وافغانستان يعكس المأزق العميق الذي يعيشه هذا الجيش والذي يتمظهر في تزايد حالات الانتحار والاضطرابات النفسية العنيفة التي يعاني منها واحد من كل خمسة جنود خدموا في العراق , وصولا الى التمرد ورفض الخدمة في هاتين المنطقتين .
والواقع ان فقدان التوازن لا يقتصر على الجيش الاميركي , بل أصله في السياسة الاميركية نفسها التي تتميز بالطيش والغباوة والغطرسة كونها تقوم اساسا على استخدام القوة او محاولات العزل والاقصاء مع انعدام القدرة على ادارة خلافاتها مع خصومها على قاعدة الحوار والاحترام المتبادل للمصالح , وهذه أوصاف تطلقها على سياسة بوش وادارته شخصيات بارزة في المجتمع الاميركي بمن فيهم نواب من حزب بوش نفسه .
ومع ذلك لا تبدو هذه الادارة في وارد التراجع عن سياستها المفلسة والانتقال من حالة المجابهة والتحدي الى البحث عن خيارات بديلة بما فيها التعاون الجدي مع الاخرين للبحث عن المشاكل التي تواجه المنطقة.
وكل الدلائل تشير الى ان الرئيس الاميركي لم يستخلص العبر من العواقب الكارثية لسياسة المجابهة والضغوط في مخاطبة الشعوب الاخرى التي يعتمدها منذ وصوله الى الحكم , والتي وضعت المنطقة والعالم كله , بما في ذلك بلاده وجيشه في حالة قلق وعدم استقرار, وجلبت الويلات والكوارث للكثير من الشعوب وفي طليعتها الشعب العراق الذي قتل مليون من ابنائه وشرد اربعة ملايين بينما تعيش البقية حياة شاذة ملؤها القهر والخوف .
وبوش ومن تبقى من مساعديه أصحاب الرؤوس الحامية الذين يرفضون استخلاص العبر مما جرى, من غير المستبعد أن يتورطوا في حماقة عسكرية جديدة في المنطقة في خطوة يائسة لانقاذ أنفسهم من المحاسبة أمام شعبهم ونوابه, اذا لم يسارع بالفعل هؤلاء النواب الى الحجر عليهم سياسيا وربما صحيا , وسحب صواعق التفجير من بين أيديهم .