حيث أثمر التعاون المتميز بين أبرز مخرجي السينما الهندية «كاران جوهر» وألمع نجومها الممثل الموهوب «شاه روخ خان» في توجيه رسالة عالمية سامية تحت عنوان «اسمي خان ولست إرهابياً»، وهي رسالة عن التسامح ونبذ التعصب ينشرها بطل فيلم «اسمي خان» الذي يتناول واقع حياة أبناء الجالية الهندية وغيرهم من الشرقيين المقيمين في الولايات المتحدة وسط هاجس الارتياب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول.
يستعرض هذا الفيلم الذي جرى عرضه الافتتاحي في أبو ظبي في 10 شباط 2010، ثم تم توزيعه على المستوى العالمي بعد يومين من ذلك التاريخ ويُعرض حالياً ضمن تظاهرات مهرجان برلين السينمائي الدولي الستين، يستعرض نشأة الطفل المسلم «رضوان خان» مع أخيه «زاكر» في عائلة من الطبقة المتوسطة تعيش في مدينة مومباي الهندية، وكيف يلاقي رعاية مفرطة من والدته لأنه يختلف عن باقي الأطفال بسبب معاناته من اضطراب «التوحد». هذا الاهتمام المتواصل الذي يحظى به «رضوان» يثير الغيرة في نفس شقيقه لدرجة تدفعه مع مرور السنين إلى ترك العائلة عندما يصبح شاباً والهجرة إلى الولايات المتحدة. لكنه لا يتخلى عن «رضوان» خصوصاً بعد وفاة والدتهما ويستدعيه للعيش معه في سان فرانسيسكو. سرعان ما تكتشف زوجة «زاكر»، وهي طبيبة نفسانية، أن «رضوان» «بأداء النجم شاه روخ خان» يعاني من متلازمة «أسبرجر» «أو طيف التوحد»، وهو اضطراب نفسي يجعل المصاب به يعاني من صعوبة التواصل والتفاعل مع الآخرين اجتماعياً. يبدأ «رضوان» بالعمل لدى شقيقه كمندوب مبيعات ويتعرف خلال مهنته الجديدة على «مانديرا» «بأداء النجمة الهندية كاجول»، وهي سيدة هندوسية مطلقة تعيش بمفردها مع ابنها الصغير «سمير»، فيتودد إليها ويتكلل هذا التعارف بالزواج رغم معارضة شقيقه «زاكر» بسبب اختلافهما الديني. ينتقل العروسان للاستقرار في إحدى ضواحي المدينة وتحمل «مانديرا» وابنها «سمير» كنية الزوج المسلم «خان». تتأقلم العائلة بسرعة مع محيطها الجديد وتقيم علاقات طيبة مع سكان المنطقة وخصوصاً مع جارهم الصحفي «مارك» وابنه الصغير «ريس».
لكن هذا الانسجام المجتمعي بين الجنسيات المختلفة يشهد حالة غير مسبوقة من الاضطراب بعد أحداث 11/9 الإرهابية وما ينجم عنها من حالة هستيرية تجعل الأمريكيين عاجزين عن التمييز بين الصالح والسيء من المسلمين أو الهندوس أو العرب أو الآسيويين بشكل عام. ونتيجة لذلك يصبح المسلمون في كافة أرجاء الولايات المتحدة أشراراً في نظر معظم الأمريكيين، بل ويتعرضون أيضاً للمضايقات والأعمال العدائية. وعلى نحوٍ موازٍ، تعاني عائلة «خان» من تبعات هذا الارتياب الذي بات معروفاً باسم «الإسلاموفوبيا» «رُهاب الإسلام أو التخوف من الإسلام»، لاسيما حين يتوجه جارهم الصحفي «مارك» إلى أفغانستان لتغطية الحرب الدائرة فيها ويلاقي مصرعه على نحوٍ غير متوقع، فتنقلب تصرفات ابنه «ريس» بصورة سلبية على «سمير».
وتحدث المأساة عندما ينشب شجار ذات يوم في باحة المدرسة بين الصغيرين «ريس» و»سمير» على خلفية التمييز العرقي، ثم لا يلبث أن يتدخل بعض الطلاب الأكبر سناً ويتعرض «سمير» لضرب مبرّح على يد هؤلاء المتنمرين رغم محاولات «ريس» لإبعادهم إلا أنه يفارق الحياة إثر هذا الاعتداء. تلقي الأم المفجوعة «مانديرا» اللوم على زوجها «رضوان» لأنه جعل من ابنها هدفاً لموجة الاعتداءات بما أنه حمل اسمه المسلم «خان»، وتطرده من المنزل وتخبره أنه لن يستطيع العودة إليها حتى يعلن أمام الشعب والرئيس الأمريكي شخصياً أن اسمه المسلم «خان» لا يعني أنه إرهابي. يقرر «رضوان» تحقيق رغبة زوجته فيبدأ رحلة طويلة من ولاية إلى أخرى بهدف لقاء الرئيس الأمريكي إلى أن يصل في نهاية المطاف إلى مكان يحتشد فيه جمهور غفير لتوجيه التحية إلى الرئيس، فيهتف بأعلى صوت «اسمي خان ولست إرهابياً» لكن رجال الأمن يسيئون فهم هذه العبارة التي لا يتوقف عن تكرارها ويسارعون إلى اعتقاله مشتبهين بأنه إرهابي ويتم زجه في السجن. ثم يُطلق سراحه إثر حملة إعلامية يشنها طالبان هنديان يدرسان الصحافة في أمريكا ويثبتان براءته من تهمة الإرهاب الموجهة إليه. وفي نهاية الأمر يتمكن «رضوان» من الالتقاء بالرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما الذي يطمئنه بقوله «اسمك هو خان ولستَ إرهابياً».
