تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تقسيم العراق جزء من مشروع ( الخارطة الجديدة) للمنطقة

دراسات
الخميس 11/10/2007
سليم عبود

هذا الكم الهائل من المقالات المنشورة في وسائل الإعلام العربية حول قرار مجلس الشيوخ الأميركي الذي يدعو إلى تقسيم العراق على اعتبارات مذهبية وإثنية تتسم بالاستغراب الشديد وكأن القرار يبدو لكتابها مفاجئا وأنه يعلن لأول مرة وأن قرار تقسيم العراق أميركيا لم يكن من قبل وأن مجلس الشيوخ اتخذه فجأة في ضوء الأوضاع المسيطرة على العراق على أنه المخرج نحو حل يريح العراق من نزيف الدم.

القرار ليس جديدا وقرار الحرب على العراق كان في أحد أهم أهدافه تقسيم العراق وتفكيك قوته العسكرية والبشرية والاقتصادية والثقافية ليكون العراق القوي دويلات ضعيفة تؤمن تواجدا دائما للقوات الأميركية وتضع هذه الدويلات في صراع دائم مع بعضها البعض , وإخراج العراق كعمق عروبي وسياسي وثقافي واقتصادي من عملية الصراع العربي - الإسرائيلي كما حدث مع مصر بإخراجها من عملية الصراع باتفاقية كامب ديفيد!‏

القرار المفاجأة كما يصورون لم يكن مفاجئا..‏

إنه يذكرنا بقرار تقسيم فلسطين وإعلان الدولة اليهودية.‏

قبل إعلانها بسنوات طويلة رعت الحكومة البريطانية التي كانت صديقة أطراف كثيرة في المنطقة كما هو حال أميركا اليوم التي تدعي أنها صديقة أطراف في المنطقة, رعت توفير الظروف لقيام الدولة اليهودية بتسهيل الاستيطان وتهجير للعرب وتسليح لليهود.‏

قرار تقسيم العراق ليس جديدا كما يريد بعضهم أن يصوره.‏

لماذا دعا برايمر الحاكم الأميركي السابق للعراق إلى تفريغ العراق من عروبته ومن حزب البعث العربي العروبي وإقامة دستور جديد يشرعن التقسيم من خلال اعتبار العراق دولة ذات نظام فيدرالي, أي كيان فيدرالي أي كيان فدرالي يتجه نحو التقسيم النهائي?! وسواء أكان قرار مجلس الشيوخ الأمريكي ملزما للإدارة الأمريكية أو غير ملزم كما يسوق الآن في الإعلام الأمريكي ووسائل إعلام عربية للتخفيف من خطورة ما يحدث على حلفاء أمريكا كي لا يصابوا بالإحراج,ولإظهار براءة الإدارة من القرار لأسباب تتعلق بوضع هذه الإدارة في العراق وفي المنطقة,فالقرار في بعده وخلفياته وأهدافه هو قرار الإدارة الأمريكية والتي لم تعلن موافقتها المعلنة عليه في ا لوقت الحاضر لأن هذا القرار سيضع سياساتها في المنطقة بوضع صعب وخاصة أمام أطراف في المنطقة تدعو هذه الإدارة إلى عدم تقسيم العراق,وهذا لايعني أن هذه الإدارة ,تستجيب لآراء هذه الأطراف وإنما ظروفها الحالية في العراق تجعلها تتستر على أهدافها إلى وقت آخر.‏

إن الإدارة الأمريكية في قائمة أهدافها تقسيم دول المنطقة على اعتبارات عرقية ومذهبية وطائفية,وجعل خارطة سايكس بيكو التي أخذت شرعيتها من رعاية الاستعمار الغربي خرائط كبيرة وبألوان كثيرة,وهذا يحقق تمزيق قوة العرق وجعل إسرائيل القوة الرئيسية في المنطقة وتمكين أمريكا من وضع أقدامها في المنطقة قرونا والتحكم بالعالم,كما أقر مؤتمر كامبل ترومان الاستعماري عام ,1907والذي يقول: إن من يسيطر على منطقة شرق المتوسط يسيطر على العالم.‏

القرا ر هو إسرائيلي,كما هو احتلال العراق قرار إسرائيلي,وبهذا الصدد يقول(روبرت ساتلوف مدير مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى)إن احتلال العراق كان قرارا إسرائيليا,وفكرة الفوضى الخلاقة المتعمدة من الولايات المتحدة في المنطقة هي استنساخ معدل للرؤى والطروح الإسرائيلية والهادفة إلى نشر الفوضى في الوطن العربي لزيادة التفتت والتجزئة خدمة لإسرائىل ومشروعها.‏

إن الغزو العسكري الأميركي للعراق يتصدر أهدافه: خلخلة المنطقة وإعادة رسم خريطتها السياسية الإقليمية بما يخدم الهدف الإسرائيلي, بتسوية الأرض عسكريا وسياسيا و نفسيا للتهيئة لواقع عربي مخلخل يسهل تقبله للضغوط من أجل حمل النزاع العربي - الإسرائيلي وفقا للرؤية الإسرائيلية ويعترف وزير خارجية إسرائيل الأسبق شالوم (إن قرار غزو العراق كان برغبة (إسرائيل) وإن خروج القوات السورية بالقرار 1559 كان برغبة إسرائيلية) ويقول الكاتب الأميركي الصهيوني مايكل إيفانز مخاطبا الرئيس بوش: تقدم واحتل العراق ودمر بابل أرض الخطيئة فإن لم تفعل فستغضب الرب وتحل عليك لعنته.‏

يقول كولن باول وزير خارجية أميركا السابق إن الولايات المتحدة ستعيد رسم خارطة جديدة للمنطقة.‏

لعل قراءة الهدف الحقيقي (وغير المعلن) من عملية الغزو الأميركي للعراق تقودنا إلى اتجاهات التغيير القادم, والذي يعني إحداث تغيير شامل في الشرق الأوسط ما يعني إسقاط حكومات وتقسيم دول وتغيير ملامح الخريطة السياسية في المنطقة لفرض نظام شرق أوسطي جديد خاضع للإدارة الأميركية من جهة وتؤدي فيه إسرائيل دورا محوريا من جهة أخرى هذا وتسير اتجاهات التغيير في إطار هذا الهدف في عدة اتجاهات.‏

إن احتلال العراق وتقسيمه سيكون مقدمة لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير ومنذ البداية كانت الأهداف الأساسية للاحتلال هي تقطيع العراق والقضاء على كيانه ودولته وتدميره تماما, إلا أن طريقة التفتيت هذه اختلفت عن سابقتها التي ساعدت عليها الإدارات الأميركية في مناطق أخرى من العالم, فقد اخترع الأميركيون للعراق طريقا آخر مختلفا بواسطة ما أسموه (الدستور والفيدرالية) فالأول سيعطي الأميركيين حق نهب العراق الذي سيتم تشكيله من ثلاث دويلات هزيلة وربطها بعجلة المصالح الأميركية إضافة للوجود العسكري الدائم والثاني سيفتت العراق بشكل قانوني دستوري داخلي, إن تقسيم العراق إلى كيانات ثلاثة في إطار نظام دستوري فيدرالي من الصعب الاتكاء عليه لحل مشكلات العراق الحالية والمستقبلية, ففي تاريخ الأنظمة والدول المعاصرة لم تسجل سابقة واحدة إن قسمت دولة إلى دويلات فيدرالية وتمكنت من تجاوز مشكلاتها التي أدت إلى تقسيمها بل كانت على العكس من ذلك مشاريع حروب وأزمات داخلية وإقليمية سرعان ما يتم استثمارها ونشرها إلى دول ومناطق أخرى.‏

إن خلفيات القرار الأميركي بتقسيم العراق يتجاوز العراق نفسه ومن هنا ثمة ضرورة ملحة لمواجهة هذا القرار قبل أن تمتد أيدي من صاغه إلى دول أخرى في المنطقة بل إلى دول المنطقة كلها كما تريد إسرائيل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية