة تجاه هذا، إلى جانب ازدراء إسرائيل لتحركات إدارته تلك، والأمر مشابه بالنسبة لتعطل اندفاعه في البحث عن مخرج لحرب أفغانستان

بينما تترنح باكستان على شفير هاوية حرب مماثلة، أما تعاطف الحكومات الأوروبية مع الرئيس الأميركي الجديد فهي في حالة من التقلبات وعدم الاستقرار حالياً، كذلك انهار خطابه المملوء بالبلاغة والموجه للعالم الإسلامي في لجة الرمال وأخفقت قمة كوبنهاغن الخاصة بالتغير المناخي نتيجة الاتهامات المضادة المتبادلة خلال انعقادها بين كل من الولايات المتحدة والصين لتتحول الترنيمة التي كانت يوماً تطرب والموجهة لأوباما «نعم بإمكاننا تغيير الواقع» إلى صيحة استنكار اليوم تنادي «لا لن تستطيع أيها الرئيس باراك تحقيق ذلك» فما من إنجاز فعّال وعملي تمت ترجمته على أرض الواقع يكمن وراء تحسن شعبية المواقف الأمريكية في أنحاء العالم.‏

فسياسة أوباما الخارجية لم تحقق أي نجاحات واضحة أو مهمة لماذا؟‏

نتوقف هنا. تقول الغارديان عن تفاصيل عدة أبرزها خيبة أمل محتملة، فالتوقعات المنتظر تحقيقها خلال فترة رئاسة أوباما لم تعد بالفائدة على أي مواطن أمريكي.‏

ففترة رئاسة أوباما الأولى تميزت بخبرته المحدودة على صعيد الشؤون الخارجية، فقد كشفت تجربة سلفه جورج بوش الابن أن خبرة مستشاريه والمساعدين من حوله لا يمكنها أن تعوض ما يفتقده الرئيس بالذات، وقد أبدى أوباما في خطابه الذي ألقاه في موسكو الصيف الماضي ملاحظة تستشهد بعبارة لأحد الطلبة الروس تفيد بأن العالم الحقيقي والواقعي لا يتميز بالعقلانية على غرار أي وثيقة مدونة.‏

ويعيد الديمقراطيون مشكلة أوباما الحقيقية إلى إرث الفوضى والتدخل في شؤون الآخرين الذي ورثه عن جورج بوش الابن، كحرب العراق وإهمال أحداث أفغانستان وإبعاد الإسلاميين عن مراكز السلطة هناك، ثم تضاؤل شعبية الولايات المتحدة في الخارج، إضافة لتراكم ديون واشنطن الضخمة وما تعانيه البلاد من أزمات مالية وركود اقتصادي في الداخل.‏

ومن بين المشكلات الأخرى التي تراكمت خلال مراحل طويلة نسبياً المفاجآت التي عرفها المستهلكون على امتداد أعوام ماضية وتم خلالها تشجيعهم للعيش فوق مستواهم المادي معتمدين على مواردهم المالية مع إهمال بنى شؤون الخدمات لمصلحة توسيع الامبراطورية الأمريكية نتيجة نظام الخلل الوظيفي داخل الحكومة الأمريكية، بينما تمت صياغة التسويات على حساب القاعدة السياسية للفئات المتوسطة الدخل وأدى ذلك إلى تراجع وتقلص تلك الطبقة نتيجة سياسات قطبية متنامية، ويتم النقاش حالياً وبشكل أساسي حول كيفية تحول مسار تلك القوى التاريخية، أي دخول الولايات المتحدة مرحلة أطلق عليها فريد زكريا «عالم ما بعد أمريكا» عندها ستشهد الولايات المتحدة نهاية هيمنتها على العالم في ظل نظام متعدد الأقطاب حيث لا وجود لقطب واحد فوضوي يتحكم بالعالم كما كان الحال عليه سابقاً وصعوبة متزايدة في رسم طريق خاص بها أمام القوى الصاعدة وفي طليعتها الصين.‏

وعند التساؤل عن أي قضية تتعلق بالسياسة الأمريكية الخارجية لابد من طرح: لماذا لا يقدم أوباما ما هو أفضل؟ هنا يجب أن نطلع على تداخل أسباب عدة بعضها ببعض، فبالنسبة لملف إيران النووي كمثال تسعى واشنطن للضغط حالياً على العديد من العواصم السياسية لفرض عقوبات على طهران مع العلم أن تلك العقوبات لن تدفع على الأرجح النظام الإيراني الراهن لمناقشة قضية تخليه عن برنامج بلاده النووي وحتى لو أعطت كل من الصين وروسيا موافقتهما على فرض تلك العقوبات ولو تساءلنا تقول الغارديان: لماذا ترفض إيران يد أوباما الممدوة إليها لتوجب علينا العودة إلى الإرث الذي خلفه وجود جورج بوش في السلطة وشنه الحرب على العراق والتي عملت على تدعيم مواقف إيران في المنطقة.‏