في معرض حديثه عن «اسمي خان»، أكد مخرج الفيلم «كاران جوهر» بقوله: «يركز الفيلم على فكرة رئيسة تؤكد على ضرورة تضافر جهودنا جميعاً من أجل قضية مشتركة ألا وهي الإنسانية. فكلنا على يقين أن الإرهاب لا دين له ولن يكون له أي دين لا حاضراً ولا مستقبلاً».
وفي مقابلة أجريت مع بطل الفيلم «شاه روخ خان» في شهر تموز 2009، أكد بأن فكرة الفيلم تتمحور حول العلاقة بين الغرب والإسلام بطريقة حضارية ومحايدة وكيف تغيرت هذه العلاقة عبر السنوات القليلة الماضية نتيجة لأحداث 11/9، وكيف ينظر العالم اليوم إلى دين الإسلام من دون أن يظهر الفيلم أي انحياز في الرأي، مشيراً إلى أن الفيلم لا يرصد معركة البطل للتغلب على مشكلته النفسية وإنما يتناول معركته ضد حالة العجز المتفشية في العالم والمتمثلة في الإرهاب والكراهية والعنف. وأشار الممثل «خان» إلى هذه النقطة بقوله: «نحاول القول فقط أن البشر ينقسمون إلى أناس طيبين وآخرين سيئين. فليس هناك هندوسي طيب أو هندوسي سيء، أو مسيحي طيب ومسيحي سيء. والمقصود بذلك إما أن تكون إنساناً جيداً أو إنساناً سيئاً. فالدين ليس المعيار الذي يحدد طبيعة وسلوك البشر. المعيار هو الإنسانية وحسب.» كما ذكر «خان» أنه نظراً لكنيته وديانته الإسلامية «حاله كحال بطل الفيلم رضوان خان» فإنه يتعرض أحياناً لمزيد من التدقيق الأمني والتفتيش في المطارات الدولية. ففي 14 آب من عام 2009 توجه «خان» إلى الولايات المتحدة من أجل الحملة الدعائية المخصصة لفيلم «اسمي خان» ولكن لدى وصوله إلى مطار نيوارك في نيوجرسي، تم توقيفه واستجوابه لمدة ساعة كاملة عن سبب وطبيعة زيارته ولم تفرج عنه سلطات الهجرة الأمريكية إلا بعد تدخل السفارة الهندية في واشنطن. وقد علق «خان» على هذا الأمر في مقابلة أجريت معه لاحقاً بقوله «لقد تم استجوابي ومن ثم احتجازي في غرفة مليئة بأشخاص ينتظرون نتيجة التدقيق في سمات دخولهم إلى الولايات المتحدة وكان معظمهم من الآسيويين. في الحقيقة إن الشيء الذي جعلني أشعر بالاستياء هو هؤلاء الأبرياء المجبرين على الانتظار الطويل من دون أي مبرر. أما بالنسبة لي شخصياً، فقد كنت على يقين من أنني سأخرج بسلام. فهناك من كان يرافقني في رحلتي فضلاً عن وجود الجهات الدبلوماسية التي ستثبت هويتي. أما الآخرون فقد يواجهون متاعب غير متوقعة. أعتقد أن هذا الإجراء الأمني لابدّ من اتباعه، لكنه لسوء الحظ إجراء غير لائق». وقد قام حاكم ولاية كاليفورنيا الممثل المعروف «أرنولد شوارتزنغر» بدعوة «خان» إلى عشاء ودي في محاولة منه لتهدئة الخلاف الدبلوماسي الذي أثارته تلك الحادثة في ضوء الاستياء العلني الذي عبّر عنه السياسيون والفنانون وغيرهم من الشخصيات البارزة في الهند.
وتجدر الإشارة إلى أن الناقد «كيرك هونيكات» من مجلة «هوليوود ريبورتر» الأمريكية علق على «اسمي خان» بقوله أنه فيلم يسبر وبكل جرأة أعماق هستريا الأمريكيين المعادية للإسلام من خلال تطرقه لموضوع غالباً ما تجنبته الأفلام الأمريكية والمتمثل في تفاقم التمييز العرقي والأزمة التي حلت بالمسلمين في أمريكا.
ولكن مع إصدار فيلم «اسمي خان» على المستوى الدولي فضلاً عن إخراجه على يد أفضل صانع أفلام في السينما الهندية حالياً، وتوزيعه عن طريق شركة «فوكس» الشهيرة لابدّ وأن تكتسب رسالة الحب والتسامح والمساواة التي يسعى الفيلم إلى نشرها صفة العالمية. ولعل الخاتمة التي تصور المصافحة بين «رضوان خان» والرئيس الأمريكي أوباما ما هي إلا كناية عن المصالحة المنشودة بين الغرب والشرق لدفن الضغائن المجتمعية والتمييز الديني والعرقي. كما أشار العديد من النقاد إلى أن «اسمي خان» كان ينبغي أن يتم إصداره قبل سنوات عديدة لما ينطوي عليه من رسالة سامية عن التسامح ونبذ الإرهاب والتعصب والعنف، والتي تؤكد وبكل قوة أن الإرهابي لا دين له، والسبب هو عدم وجود ديانة تروج أو تشجع على قتل الأبرياء.