من احتمال تعرضه للخسارة في القضايا التي يزمع القيام بها، ويضرب صفحاً عن التعامل مع الكثير منها تحسباً من أن يمنى بالفشل.
لقد لازمته الخشية والخوف تحسباً من أن يفقد منصبه، وقد ذكر أحد خصومه السياسيين أن نتنياهو يعمل كل ما بوسعه للاحتفاظ بأغلبية حكومته في الكنيست، وهذا يعني بأن الخطة حول حل الدولتين لشعبين، إن وافق عليها الفلسطينيون، ستؤدي بالضرورة إلى ترك بعض المستوطنات، الأمر الذي حدا به إلى المباشرة منذ الآن باختلاق الأعذار التي تمكنه من التخلص منها تحسباًَ من أن ينقلب عليه بعض أعضاء حزبه وشركائه في الحكم من شاس وإسرائيل بيتنا ويفقد تأييدهم.
من المسلّم به أن نتنياهو قد وافق على تنفيذ عمليات الاغتيال المعقدة التي يعد لها الموساد في الدول العربية، وذلك إبان ولايته السابقة لرئاسة الحكومة، وقد أشارت مصادر أجنبية إلى أن بيبي قد وافق في عام 1997 على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في عمان، ذلك لأن داني ياتوم، الذي كان يشغل رئاسة الموساد آنذاك، أقنعه بحتمية نجاح عملية الاغتيال، وقد جرى التنفيذ في عمان حيث أمسك عدد من عملائه الموساد بخالد مشعل عندما كان مغادراً لمنزله وحقنوه بمادة كيميائية تقود إلى إصابته بأعراض الجلطة القلبية (تماماً كما يحدث في الأفلام) لكن حرسه لحقوا بهم، وتمكنوا من القبض على بعضهم، وفر الآخرون حيث تمكنوا من الاحتماء في السفارة الإسرائيلية.
وعندما علم بيبي بفشل العملية أجرى اتصالاً بالملك حسين، الذي أبدى امتعاضه وغضبه من التصرف الإسرائيلي، وهدد بقطع العلاقات إن لم يتم إرسال مصل مضاد للمادة التي حقن بها مشعل، وبوساطة من أفرايم هالفي الذي كان مقرباً من الملك، استجابت إسرائيل للمطلب، وعاد مشعل إلى الحياة بعد أن كاد يفقدها، الأمر الذي رفع أسهمه وحوّله إلى الشخصية الأكثر أهمية في قيادة حماس.
وثمة أمور أخرى طالب بها الملك حسين، واستجاب لها نتنياهو، تتمثل بعودة القائد الروحي لحماس الشيخ أحمد ياسين والعشرات من السجناء إلى غزة. ما أفضى إلى زيادة قوة حماس وأعطى دفعاً كبيراً للمسلحين الفلسطينيين. وبذلك فإن أي شخص يريد معرفة الكيفية التي تمكنت بها حماس من السيطرة على غزة فما عليه سوى البدء منذ عملية الفشل التي انتهت إليها عملية 1997.
إزاء السرية والكتمان بشأن قضية مشعل، لم يكشف عن دور بيبي الذي يؤكد الواقع أنه لم يكن موافقاً على العملية فحسب، بل كان مؤيداً ومشجعاً على تنفيذها، متجاهلاً في ذلك ما دأبت عليه إسرائيل منذ أمد طويل بألا تنفذ أي عملية تفضي إلى تقويض وضع سلطة لقائد تربطه علاقات ودية معها. وقد أقر هذا المبدأ منذ أن كانت غولدا مائير رئيسة لحكومة إسرائيل، حيث شكلت مجموعة صغيرة أطلقت عليها «لجنة إكس»، وتركت لتلك اللجنة تقدير القبول أو الرفض للقيام بعمليات غامضة خارج حدود إسرائيل. هذا وإن صحت الأقوال التي تناقلتها المصادر الغربية وكانت إسرائيل ضالعة في عملية الاغتيال التي جرت في دبي فإنه سيصعب علينا تفهم دور بيبي في هذا المضمار في ضوء ما عرف عنه من تحسب وخشية من الوقوع في فشل أو مأزق يتعذر عليه الخروج منه. ذلك لأن ثمة أموراً كان لابد أن تؤخذ بالحسبان قبل الإقدام على مثل تلك العملية أهمها: أولاً، إن اتخاذ القرار باغتيال محمود المبحوح قد جاء في الوقت الذي توقفت به دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا عن تنفيذ عمليات الاغتيال نتيجة لتوافر أجهزة للمراقبة الدقيقة والاستخبارات الالكترونية تطول أصغر التفاصيل والتي يصعب كشفها.
والأمر الثاني، إنه كان من الأفضل لإسرائيل (بدلاً من تنفيذ عملية الاغتيال) أن تعمد إلى مراقبة المبحوح لكشف المصادر والطرق التي تموله. والأمر الثالث، هو أن إسرائيل على علم تام بأن كل عملية اغتيال ستجابه بعملية انتقام قد تفوقها تأثيراً.
إن ثبت ما تقوله المصادر الغربية من كون عملية دبي هي عمل إسرائيلي، فإن ما يثير الاستغراب هو اللجوء إلى استخدام جوازات سفر لدول صديقة تم الحصول عليها من أشخاص مقيمين في إسرائيل وخارجها، الأمر الذي شكل إساءة للعلاقة مع تلك الدول، والخطأ الفادح الآخر هو اختيار دبي المعروف عنها بأنها تمتلك شبكة كبيرة من كاميرات المراقبة تمكنها من الوقوف على الأحداث بشكل واضح.
في الحقيقة لا نعلم حتى الآن من اتخذ القرار ووافق على تنفيذ العملية لأنه على حد علمنا مشكلتنا وأولوياتنا الأمنية هي مع إيران. لكن كامل المؤشرات تؤكد ضلوع نتنياهو في العملية بإعطائه الموافقة على تنفيذها إذ إنها لم تكن لتتم لولا موافقته ومباركته لها.