تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سادة عصر العلوم

ملحق ثقافي
2/ 3 / 2010
عقبة زيدان:يرى المؤرخون أن العرب والآراميين والكنعانيين من أصل واحد. ولكن من سكن منهم المرتفعات دعي بالآرامي،

ومن سكن المنخفضات دعي بالكنعاني، ومن سكن البادية دعي بالعربي. أما الآراميون الذين آمنوا بدعوة السيد المسيح، فتسموا بالسريان تمييزاً لهم عن الآراميين الذين تمسكوا بالوثنية. واستطاع الآراميون أن يؤسسوا في القرن الحادي عشر قبل الميلاد عدة دول منها آرام النهرين في حران وآرام صوبا وآرام دمشق وآرام رحوب وآرام حماة وبيت عدين.....إلخ. وأصبحت الآرامية بعد سقوط دولة الآشوريين لغة عالمية في جميع أرجاء المنطقة. وانتشرت اللغة الآرامية في آسيا الصغرى وسورية وبلاد ما بين النهرين، حيث أصبح الكلدانيون والآشوريون وأبناء فلسطين عملياً آراميي اللغة.‏

وفي هذا الكتاب "ثقافة السريان في القرون الوسطى"، تقوم الكاتبة نينا بيغوليفسكايا بسرد تاريخي لحضارة السريان عبر العصور، مع حضارة الدول التي تعايشت معها وجاورتها، كإيران وبيزنطة، والجزيرة العربية وأرمينيا وجورجيا. وهكذا فإن المصادر السريانية التي اعتمدت عليها المؤلفة، دفعتها لحل إشكالات اجتماعية واقتصادية للنظام البيزنطي، الذي تكون في المراحل المبكرة للقرون الوسطى؛ وكذلك قراءة العلاقات الاقتصادية في إيران أيام الساسانيين. وغاصت المؤلفة في أعماق الحياة الاقتصادية والأيديولوجية للقبائل العربية وللدول التي قامت على حدود إيران وبيزنطة.‏

تقول الهيئة السوفييتية الناشرة للكتاب: "وفي القرون الأولى من العصر الجديد "الميلادي" كان الآراميون يشكلون فيما بينهم مجموعة بشرية ضخمة العدد، ولكنها غير محددة السمات والملامح العرقية، فهي كتلة غير مستقرة كانت تشمل سكان سورية وفلسطين وبلاد ما بين النهرين، الموزعة بين إمبراطوريتين سياسيتين كبيرتين في ذلك العهد "الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية البارثية". ففي نطاق الإمبراطورية الرومانية أطلق على هذا الشعب اسم "السريان" "السوريين". مع أنه في كل منطقة من المناطق التي كانت خاضعة لهذه الإمبراطورية كان يوجد عدد من الشعوب الأخرى: الرومان، الرونان، الفرس..إلخ".‏

كان للسريان، في القرون الوسطى، دور ثقافي عظيم على نطاق التاريخ العالمي، إذ كانوا حلقة وصل بين الغرب والشرق، وتعاظم دورهم في القرنين السابع والثامن الميلاديين، أي في مرحلة التصادم الشرق المسلم مع الغرب المسيحي. كان السريان يعيشون في العالم الإسلامي، ويلتزمون الدين المسيحي، وهكذا فقد كانوا وسطاء مهمين لنقل المعلومات والأنباء العلمية والثقافة عموماً بين الغرب والشرق. وساهم السريان في نقل التراث اليوناني الفلسفي والطبي إلى العربية، ومن ثم ساهموا في نقل الشروحات العربية إلى أوروبا.‏

تحدث مؤلفة الكتاب في الفصل الأول عن التعليم السرياني في القرون الوسطى، مستعرضة أهمية السريان في ربط العلاقات بين الإمبراطوريتين الكبيرتين وقبائل الجزيرة العربية، وأهمية اللغة السريانية التي تغلغلت في مناطق آسيا الوسطى، لدرجة أن المترجمين السريان والمبعوثين والمبشرين سيطروا على جزء كبير من آسيا. ثم تفرد المؤلفة للمدرسة السريانية حيزاً لابأس به، تلك المدرسة التي كانت قوية تقدم معرفة موسوعية. واشتهرت جامعة الرها ومدرسة نصيبين بين المدارس السريانية.‏

ازدهرت المدارس السريانية في القرون الوسطى، ولعبت دور المراكز التعليمية الرئيسة حتى القرن الثاني عشر للميلاد. ويذكر مؤرخو القرون الوسطى تلك المدارس، ويفرقون بين المدارس التي تعنى بالتدريس والثقافة والتعليم، وتلك التي تتميز بأهمية استثنائية خاصة لكونها مدارس عليا.‏

