تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


احتفاء.. قلنا لآلامنا كوني مراكبنا..أدونيـس وتسعون نغمــاً مـن موســـيقى الحــوت الأزرق..

دائرة الثقافة
ثقافة
الأربعاء8-1-2020
تسعون عاما على ولادة الشاعر والمفكر السوري الكبير ادونيس.. لم تكن الولادة عام ١٩٣٠ على سرير اخضر كما نزار قباني ولا هي ولادة بمدينة يتوفر لها حينها على الأقل الكثير من مقومات الحياة والقدرة على متابعة ما يصل من مفردات الحضارة والثقافة والنشر والعلم..

‏‏

في قصابين القرية الجبلية الجميلة في محافظة اللاذقية كانت الولادة في بيت الدفء والمتابعة الحثيثة لكل معرفة وقراءة ولاسيما العرفانية.. وتمضي سيرة الولادة لتشق جدولا يحفر مجراه عميقا ليصبح فراتا ونهرا خالدا حين يقف الفتى علي احمد سعيد اسبر أمام رئيس الجمهورية حينذاك ويلقي قصيدة للترحيب بالزائر للمدينة ويكون الطلب أن يدخل المدرسة ويكون له ذلك.. ويتفوق.‏‏

‏‏

لم يعرف أدونيس مدرسة نظامية قبل سن الثالثة عشرة، حفظ القرآن على يد أبيه، كما حفظ عدداً كبيراً من قصائد الشعراء القدامى, وفي ربيع 1944 ألقى قصيدة وطنية من شعره أمام شكري القوتلي، رئيس الجمهورية السورية حينذاك، والذي كان في زيارة للمنطقة, نالت قصيدته الإعجاب، فأرسلته الدولة إلى المدرسة العلمانية الفرنسية في طرطوس، فقطع مراحل الدراسة قفزاً، وتخرج من جامعة دمشق متخصصاً في الفلسفة سنة 1954, التحق بالخدمة العسكرية عام 1954، وقضى منها سنة في السجن بلا محاكمة بسبب انتمائه - وقتذاك - إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي تركه تنظيميا عام 1960, غادر سورية إلى لبنان عام 1956، حيث التقى بالشاعر يوسف الخال، وأصدرا معاً مجلة شعر في مطلع عام 1957. ثم أصدر أدونيس مجلة مواقف بين عامي 1969 و1994.‏‏

‏‏

درّس في الجامعة اللبنانية، ونال درجة الدكتوراة في الأدب عام 1973 من جامعة القديس يوسف، وأثارت أطروحته الثابت والمتحول سجالاً طويلاً, بدءاً من عام 1955, تكررت دعوته كأستاذ زائر إلى جامعات ومراكز للبحث في فرنسا وسويسرا والولايات المتحدة وألمانيا. تلقى عدداً من جوائز التكريم على المستوى العالمي.‏‏

ومنذ أن بدأ ادونيس إضرام النار في هشيم القش العربي.. ثقافة ولغة وتفكيرا مازال ادونيس يتقد ويحفر مجرى عميقا ليكون أسلفنا فراتا تتعدد روافده لتروي كل حديقة واعدة تضاف إلى المجرى العميق الذي لا يمل من العمل على حمل الطمي إلى أغوار بعيدة أو جعله يتحول إلى سماد للارض الجديدة التي تنبت ما يستحق الحياة.‏‏

تسعون عاما من سيرة ومسيرة الشاعر وهو مازال حاضرا بقوة في المشهد الثقافي العربي والعالمي بشعره وآرائه النقدية.. يطرح ويناقش ويثير سيلا من الأسئلة والإجابات.‏‏

في جعبته التي رفدت المكتبة العربية اكثر من ٦٠ كتابا بين النقد والشعر دخلت كل بيت ومكتبة عربية.. من أتفق معها ام اختلف.‏‏

يوم جفت ينابيع الحياة‏‏

عندما توفى والدي في حادث سير مروع، جفت في داخلي ينابيع الحياة، وماتت قريتي في نفسي، لم تعد تعنيني (قصابين) بعده إلا بصفتها ذكرى مؤلمة عن مكان صار خاليا من كل معنى بالنسبة إلي، فاتجهت بغرائزي كلها نحو الرحيل، رحيل لا يعرف التوقف باتجاه مجاهيل لا نهاية لها.‏‏

