واعتبرت أن ما حصل قد أمَّنَ لها فرصة لإعادة صياغة العالم وفقاً لنموذجها وبما يحقق مصالحها الخاصة.
بعد ذلك جاء هجوم الحادي عشر من أيلول ليعطيها التشجيع والفرصة ويدفعها لمحاولة إعادة صياغة الشرق الأوسط وآسيا، لكن جهودها في هذا الإطار لم تحقق النتائج المطلوبة. فقد وجدت نفسها في العراق وأفغانستان غارقة في مأزق لاتستطيع الانفكاك عنه، وتورطت بشكل أعمق وأكثر خطورة في الشؤون السياسية والعسكرية لباكستان، وفي الأزمة النووية الإيرانية المعقدة، وفي التعامل مع عناد وغطرسة وجموح حكومة نتنياهو الخارجة عن نطاق السيطرة. وجاءت بعد ذلك الأزمة الاقتصادية وسقوط مؤسسات الائتمان و«زلزال وول ستريت»، والانقلاب غير المتوقع للرأي العام الدولي على نموذج أمريكا للرأسمالية المعولمة. وتبع ذلك الإجماع الشامل على أن هذا النظام يجب أن يستبدل بنظام آخر يقوم على شروط وأسس عولمية وليس أميركية.
وبسرعة فائقة، وضعت الصين مطالبها على الطاولة، وهي واثقة بأن هذه المطالب سيكون لها وضعية وسلطة دولية، وهذا يتطلب الاعتراف بمرتبتها الجيوبوليتيكية، ووزنها السياسي وإيقاف المعارضة والتدخلات الدولية بخصوص تبعية التيبت وتايوان لها، وكذلك الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وبما أن الصين لا تزال الدولة التي تسد العجز الأميركي لسنوات، فهي تريد احترام العالم لها اقتصادياً وسياسياً، كما أنها لم تتأثر بالشكاوى الأميركية والأوروبية الغربية بخصوص تحكمها بسعر التحويل الخاص بعملتها المحلية، وبخصوص سياساتها التجارية وممارساتها لتأمين المواد الخام من الدول الأجنبية لتقوية صناعتها المزدهرة والآخذة في النمو.
وكان العديد قد رشح الصين لتكون نموذجاً للنمو الاقتصادي السريع، ولكي تحتل قمة العالم عبر حشد طاقات وطموحات شعبها. وفي الوقت نفسه تمت ترقية الهند لتحتل المرتبة الثانية في المنافسة الآسيوية من خلال نشاطاتها التي قد تحقق نتائج مشابهة للنمو الصيني من خلال وسائل أكثر رأفة وإنسانية، وعن طريق حكومة ديمقراطية.
نستطيع القول إن الصين نجحت في الحصول على شهرتها الواسعة لدى الغرب من خلال نموها السريع ومستويات المعيشة المرتفعة جداً التي تنعم بها أقلية من الصينيين، وحصلت الهند على الشهرة نفسها التي حصلت عليها الصين للأسباب نفسها، إضافة إلى ميزة الديمقراطية التي لديها.
وفي مطلق الأحوال، فقد تم تحديد مرتبة كل دولة عالمياً بناءً على مقارنة أرقام الناتج المحلي الإجمالي القائم في هذه الحالة، من إنتاج سلع غير متطورة نسبياً يجري تصديرها للخارج بشكل كبير، ولاسيما الأسواق الغربية. هذه الحالة تتغير الآن، لكن سيمضي وقت طويل قبل أن يكون بمقدور الهند والصين إنتاج سلع متطورة ذات تقنية عالية، ذاتية التصميم ولديها القدرة على المنافسة لكل من أوروبا وأميركا الشمالية.
وستحتاج كل من الصين والهند لزمن طويل حتى تقترب الدخول الفردية للمواطنين الصينيين والهنود من المستويات الأوروبية وأميركا الشمالية.
بهذه المعايير والمقاييس، قد يحق لبعض المراقبين تسمية الاتحاد الأوروبي باعتباره هو القطب العالمي الجديد ويجب هنا الانتباه إلى الدور المدمر الذي تلعبه السياسة والذي قد يكون أثرّ في نظرهم على حظوظ الصين: فالصين أمامها استحقاق انتقالي شديد الخطورة، لم يتم حله حتى الآن المتمثل بحكم قيادات معينة غير منتخبة، إلى نظام آخر أكثر مشاركة وديمقراطية.
أما الديمقراطية الهندية فهي ديمقراطية حقيقية، وإن كانت متداعية على المستويات المحلية. وتبقى أخيراً حكومة أوباما والمفضل تسميتها أميركا المؤسساتية، فقد قبلت من دون تردد العمل بتلك السياسة الخارجية العقيمة القائمة على شن الحرب على القطب الحقيقي أو حتى المتوقع لآسيا، فقد عملت أميركا على إثارة المشكلات مع اليابان، القوة الحقيقية الصناعية في آسيا، من خلال الإصرار على سياسة ربما تكون رابحة، ولكنها بالتأكيد كارثية من الناحية السياسية وتتمثل في إدامة وضعية شبه الاحتلال لأوكيناوا على أيدي سلاح المارينز الأميركي.
وبخصوص الصين، نجد أن أميركا ملتزمة بضمان أمن تايوان التي تطالب الصين بإعادتها إلى أرضها الرئيسة، وهذا يخلق مشكلات تتجدد من حين لآخر بين البلدين.
إن التقدم الاقتصادي والتطور السياسي هما اللذان يقرران في النهاية من القطب العالمي الحقيقي، والصين التي تتميز بتاريخ مستمر يمتد إلى العصر البرونزي، تعرف جيداً كيف تنتظر وهذا ما يعرفه التيبيتيون أيضاً، والصينيون على عكس الرجال والنساء الأميركيين المعروفين بعدم تحليهم بقدر مماثل من سعة الصبر، بالمقارنة مع الصينيين.