تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


راغدة الخوري.. الفصحى .. تعطي صورة لجماليات البلاغة.. العامية تقتنص حرارة اليومي

ثقافة
الخميس 8-4-2010م
حوار : مانيا معروف

لماذا نكتب...؟

هل نكتب لنتذكر أكثر.. أم نكتب لننسى أقل...؟‏‏

لماذا تكتب.. الأديبة راغدة الخوري التي تجاور البحر والطبيعة لتستمد منهما أسباب وجودها وحياتها.. ويلهماها الكثير من السكينة والهدوء...‏‏

ليظهرا جليين في أعمالها التي خطتها بقلم يملك حساسية عالية، تكسر فيها الحواجز بينها وبين نفسها.. لتقدم تساؤلات حياتية يومية.. كثيراً ما تراودنا .. فيكتبها الآخر عنا ليمنحها جواز عبور.. عبر دفتي رواية.. أو كتاب أو قصيدة‏‏

تبدأ في إحدى رواياتها التي عنونتها بـ (هل أعود) بالقول: «في رأس كل منا حيز صغير تتوضع فيه الذاكرة.. نحشوه بأحداث مرت معنا و بأخرى أمامنا ونستعمل في حشوه آذاننا فنضيف إليه ما نسمع من أخبار ونزيد عليه ما نسمع من أحاديث لنسترجعه إما بإرادتنا طائعين.. أو غصباً عنا مجبرين».‏‏

ماذا لديها لتقول.. عن كل ما يجول في ذاكرتها.. كيف تغوص في عالم الأدب.. وكم هو هامش الحرية لنحكي كل مانفكر ونكتب كل ما نريد.. الثورة التقت الكاتبة راغدة الخوري.. التي تبتعد عن أضواء الإعلام لتعيش الكلمة وتحتفي بها.. دون ضجيج .‏‏

 التواصل الافتراضي كموضوع للأدب .. هل سيكون الأداة فيه الانترنت.. اللغة الأكثر تداولاً؟‏‏

  الانترنت مثله مثل أي تقنية جديدة، نبدأ باستخدامها كنوع من الرفاهية نسميها «الكماليات» ثم لا تلبث أن تتحول إلى ضروريات.‏‏

دخل الانترنت حياتنا اليومية، لا بل اخترقها بتعدد عوالمه الافتراضية «من واقع، إلى تواصل إلى حوار، إلى عوالم مختلفة» شكلت في البداية استغراباً وفي أحيان أخرى استنكاراً مثل أي جديد يأتي ليفرض سلطته ويحرك الثابت الذي نركن في ظله.‏‏

كان الأديب يستفيد من الصور وأنماط البشر، اليوم انفتح أمامه عالم آخر قائم بذاته، هو هذا العالم الافتراضي الموازي للعالم الواقعي، عالم غني نستطيع أن نأخذ منه ونعطيه، نكتب عنه ونكتب فيه.‏‏

لم يعد الأدب مجرد رسالة لتكريس الأخلاق والقيم السائدة، ولم يعد مجرد تقنية لتغيير الواقع، بل هو حركة مستمرة ليواكب كل تطور ويتعامل معها ويحولها إلى قيم جمالية.‏‏

في آخر استطلاع عن أهمية الانترنت وخاصة لدى جيل الشباب ، وجد أن 9 من أصل 10 شباب يلجؤون إلى الانترنت لطلب النصح بدلاً من استشارة أحد الوالدين.‏‏

فتقنية بهذه الأهمية، والتي تشكل أداة تواصل وتفاعل، لابد أن يواكبها الأدب كونه يواكب التطور، ويقوم بتغطيتها، بدراستها، والكتابة عنها، كما بالأخذ منها وإعطائها.‏‏

 الأدب النسائي ترويض للرجل.. كيف ترين هذه الصورة؟‏‏

  نعيش زمناً جديداً على المستوى الثقافي للمرأة دور فيه ،فقد غدت موجودة في الإعلام والتعليم، وجميع نواحي الحياة، وهي بهذا لا تزاحم الرجل، بل تحقق الشروط الأولية لما يسمى «إنسانيتها» .‏‏