يولد الانسان أكثر من مرة وفي أكثر من مكان، ولادته الأولى من أبويه عمل الطبيعة لا اختيار فيه... كنت مسكونا بشعور غامض أن مكان ولادتي الأولى ليس مكانا لكي أنمو فيه، بل لكي أنطلق منه، شعور يقول لي: لن تجد نفسك إلا في مكان آخر في أمكنة أخرى، كأن الإنسان لا يصبح نفسه إلا بالخروج منها، كأن تاريخ الانسان هو تاريخ الخروج من نفسه، لكن, كيف أخرج، وأين؟؟؟‏‏

ويقف أدونيس عند القائه القصيدة أمام رئيس الجمهورية حينذاك، طالبا شيئا واحدا فقط أريد أن أتعلم، وكان له ما أراد، في سفر من اسفار السفر الكبير هذا، أعني مقدمة ستجد ادونيس الانسان، المرارة والتحدي، الفعل قبل ان تلقي عليه جوازم المضارع لتحيله ماضيا.‏‏

موسيقى الحوت الازرق‏‏

من كتابه المهم جدا موسيقى الحوت الأزرق كان العنوان الذي بدأنا به.. اما ماذا تعني موسيقى الحوت الأزرق.. يقول ادونيس في ص ٩٩ من الكتاب المذكور.. اكتشف كريستوفر كلارك الباحث في جامعة كورنيل بولاية نيويورك أن الحوت الأزرق حسا إيقاعيا وان الموسيقى بالنسبة إليه عنصر حيوي فهذا الحوت يطلق ترنيمة موسيقية غنائية متتالية يمكن أن تتواصل عدة أيام في كل مئة وثمان وعشرين ثانية تماما أو في كل مئتين وثمان وخمسين دقيقة عندما يتخذ وضع الراحة..‏‏

هذا النشيد المائي يتيح لهذه الحيتان أن تتعرف على مواضعها في المحيطات وان تعرف ما يحيط بها على مسافة قطرها عشرة كيلو مترات..‏‏

من أنغام حوت ادونيس الأزرق نحاول أن نقدم باقة من أنغام حري بها أن تحدد رؤانا وموقعنا والى اين نمضي بثقافتنا العربية.‏‏

العرب والغرب..‏‏

الغربي يحول العربي في كلامه عليه إلى شيء إلى موضوع مادة وان تشّيء ذاتا يعني انك تمارس عليها أبشع وأقسى اشكال العنف..‏‏

ثم انك حين تسمع عربيا يصف أجنبيا انه يعرف عنا اكثر مما نعرف عن أنفسنا يقصد بذلك أن الأجنبي هو السيد المتقدم العارف وان العربي هو المسود المتخلف الجاهل..‏‏

ويضيف ادونيس: النفط سبب هذه الصورة.. يبدو العربي انه ليس هو الذي يملك النفط بل يبدو على العكس أن النفط هو الذي يملكه وانه ليس دون مستوى ثروته وحسب وإنما هو ايضا دون مستوى الأشياء ذاتها.. ليس لديه اي مشروع خلاق انساني حضاري يبدو باختصار انه آلة استهلاك ولاقضية له الا ممارسة شهواته‏‏

ويخلص إلى القول: يعيش العربي اليوم الموضوع الفاجع ما من شعب يموت يوميا في مختلف أشكال الموت ويمثل هذا الحضور الدامي كالشعب العربي ومع ذلك يبدو أنه غائب عن ساحات العمل الخلاق والإبداع المؤسس رغم طاقاته الهائلة على كل صعيد.. كهذا الشعب حتى ليبدو في بعض اللحظات كأنه لم يعد موجودا الا في الكتب.‏‏

قلنا لآلامنا كوني مراكبنا..‏‏

واستنفري شرر‏‏

التكوين واصطخبي‏‏

ناراً لمن تاه‏‏

ان خفت أو ابتردت..‏‏

وضعت قلبك فيها‏‏

موضع الحطب‏‏

دمشق: قافلة النجوم‏‏

في سجادة خضراء..‏‏

ثديان من جمر وبرتقال..‏‏

دمشق العاشق في سريره كالقوس والهلال..‏‏

يفتح باسم الماء قارورة الايام..‏‏

كل يوم يدور في مدارك الليلي‏‏

يسقط في بركانك الشهي‏‏

ذبيحة.. والشجر النائم حول غرفتي‏‏

ووجهي تفاحة.. وحبي وسادة جزيرة.. لو أنها تجيء‏‏

دمشق.. يا ثمر الليل ويا سريره‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية