لكن ذلك الأمر يبقى نسبياً بشكل عام ، فالوضوح عادة غير دائمة وربما موسمية في كثير من الحالات .
ليست أفكار البشر سوى مكوّن غير متاح للتجربة أو التعرّف عليه بطريقة واضحة ، وبالتالي استنتاج تفاصيلها لن يكون سهلاً ما لم تكن مصحوبة بالتصرفات ، فيما تبدو سلوكيات الكثيرين غير مُنسجمة مع حقيقة مايدور في أعماقهم.
يختار البعض أن يتوارى خلف مقولات ونظريات وأحاديث خارجة عن قناعاته ، ولا تعكس شعوره وموقفه من المحيطين به ، إما لإخفاء حقيقة مشاعره أو لأن لديه أمراً يريد الاحتفاظ به دون معرفة الآخرين.
البعض يقولون من حقّهم عدم البوح بما في صدورهم وإنهم غير مضطرين للتصريح عن موقفهم من الأشخاص والأشياء أمام الكثيرين ، وتحت تلك المظلة من المبررات تنمو وتتكاثر السلوكيات الغريبة، والتي يصعب معها معرفة أو قراءة أفكار هؤلاء.
المسألة الأساسية هي أن الناس ليسوا مُجبرين على محاولة قراءة الأفكار والتحقق من خبايا النفوس ،فالأصل في الأشياء هو الوضوح ، إلا عندما يتعلّق الأمر بالخصوصيات التي لاترتبط بالآخرين ولا تُسبب لهم نفعاً أو ضرراً.
وثمّة أشخاص يمتلكون مفاتيح الفراسة والتنبؤ بطبيعة الذين يتعاملون معهم ، وهم في حقيقة الأمر يتوقّعون ويستنتجون ويحاولون ربط بعض التصرفات بخلفيات ترتبط بالأفكار ، وهي مهمّة صعبة في ظلِّ تبدُّل الطباع والمصالح والمواقف حسب الظروف ، فالأفكار تبقى مُلكاً حصرياً لأصحابها ، ويتطلّب الوصول إليها مزيداً من الوضوح الاجتماعي.
ستبقى مسافات تفصل بين العقل والسلوك ، وبين المشاعر والتصرفات ، مادام لدى البعض سبباً لإخفاء ما بداخلهم ، أو الظهور على غير حقيقتهم ، وهو حقٌّ لهم في كُلِّ الأحوال..