وكلمة «ترويض» لا تليق بالرجل، ولا بالمرأة، ولنقل لا تليق بالإنسان عموماً، وإن كان هناك من ترويض فهو لا يتم إلا بالحب، وهو هنا يبتعد عما يدعى مفهوم الترويض.‏‏

تؤثر طبيعة المرأة العاطفية، وميلها إلى تصوير معاناتها النفسية في طريقة تناولها للمواضيع. وقد شكل الأدب بالنسبة للمرأة نافذة من نوافذ التحرر والانطلاق، أرادت فيه أن تعبر عن رأيها وتكتب عن انفعالاتها، من هموم علاقتها بالرجل، واستجداء حقوقها منه، وللتعبير عن القمع الذي تعرضت له عبر تاريخها الطويل.‏‏

ربما لم تزل المرأة تعاني من انغلاق على الذات في كتاباتها، فرضته عليها خلفية اجتماعية وتقليدية في مجتمع ذكوري لا تزال تعيش ضمنها. لهذا نراها تكثر في كتاباتها من الحديث عن سلوكيات الزوج أو الحبيب، وتمثل لها الكتابة نوعاً من التنفيس الداخلي.‏‏

هذا الانغلاق سيبقى موجوداً إن لم تحرك المرأة في كتاباتها الثوابت المهيمنة على النساء «ثوابت متعلقة بالتابوهات من دين وسلطة وسياسة».‏‏

لكن هذا لم يمنع أن لدينا العديد من الأصوات النسائية خرجت من هذا القمقم وكتبت كتابات فيها من التجديد والتنوع الشيء الكثير .‏‏

 استخدام اللغة العامية.. هل يحمل نكهة خاصة. تشد القارئ أكثر.. أم هي أكثر انتشاراً؟‏‏

  لنقل بداية إن اللغة كائن حي، وهي بهذا تقع تحت صيغة المتغيرات وتسير مع كل تطور.‏‏

الفصحى تعطي صورة لجماليات البلاغة، والبلاغة لا تأتي باللغة الفصحى.‏‏

أما العامية فهي تقتنص حرارة اليومي. تنقل بشكل أفضل المواقف الطريفة، الوقائع اليومية العابرة، كما تعطي نكهة أكبر للتهكم والسخرية.‏‏

لم استخدم العامية إلا في روايتي التي صدرت مؤخراً «خارج عن الموضوع» وفيها أردت تغيير أسلوبي في الكتابة، منعاً للتكرار، وبما أن موضوعها يقع تحت صيغة السخرية والتهكم من الأقدار والمصادفات التي يمر بها الإنسان فقد رأيت أن أتكلم بلغة بسيطة، واضحة ، وأردته حواراً بسيطاً مفهوماً لكافة شرائح القراء. كما أن هناك جمالية للعامية أيضاً وقد يكون مفيداً أحياناً استخدام المستويين اللغويين في الكتابة.‏‏

استخدامي للغة المحكية كان أيضاً بهدف لفت النظر أمام ما يحدث من اختراق للغة، واستبدالها بلغة مشوهة بعيدة عن جمال لغتنا العربية، العامية منها والفصحى، كما ساعدتني على التهكم والسخرية- خاصة في أول الرواية- من تكسير قالب اللغة الذي يمارسه هذا الجيل، مدفوعاً بخلفية ثقافية واقتصادية، ما يجعله يشوه الكثير من الألفاظ الجميلة، وقضم الكثير من الحروف التي يراها زائدة في رسائل المحمول أو على الشات، توفيراً للمال والوقت باستخدامه اللغة بهذه الطريقة- أي كغاية- يشوهها بينما هي وسيلة من وسائل التعبير الجمالي الذي يصل الفنون بعضها ببعض .‏‏

