لارواية جديدة من دون تمرّد
ملحق ثقافي 2/ 3 / 2010 خليل صويلح: بحسب تصورات كلود سيمون فإن مصطلح الرواية الجديدة عبارة مجنّحة يراد منها تفخيخ المعنى.
على هذا الأساس أفهم الرواية الجديدة بأنها كتابة مغايرة تخوض في ثيمات جديدة كانت تقبع في الهامش بوصفها تفاصيل ثانوية، وذلك بقصد خلخلة بنى السرد التقليدية، ليس من موقع الإثارة بل وفقاً لضرورة الحدث وتداعياته، وانقلاب مفاهيم السرد عموماً، إذ لايعقل اليوم أن اكتفي بحدثٍ مركزي وألهث وراءه، بوجود روافد كثيرة تفرض نفسها على مجرى النص رغماً عن السارد وتطلعاته التخييلية. إن التشظي الذي يقتحم الوحدات السردية ليس خياراً تقنياً صرفاً، بل هو جزء جوهري من مكابدات الشخصية وعدم وضوح الرؤية لديها، بغياب القماشة التبشيرية. بطل يقف في العراء بكامل عزلته وهشاشته، لا يمكن أن ينتج نصاً صريحاً ومتكاملاً، وكأن هشاشة الشخصية المقموعة غالباً تقود إلى هشاشة في السرد نفسه،وربما على النقاد توصيف أحوال هذه الرواية، بدلاً من إقصائها عن المشهد ورميها بحجر الخطيئة. ولكن لنتوقف قليلاً عند ما انتجته الرواية السورية في العقد الأخير، ألا نجد انعطافة ما بالجغرافيا السردية؟ بالنسبة لي ألمح مثل هذا التحوّل ليس من باب القطيعة، إنما لاختلاف هواجس الشخصيات وتطلعاتها في إعلاء شأن الذات الفردية، من دون أن تهمل محيطها، ذلك إنها رواية هجائية على وجه العموم. رواية تتخفف من الأعباء التي أثقلت رشاقتها زمناً طويلاً، وتلتفت بانتباه إلى بيئات وأمكنة لم يتم تحريرها سردياً من قبل. أكثر من ذلك أنها اشتبكت مع اللحظة الراهنة واختبرت أحوال البطل وهو يسير في شوارع القارئ، وهي بذلك تعد القارئ شريكاً وليس متلقياً طالما أنهما يختبران اللحظة في التوقيت ذاته. المستغرب في هذا المقام أن تتسلل بعض الكتابات الغاضبة والحاقدة في هجاء هذا المصطلح من كتاب شباب، وكأنهم سعيدون بمنجز الستينيات والسبعينيات، ربما بحثاً عن شرعية لدى تلك الأجيال، وإذا بالتمرد يصير شبهة مرذولة وإدعاء. لنعترف أن نماذج لابأس بها من كتابات الروائيين السوريين الجدد، اقتحمت مناطق جديدة وبجرأة واضحة، سواء لجهة الموضوعات أم لجهة المقاصد الجمالية، لكن حال الإقصاء الجماعي لورشة من كسالى النقاد، تسعى من دون هوادة لإزاحة هذه التجارب من المشهد بتلفيق أفكار ليست موجودة في هذه الروايات في الأصل.هناك من كتب أن الرواية السورية الجديدة هي مجرد هوجة إعلامية، ولعل السؤال: لماذا يهتم الإعلام بنص لا يستحق الإطراء؟
حسن، تعالوا نتجاهل قائمة الروائيين الجدد، ماذا يتبقى في المشهد؟ حفنة روايات تاريخية وتبشيرية؟ ثم لماذا لا ننظر بروية إلى المنتوج السردي الجديد من موقع التجاور، أليست الرواية فناً ديمقراطياً؟ إذاً لماذا هذا الإقصاء. هل نعيش جميعاً على وليمة حنا مينة مثلاً؟ الأسطوانة تتكرر على الدوام، منذ أن اقتحم هاني الراهب الشاب المشهد بروايته الأولى"المهزومون"، أو سليم بركات أو خليل النعيمي أو كوليت خوري. من المؤسف أن البئر السورية مليئة بالحجارة وليس بالماء العذب، ثم إذا كانت الكتابات الجديدة رديئة إلى هذا الحد لماذا تتخاطفها دور النشر العربية الكبرى، وتعيد طباعتها أكثر من مرة، فيما تقبع روايات بعض "شيوخ الرواية" في مستودعات دور نشر صغيرة. نعم هناك موجة جديدة وجريئة في الرواية السورية، من دون أن نقع في خطل القطيعة، فالسرد العربي هو قوس كبير يمتد من أبي حيان التوحيدي إلى اليوم، وما على الروائي الجديد إلا أن يصوغ ويطهو نصه على ناره الخاصة.
|