ولو أتيح له أن يسلك الطرقات الترابية المغبرة ذاتها بعربة يجرها حصانان لكان أسعد رجل في العالم، في زياراته إلى الأماكن التي عاش فيها كبار الأدباء والفنانين الفرنسيين كما لو أنهم مازالوا أحياء معاصرين له، وبذلك فقد أنجز صرحاً جديداً لأولئك العظماء بريشته العبقرية بانياً إياه في كتاب يحمل اسم «بيوت الفكر» من 590 صفحة.
لقد تم استقبال رينوكاموس في منازل وقصور مسكونة وتناول الشاي مع الماركيزة الكاتبة دوسيفينيه كما تناول الطعام على مائدة جورج صاند، والتقى غوستاف فلوبير في مخدعه ثم ذهب إلى أون فلور ليتفقد بيت ايريك سايته فقصر البليو لايحب عصره بل يفضل أن يعيش في الحاضر الأبدي، وهو لا ينسى أبداً انفعاله عندما التقى أورو صاند حفيدة جورج صاند عام 1960 في منزل جدتها الذي مازال على حاله في ضاحية نوها.
«نعم لقد تحدثت إلى شخص تحدث إليه فلوبير يوماً » يقولها كاموس مفتخراً وهو القارئ النهم قبل أن يكون سائحاً منهجياً وهو يدخل منازل المفكرين بالطريقة ذاتها التي يدخل فيها إلى أعماق كتاب جميل، فقط لأجل متعة النص دون الحاجة لآلة النقد أو لتحفظات متعارف عليها، وما إن يسمع بمكان ما كان يوما منزل مبدع أو تحول إلى متحف حتى يشب فوراً ويهرع إليه، وعندما تتهافت وسائل الاتصالات إلى كلو ليسي حيث عاش ليونار دافنشي ويتقاطر السياح إلى حديقة بيتا للفنان الرسام كلود مونيه ترى كاموس وقد ظهر استثنائيا كحاج أدبي إلى هذه الأمكنة، فهو الذي كتب مجلدين عن منازل المفكرين والفنانين في حدائق انكلترا وفي جنوب غرب فرنسا، يريد اليوم أن يمسح الشمال الغربي حيث يفتش بشغف عن مخلفات دوبيليه الذي عاش في القرن السادس عشر وعن آلان فورينيه وعن قصر شاتوبريان وقلعة سارا برنارد وفي حقول الشاعر رونسار وفي منزل كليمانسو الصيفي إذ إنه وفي كل زيارة هناك فرصة لإيقاظ طيف عملاق أدبي خاصة وهو يرسم صورة بلزاك الذي يعمل ليل نهار في غرفته الصغيرة في قصر ساشيه وهو القصر الذي كان يملكه عشيق والدته الشهير بكرهه للضيوف.
أما في غير نيسيه فقد راح الكاتب يلتقط الحوارات الصامته التي جرت يوما بين فيكتور هيغو وعشيقته جولييت درويه ويجسد صورتها الرائعة في ثوبها كما كان يراها هيغو وكما كانت تجده رائعا في هيئة آدم.
وفي منطقة أثريتا فيخبرنا عن موريس لوبلان والد آرسي لوبين الذي ولد من آشيل فلوبير شقيق الكاتب غوستاف، وفي قصر غوفيرفيل يفتح الباب المطل على حديقة كتاب «الباب الضيق» للكاتب أندريه جيد.
إن عدسة المصور تشبه ريشة الكاتب حين تطرد من موضوعها ما يتعلق بالعصر الحالي كما أنها تميز الطبيعة على الثقافة.
لقد نجح كاموس بتصوير زمن لم يكن فن التصوير موجودا فيه وبحث عن لحظات كان شعاع النور الأبدي يداعب الحجارة الصماء للمكان لتعود خلال هذ ه اللحظات إلى سابق عهدها يوم كانت تأوي العظماء .
إن هذا الصرح الذي أقامه رينوكاموس لم يأو إلا كاتباً معاصراً هو روبرت دوغولين وهو كاتب روائي شغوف بجمع الفراشات وصديق لـ جوليان غراك الذي يسكن قصرا يعود للعصر الوسيط ويفتح أبوابه للجمهور ليتذوقوا روعة المكان.
وبكلمة أخيرة فإن كتاب «بيوت الفكر» الذي حاول رينو كاموس إحياء العظماء من خلاله يضم بين دفتيه آثارا ضخمة لهؤلاء، يضم إليهم الحي الوحيد الذي يبدو وكأنه مات لينضم إلى العظماء، وقد يكون في ذلك عبرة.