اشتهرت مدرسة نصيبين بقواعدها الأكاديمية وأنظمتها، واعتبرت من أروع معالم التعليم السرياني، احتوت على نظام داخلي جامعي، يعد الأقدم في القرون الوسطى. إن قواعد مدرسة نصيبين تنظم سلوك الدارسين وتصرفهم ومعطيات دقيقة عن ظروف حياتهم ومعيشتهم، وكذلك عن الأقسام الرئيسة للمدرسة. إنها ترسم لوحة واقعية عن الحياة الفعلية للأكاديمية وتقاليدها والقيم الأخلاقية التي كانت سائدة فيها. ولقد طبقت قوانين هذه المدرسة على مدى قرنين.‏

ينص قانون المدرسة، والذي ورد في مؤلفات عبد يشوع الصوباوي أنه "في السنة الأولى تبدأ الدراسة هناك، حيث يوجد خبز في المدرسة، يوم الاثنين بعد الأحد، الذي يجب أن تنشد فيه ترتيلة "بعد تابوتك". أما في المدارس التي لا يوجد فيها خبز، فإنه يتوجب على الدارسين أن يشتغلوا لكي يطعموا، ويجب أن تبدأ الدروس يوم الاثنين، الذي يلي الأحد، الذي تنشد فيه ترتيلة "ليس من الحياة"".‏

لعبت المدارس السريانية دوراً تنويرياً واسعاً، إذ حددت نمط الحياة العقلية في منطقة الشرق الأدنى بأكملها، وواصل الخريجون أداء مهامهم الجليلة محافظين على التقاليد العلمية والتثقيفية بحيث أصبحت إحدى السمات المميزة لمدارس الاسكندرية وأنطاكية والرها. وتمكن السريان أيضاً من بناء مدرستهم في بلاد فارس، تلك المدرسة التي احتلت مكانة هامة في حياة الشعب السرياني، وحظيت باحترام الشعب الفارسي.‏

اللغة‏

عمت اللغة السريانية بلدان الشرق وجيرانه من الفرس والبيزنطيين والعرب، واستخدمت هذه اللغة في المباحثات الدبلوماسية بين إيران وبيزنطة، وبها وضعت الأحكام والنصوص الإجرائية العملية في سورية وبلاد ما بين النهرين. وقد كتبت بهذه اللغة وترجمت الكتب العلمية والأدبية واللاهوتية، وعن طريق السريان تعرف الفرس والعرب على العلوم والفلسفة اليونانية. وتعد السريانية أول كتابة سامية بلغت درجة رفيعة من التطور والتقدم في مجال التدوين. وقد سار السريان على نهج الإغريق "الذين استخدموا أحرفاً خاصة للدلالة على أصوات المد، حيث أدخل السريان في كتابتهم لبلوغ هذه الغاية علامات وإشارات خاصة ثم بدؤوا باستعمالها بشكل منتظم وثابت".‏

توقف السريان مطولاً عند مؤلفات المعلم الأكبر أرسطو، فتأثروا بمصنفاته وتآليفه في الطبيعيات والإلهيات والأخلاق، واستفادوا - وخصوصاً من كتاب فن الشعر - في دراساتهم وأبحاثهم اللغوية من الفصول المكرسة للمسائل النحوية، التي شكلت الأساس الفلسفي لفهم بنية الجملة السريانية وتأصيل اللغة السريانية. ومع ازدياد الترجمات من اللغة اليونانية، تغيرت بنية اللغة السريانية صورة واضحة، واغتنى معجمها اللغوي بكلمات ومصطلحات كثيرة.‏

تسرد المؤلفة تاريخ حياة وأعمال بعض الفلاسفة والعلماء الذين شكلوا علامات فارقة في التاريخ الفكري للسريان. وكان أولهم برديصان الرهاوي الشاعر والفيلسوف، وأفرهاط الحكيم الفارسي الذي وضع مصنفات كثيرة وشروحاً للكتاب المقدس، ومار أفرام السرياني "نبي السريان".‏

يقول الدكتور خلف الجراد في تقديم ترجمته لهذا الكتاب: "أما قيمة العمل الذي بين أيدينا.. فإنها تتلخص في كشف الصلات الطبيعية – الثقافية والجغرافية والبشرية والاقتصادية والاجتماعية ما بين السريان ومحيطهم الذي ينتمون إليه، بحيث أنه لا يمكن من الناحية الفعلية فصل منجزاتهم الثقافية – العلمية عن إبداعات وعطاءات من سبقهم".‏

صدر الكتاب عن دار عشتروت في بيروت، ويقع 233 صفحة من القطع المتوسط.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية