فالحقيقة هي أن إسرائيل تواجه إدانة دولية غير مسبوقة حيال أفعالها ضد الفلسطينيين, وحيال دس أنفها في الرأي العام العالمي منذ عقود من الزمن وأخيرا حيال مساعي قادتها الواضحة لإبطال الجهود السلمية, بما أن التخلي عن الضفة الغربية من المحتمل أن يؤدي إلى حرب أهلية داخل الدولة اليهودية.
فقد أثار أوباما سخط معظم الإسرائيليين, وليس فقط الأصوليين من اليمين المتطرف وذلك من خلال إعادة إحياء العملية السلمية المحتضرة, بطلبه إيقاف توسيع المستوطنات.
حيث أكسبت تلك المحاولة المحكوم عليها أوباما جائزة نوبل للسلام لهذا العام, وبالمقابل عانى بنيامين نتنياهو, رئيس وزراء إسرائيل, الكثير من الحسرة والمرارة مع مؤيديه من المتشددين.
وبالإجمال, ربما كانت عملية الرصاص المسكوب, الاعتداء العسكري على حركة حماس, الحركة التي تحكم قطاع غزة, في كانون الأول من العام الماضي, ربما كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
فقد راح ضحية هذا العدوان نحو 1300 مواطن فلسطيني من المدنيين العزل على يد القوة العسكرية الغاشمة لإسرائيل, على حين كان في المقابل نحو 13 ضحية إسرائيلية, كان البعض منها نتيجة نيران صديقة.
وهكذا صدرت الاتهامات بارتكاب القوات الإسرائيلية جرائم حرب بسرعة عن حاخامات يهود يعادون الجيش العربي, ومنحت وزنا كبيرا لتحقيق الأمم المتحدة بقيادة قاض يهودي معروف عالميا, ريتشارد غولدستون من جنوب إفريقيا, وضالع بالدفاع عن حقوق من راحوا ضحية جرائم حرب في كل من يوغسلافيا ورواندا.
إذ قال غولدستون: لقد ارتكبت اعتداءات من قبل الطرفين خلال اقتتال الشتاء الماضي, لكن تقريره المؤلف من 575 صفحة نزل بشدة على رؤوس الإسرائيليين، وبالأخص فيما يتعلق بتفاصيل فاضحة ضدهم.
وعليه, من الواضح أن الغضب الناجم عن التقرير باغت الإسرائيليين على حين غرة, وقد رفضوا التعاون مع غولدستون, وهكذا ظهر تعنتهم, الأمر الذي منعهم من القيام بخطط طارئة للخروج من الكارثة, لكن حتى وإن دس تقرير غولدستون في الأدراج فعليا بموجب ضغط أمريكي, فإنه لايزال من المحتمل أن يتم التحقيق مع قادة إسرائيليين سياسيين أو عسكريين بشكل إفرادي في المحكمة الدولية في لاهاي.
إذ أثار تقرير غولدستون المدين لإسرائيل دعوات سابقة ضد إسرائيل, مثل مذبحة أيلول عام 1982 لنحو 2000 لاجئ فلسطيني في بيروت.
لم يتهم أحد في حينها حيال حمام الدم الذي حصل أثناء غزو إسرائيل للبنان, حيث كان آرييل شارون وزيرا للدفاع والرأس المدبر للغزو في إسرائيل حينذاك, وقد تعرض لتوبيخ لجنة تحقيق إسرائيلية رسمية, لكنه أصبح بعد ذلك رئيسا للوزراء, وقد اتهمته محكمة بروكسل بجرائم حرب منذ عدة سنوات, ورغم ذلك لم تتم محاكمته على ما ارتكبته يداه.
لكن الفكرة الجديدة للعدل الدولي تتلخص في تمكن بعض البلدان السماح بمحاكمات قانونية لأفراد أجانب متهمين بأعمال عدوانية في بلدان أخرى, وتحقيق سيادة القانون قد جعلت من فكرة الاتهامات ضد قادة إسرائيل أكثر إمكانية.
إذ يتعرض بعض كبار الشخصيات من القائمين على رأس عملهم أو المتقاعدين من كبار الضباط للتهديد بالاعتقال في بريطانيا ودول أوروبية أخرى في الأشهر الأخيرة وبالأخص بعد سفك الدماء في غزة, وهكذا يخشى الكثيرون منهم السفر خارج البلاد.
وعليه يجب على هؤلاء القادة إلغاء سفرهم إلى دول أخرى, ولهذا ألغى الجنرال موشيه يعالون زيارة إلى لندن خشية أن يتم اعتقاله بسبب اغتياله لقائد عسكري من حركة حماس, صلاح شحادة في تموز عام 2002 أثناء انتفاضة الأقصى, فقد اغتيل صلاح شحادة مع 14 فلسطينيا آخرين, من ضمنهم زوجته و 9 أطفال عندما قصفت طائرة إف 16 الإسرائيلية بقنبلة تزن 2200 كيلو غرام شقته في مدينة غزة.
في هذه الأثناء رفضت محكمة لندن دعوى قضائية فلسطينية لإلقاء القبض على وزير الدفاع إيهود باراك, الذي يعتبر أكثر قادة إسرائيل عدوانية كمجرم حرب مرتبط بعملية الرصاص المسكوب.
وفي ما يراه الكثيرون إيذانا بحدوث أمور كثيرة قادمة بالنسبة لإسرائيل, فإن قيام حكومة تركيا الإسلامية بتمزيق التحالف العسكري الفريد بينهما لعام 1996 مع الدولة اليهودية كان بسبب حمام الدم في غزة.