أما بالنسبة لاستحالة التغلب على الصين ودحرها عسكرياً فمن الضروري ربط هذه القضية بتنامي حاجة الاقتصاد الصيني للنفط الإيراني.‏

ولو تساءلنا -تضيف الغارديان- لماذا تتصرف إدارة أوباما بهذه الطريقة؟ فمن الأجدر معرفة الجواب بالاطلاع على ضغوطات يمارسها الكونغرس الأمريكي خشية أن تقوم «إسرائيل» بعمل عسكري أحادي الجانب ضد المفاعل النووي الإيراني.‏

ورغم أنه من السابق لأوانه الشعور باليأس إلا أن النتائج التي أحرزها أوباما في عامه الأول على صعيد السياسة الخارجية الأمريكية كانت ضعيفة وواهنة، فأمريكا لن تتمتع ثانية بالسيادة التي عرفتها لأول مرة عام 1945 ولمرة أخرى عام 1989 مع استخدامها الجيد لهذا التفوق في المرة الأولى وسوء توظيفها له عام 1989.‏

فقد عانت الإدارات الأمريكية السابقة من بدايات مهزوزة، إذ افتقدت فترة رئاسة بيل كلينتون الأولى إلى ما يسمى العظمة والشهرة، هذا في حال تجاهلنا فترة رئاسة جورج بوش الابن.‏

وقد وجّهت عدة انتقادات لأوباما تهاجم ليونته في التعامل مع قضايا عدة، كتقديم تنازل للصين من خلال تأجيله لقاء مع الزعيم الروحي للتيبت «الدايلي لاما» كذلك الأمر بالنسبة لروسيا حين تخلى أوباما عن مظلة الدفاع الصاروخي وسط أوروبا الشرقية دون أن يحصل على شيء بالمقابل.‏

ويرحب أوباما بملاحظات توجه إليه تتصف بالصرامة في علاقته مع الصين، كما اتسمت في الآونة الأخيرة ردة فعل إدارة أوباما بغضب نادر للإهانة التي وجهتها له حكومة بنيامين نتنياهو فمن خلال تجاربه الخاطئة ومحاولة تصحيحها يستطيع الأوباميون العمل بانسجام على الصعيد الأمني وهو صعيد هيمن على السنة الأولى من ولاية رئيسهم، إذ انصب اهتمامهم على محاولة تحقيق التطور وفرض سيادة القانون وربط مصالحهم باقتصاد عالمي منفتح.‏

ففي المستقبل إذا تمت ترجمة برامج إصلاح الرعاية الصحية على أرض الواقع وتعافي الاقتصاد الأمريكي عندها سيتمكن أوباما من تحقيق الفوز خلال الجولة الانتخابية الثانية بحيث يجني حصاد خيارات سياساته الاستراتيجية، علماً أن العقبة الكبرى التي تتصدى لهذه الخطوة ليست في شخصية أوباما أو طاقم عمله ولا في صعود الصين والهند والبرازيل إلى واجهة الأحداث، إنها تكمن في النظام السياسي الأمريكي.‏

إن انحراف أو فساد القرن الحادي والعشرين مقارنة بإبداع القرن الثامن عشر سيمنح القوى السياسية الدولية أهلية التدخل في السياسة الأمريكية الخارجية بحيث تبتعد عن هيمنة الهيئة التشريعية.‏

وتكمن المشكلة الكبرى للولايات المتحدة في الكونغرس الأمريكي حيث تتشابك سياساته المشوهة والمحرجة على أكثر من صعيد كالتجارة والتغير المناخي والسياسة المتبعة مع كل من الصين وإيران.‏

ففي حال رغبت الولايات المتحدة في الوقوف إلى جانب آمال عالم جديد ينهض مع تراجع قوتها نسبياً يتوجب عليها تقديم مشروع يضمن جولات مدتها أربع سنوات لأعضاء وممثلي مجلس الشيوخ الأمريكي تم إصلاح التمويل السياسي وكبح جماح لوبيات تستخدم قوتها دون الاحساس بالمسؤولية تجاه العالم.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية