|
دراما الموروث الشعبي.. شكلانية لافتة لمضامين باهتة فضائيات العملان يتشابهان شكلا ويختلفان إلى حد ما في المضامين التي يطرحانها فباب الحارة... يخلص في تقديمه للبيئة الشعبية في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات متخذا خلفية لأحداثه زمن الاحتلال الفرنسي, وان كان مشكلة التعامل مع هذه الخلفية أنها تبدو دخيلة بعيدة عن سياق الأحداث الرئيسية, فهي تبدو في الكثير من الأحيان كحالة اتكائية لاختراع الحدث حتى لو بدا دخيلا وحتى خارج سياقه,أو بدا حالة تبريرية لفبركة أحداث أخرى كما حدث في الحلقات الأخيرة مع العقيد أبو شهاب(سامر المصري)الذي غيبه المسلسل عنها, غيابا بدا قسرياً, بهدف خلط أوراق اللعب في الحارة وإيقاعها في أكبر كم من المآزق إلى أن يأتي أبو شهاب ويحلها دفعة واحدة!! غياب أبو شهاب ليس الحدث الوحيد الذي يمكن اعتباره فبركة للأحداث الدرامية, بل هناك محاور عديدة نستغرب هشاشتها خاصة فتطليق أبو عصام لزوجته سعاد, ومن ثم نومه في الدكان هذا كان له فوائد كثيرة في فبركة الأحداث إذ أنه يكشف له الكثير من خفايا وأسرار الحارة,ولعل أهمها ما يتعلق بادعاء صطيف انه أعمى!! وبينما نترك أبو عصام(عباس النوري)غارقا في الهموم والمشكلات التي حاصرته جرّاء شهامته,في باب الحارة,لا يزال المعلم عاشور(باسل خياط )يصارع اللهجة المستحدثة التي يعاني منها ربما أكثر من معاناته و صراعه مع الأفكار الجديدة التي يحاول بثها في حارته بمسلسل جرن الشاويش. و إذا كان مسلسل باب الحارة يقع بكل هذه التناقضات الفكرية , فان تناقضات مسلسل جرن الشاويش كانت أخف وطأة,لأنه بنى شخصياته معتمدا على أساس ملائكي, الشخصيات بمجملها خيرة, تنشر قيمها طيلة المسلسل مثل المعلم عاشور الذي يحب زوجته ويساعدها, ويساندها, ويبجل أخاه, ويحتمل خرف عمته ...,انه يحتمل كل عذابات الحياة وهمومها ومسؤلياتها, لا يتأفف,لا يتذمر ينشر القيم الصالحة أينما حل, انه يقترب من الكمال وعلى هذا النوال تصاغ الكثير من شخصيات المسلسل, ومعظم الشخصيات لا تقل عنه روعة, فها هو أبو مجدي (عبد الهادي الصباغ) ومع أنه متزوج من ثلاث نساء, إلا انه يتعامل مع زوجاته معاملة فريدة,وهاهن زوجاته الثلاث يحببن بعضهن,متفاهمات ...وهذه المعالجة الدرامية للمسلسل خلقت نوعا من الرتابة ,فإذا كان هدف المسلسل كما هو واضح نشر القيم الصالحة, ألا ينبغي أن تشد المشاهدين وأن تصاغ بقالب مشوق بعيدا عن الرتابة والتكرار, وبدون الاتكاء على شكلانية البيئة وجاذبيتها, ومن ثم الاستسهال وتقديم أية مضامين سواء أكانت مقنعة أم غير مقنعة...البيئة التي اعتمد عليها المسلسل لم تنجح وحدها في إنقاذ المسلسل الذي لا يزال غارقا في لجة قيمه... في الوقت الذي لم ينجح فيه مسلسل جرن الشاويش في لعبة التشويق, تمكن باب الحارة من الإمساك بزمام اللعبة التي أعتقد أنها السبب الرئيسي في هذه المتابعة التي يعيشها المسلسل على الفضائيات العديدة الذي تعرضه, ولكن مشكلة لعبة التشويق التي اعتمدها المسلسل تتعلق بفبركة الأحداث التي أضعفت المحاور الدرامية, من جهة أخرى نجح باب الحارة في تقديم شخصيات حياتية قريبة من الناس ولكنه جعلها تتخبط في صراعها مع الخير والشر إلى وقت قليل حيث في النهاية لا بد أن تعود أغلب الشخصيات إلى رشدها!! لسنا ضد العودة إلى الدراما الشعبية والاتكاء عليها,ولكن لأي هدف هذه العودة هل لاستنساخ كل ماكان معاش في ذلك الوقت,هل لتذكيرنا بتلك القيم المفقودة, صحيح أنها رسالة هامة ولكنها مجتزأة وخارج سياقها الزمني,وتبقى كأننا نقدم الحكواتي كمنافس للسينما والتلفزيون ومختلف الوسائل التكنولوجية الأخرى,هو نمط تراثي محبب ولكن أين مضامينه, المقنعة, المتجددة والتي تعتبر البيئة مجرد جزء بسيط من العمل وليس الكل.
|