 من تتابعين من الروائيات؟‏‏

  أصبح من غير الممكن متابعة كل ما ينشر ويكتب حتى ولو على الصعيد المحلي فقط، فنحن نعيش وفرة في الإنتاج تقترب إلى حد الفوضى في العناوين والمواضيع المختلفة. لهذا أحاول أن أقرأ ما يكتب عن أي عمل جديد، من نقد أو تحليل، آخذ فكرة عنه، ومن ثم أحدد أهميته بدوري ومن ثم أقرأه.‏‏

لا يوجد اسم محدد أتابع انتاجه، ولو أني أرتبط بأواصر صداقة مع العديد من الكاتبات .‏‏

هناك أعمال تقتضي التوقف عندها، وأخرى يكفي المرور عليها، وأخذ فكرة عنها .‏‏

 بعدك عن العاصمة هل أضر بشهرتك الأدبية؟‏‏

  من الطبيعي أن تشكل العاصمة المحطة الأساسية للانتشار، كونها المركز: المركز الإعلامي، مركز دور النشر، والحاضن الأساسي للمشهد الثقافي بشكل عام، من تعدد للمراكز الثقافية، للمسارح والفعاليات الأخرى . والتي لم تزل المحافظات تعاني من الفقر فيها، وعدم التعددية في النشاطات الثقافية.من هنا جاءت الهجرة دوماً نحو المراكز، ليس فقط من الناحية الأدبية بل العملية والعلمية منها. وهذا ما يحدث في كل مكان من أنحاء العالم. فالأضواء تسلط بشكل كاشف في العاصمة، بينما تبدو وكأنها نور فانوس في الضواحي .‏‏

زيادة على أن الكتاب أصبح سلعة يجب أن يروج لها، وهذا لا يحصل فقط على المستوى الإعلامي بل يتعداه لمستوى العلاقات الاجتماعية والثقافية، هذه العلاقات تغدو في كثير من الأحيان همزة وصل بين الكاتب والانتشار .‏‏

لكن في النهاية العمل الجيد لابد أن يفرض نفسه، وهذا ما نراه واضحاً للعديد من أعمال الأدباء المتواجدين في مختلف المحافظات.‏‏

 الاختلاف بين أدب أنثوي أو أدب ذكوري .. هذا الجدل الذي طال حولهما.. هل يعطي غنى وتنوعاً.. يمد الأدب دائماً بالحياة..؟‏‏

  في البداية لنتفق أن هناك أدباً إنسانياً يتميز بصوت ذكوري، وآخر نسائي.‏‏

لم يزل النقاش محتداً بشأن هذا التمييز والتفريق الذي لا أرى فيه أي انتقاص لأدب المرأة بشكل عام، ولو أن هذا التمييز قد تجاوزه الغرب منذ منتصف القرن العشرين.‏‏

هل من فرق بين أدب ذكوري وآخر نسائي؟‏‏

لم تزل لغة المرأة مبطنة بالتلميحات في محاولة للتحايل على ذكورية المجتمع، لغة رقيقة استطاعت أن تصور الواقع المعاش. ربما في صوتها لمسة مغايرة للرجل.‏‏

قد ينجح الرجل في رسم بعض العوالم التي لا تتجرأ المرأة على خوض غمارها من جهة، أو كونها لم تخض تجربتها من جهة أخرى «كأدب السجون، والرواية السياسية، والرواية التاريخية» فلم يزل الرجل يبرع أكثر في دقة وصفها وموضوعيتها. وقد يقترب الرجل أيضاً في وصف حالة من مشاعر الأنثى لدرجة أكثر جرأة وصدقاً مما تفعله المرأة وذلك لسببين: أولهما خشيتها من إلصاق ما تكتب بحياتها الخاصة، أو للحفاظ على الحد الأدنىمن أسرارها الأنثوية.‏‏

بالمقابل قد تكون المرأة أكثر جرأة بتناولها لمواضيع التابويات، كونها صوتاً أنثوياً ، كما أنها في كثير من كتابتها قد تقترب من عقل وخيال الرجل فتقوم بكشف مكامن ضعفه كما قوته.‏‏

وهذا شيء طبيعي فنحن نفهم الآخر أكثر مما نفهم أنفسنا. لكن هذا التبادل وتلك الصيغ على اختلافها تجعلهما يلتقيان ليكتملا ويشكلا في النهاية نسيجاً اجتماعياً متكاملا،ً ما نسميه الكتابة الإبداعية التي بدورها تشكل ثقافة مجتمع. وهكذا فالرواية تصبح أكثر إنسانية وتسعى للانفتاح واختراق آفاق أوسع وأعمق.‏‏

أخيراً القول بوجود أدب نسائي لا يعني الانتقاص من أهمية هذا الأدب أو إنكاره.‏‏

 في العصور القديمة كانت المرأة الآلهة، والسيدة.. كيف هي المرأة اليوم؟.‏‏

  في العصور القديمة ذكرت المرأة الأسطورة، والمرأة الآلهة، وكذلك الأم ، أما المرأة العادية فقد بقيت مهمشة . اليوم دخلت المرأة من هامش الحياة اليومية إلى المتن، فهي تشارك في مختلف نشاطات الحياة التي بقيت لقرون مقتصرة على الرجال، في الجانب العملي، السياسي، الصحي، كما فرضت نفسها بقوة وجدارة في المشهد الثقافي.‏‏

لكن هناك ثمن لهذا المتن تدفعه المرأة برضاها ومواقفها، فقد تحولت أسطورة الأمس الآلهية إلى لوغو يعمل في الترويج والتسويق ،لهذا نشهد اليوم تسليعاً لجسد المرأة، وبالتالي سقوط كل ما يسمى الرمز والأسطورة بالمعنى القديم. فمن معنى الأيقونة برمزها المقدس، تحولت المرأة إلي أيقونة تساير حداثة هذا العصر وأدواته الإعلامية التي يحتاج بثها اليومي والمتواصل إلى مواد ملائمة دائمة ومختلفة في الوقت ذاته، وهكذا تحول الجسد الأنثوي إلى صناعة وتسويق وتسليع .‏‏

 هل تأثرت كتاباتك بأسلوبها ومواضيعها، بالأدب الفرنسي كونه مجال دراستك، وعملك كمدرسة وكمترجمة لبعض الأعمال ؟‏‏

  ذكرت في البداية أن الأدب يواكب التطور، ونحن نشهد حالياً نوعاً من المد الثقافي المتنوع الذي فرض نفسه بقوة على الساحة الأدبية: أدب أمريكا اللاتينية، الأدب الأفريقي، الأدب الهندي في الرواية، والتي حاز كتابها على جوائز عالمية .‏‏

الكاتبة التي فازت بجائزة «كونكور» هي فرنسية من أصول إفريقية، والتي فازت بجائزة نوبل للآداب هي رومانية من أصول ألمانية، فالأدب بشكل عام- والرواية بشكل خاص- تصبح أغنى بهذا التنوع، والتلاقح الحضاري.‏‏

وإذا ما سألتني عن الأدب الذي يسحرني لقلت إنه الأدب الياباني بلا منازع، لخوضه في قعر النفس البشرية ليحللها ويرميها عارية أمامنا ،ننظر إليها كما ننظر للمرآة ، فلا نرى إلا أنفسنا.‏‏

سيرة ذاتية‏‏

مدرسة للغة الفرنسية‏‏

دبلوم تأهيل تربوي‏‏

ماجستير لغة فرنسية‏‏

عضو في جمعية عاديات اللاذقية‏‏

الأعمال: داء ودواء- خارج عن الموضوع- سبع نساء ورجل - استلاب‏‏

روايات: هل أعود- هيا بنا نتعرى - زهرة عباد الشمس- ثلاثة كتب مترجمة من الفرنسية إلى العربية‏‏

محاضرة في جمعية عاديات اللاذقية .‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية