تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سياسات شفير الهاوية والآفاق المسدودة

دراسات
الخميس 25-2-2010م
بقلم الدكتور فايز عز الدين

عقود ستة مضت على احتلال العصابات الصهيونية لأرض فلسطين العربية، وإقامة الكيان العنصري، الاستيطاني التوسعي (إسرائيل)

ومنذ ذلك الزمان 1948 حتى اليوم، والعالم ثم المنطقة يعيشان فيما يسمى سياسات شفير الهاوية التي سببتها دولة العدوان، ومازالت. في القرن الماضي على أثر عدواناتها المتكررة على الدول العربية قامت بضرب حالتي الأمن والاستقرار الدوليين غير مرة، كما قامت بتصعيد التوتر الدولي بين القوتين الأعظم -آنذاك- أميركا والاتحادالسوفييتي. وبعد خروج الاتحاد السوفييتي من جغرافية العالم، واحتلت سياسات هذا الكيان خطابها الحربي العنصري الذي رفع حالات التوتر في المنطقة باستمرار إلى حافة الحرب. ثم الحرب العدوانية حين تكون الظروف الدولية مؤاتية، والتغطية الأمروأوروبية حاصلة.‏

إذاً، تاريخ من الحروب العدوانية لم يتوقف، وتاريخ من الغطرسة، وتزييف الحقائق لم يتوقف، وتاريخ من التحكم في سياسات أصحاب القرار الدولي لم يتوقف، وتاريخ من التردد العربي، وغياب الإرادة الواحدة لم يتوقف، ومع ذلك بقي إلى جانب كل هذا تاريخ للصمود، وقوى المواجهة، والمقاومة لم يتوقف، وقد قلب المعادلة لمصلحة العرب اليوم.‏

وعبر هذا التاريخ الطويل الذي يستحق منا أن نقرأه قراءة مراجعة نقدية ترينا فيه عوامل الإخفاق، ومسبباته وعوامل النصر ومسبباته حتى نقول: آن الأوان لأن نعمل ونفكر بآلية واحدة، ومنهج واحد طالما أن عدونا واحد، وتهديده لنا جميعاً، وكفى العروبة أن تبقى مقسومة بين منطقين: منطق يقول ولا يفعل، ومنطق يقول ويفعل.‏

وما نقف عليه اليوم في مسارات الصراع العربي الصهيوني، ولاسيما في حضور الردع العربي الاستراتيجي الذي قادته سورية منذ حرب تشرين التحريرية وواجهته في ما تلاها من حروب عدوانية لدولة العدوان، وحققت فيه -عبر نهج المقاومة- القوة المواجهة والمعادلة، والتي تمنع انفراد القوة الصهيونية بالقرار، واختيار شكل الحرب، إن لم نقل في إيصال العدو إلى مفاهيم الحرب الشاملة، و الكارثية بآن معاً.‏

وبناء عليه فقد أصبحت لغة القوة فاقدة أثرها في المعارك المتواصلة: الدبلوماسية، والعسكرية، ولقد منيت دولة العدوان بخسائر عبر الحربين الأخيرتين 2006-2009 على حزب الله والجنوب المقاوم، ومن ثم على غزة الصامدة، الأمر الذي استحدث تحولات متصارعة في بنية الكيان الصهيوني، وجعل معادلات الحراك الداخلي الصهيوني بين منهجين: الأول منهج فردي تصبح فيه أحلام الزعامة الفردية، والوصول إلى السلطة الصهيونية، أهم من مصير إسرائيل، فالفرد أهم من الكيان، والمنهج الثاني حزبي تصبح فيه أحلام الحزب بالوصول إلى الحكم، أهم من مصير الكيان، فالحزب أهم من الكيان.‏

وعلى هذين المنهجين سارت الدبلوماسية الصهيونية نحو المزيد من التفكك الداخلي والانقسام. وفي كل مرة كانوا يصدرون الأزمة الداخلية حرباً على طرف عربي لكنهم يعودون خاسرين. ومن حروب الخسارة المتواصلة أصبحت إسرائيل بالمذهب الدولي كياناً للعنصرية، والاغتصاب، وتوتير الأجواء الإقليمية، والدولية في كل منعطف توجهت فيه إرادة المجتمع الدولي نحو تحديد الحلول العادلة، والسعي إلى تحقيقها.‏

وفي محصلات هذا الفشل، والتراجع في الأخلاقيات المطلوبة، للدولة والسياسة، اتضحت حقيقة هذا الكيان بأنها لم تتوافر لديها إرادة السلام العادل، طالما أنها لن تقبل بإعادة الحقوق إلى أصحابها، وتصر على تزوير العقل الدولي حتى تصبح الحقوق شروطاً مسبقة، والتفاوض دخول في النفق المسدود، والشراكة ليست موجودة فطرف يملي إرادته وآخر يذعن لها.‏

وحين نقرأ فيما كتبه الكاتب الصهيوني مؤخراً (إيال زيسر) وهو رئيس مركز دايان لدراسات الشرق الأوسط وافريقيا في جامعة تل أبيب نجده يسخر من سياسة الحكومات الإسرائيلية، وتحديداً عقلية إيهود باراك، ويستعرض الكاتب من كلمة باراك أمام مجموعة من الضباط يمثلون قيادة الجيش الصهيوني حيث قال باراك:(في ظل عدم التوصل إلى تسوية مع سورية، فإن الوضع يتجه نحو مواجهة معها، وقد تتطور إلى حرب شاملة، لكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ سنعود إلى المفاوضات لبحث القضايا ذاتها التي سبق أن ناقشناها مع السوريين). فيقول البرفسور إيال زيسر:(يبدو أن باراك كان يوجه كلامه إلى الداخل الإسرائيلي، والأصح إلى شركائه في الائتلاف الحكومي الذين ربما أراد إقناعهم من خلال التهديد بنشوب الحرب، بأن عليهم التقدم في طريق السلام مع دمشق).‏

ثم يعود الكاتب ليسخر من نتنياهو، وليبرمان، ويعتبر أنهما يفكران بمصير زعامتهما الفردية أكثر من مصير كيانهما. ويقر الكاتب زيسر بأن الكلمات الخرقاء -على حد قوله- التي وجهها ليبرمان إلى سورية تشير إلى الحرب فالحرب يراها خاسرة، وستحصد إسرائيل مع سورية النتيجة التي حصدتها في الحربين اللتين سبقتاها.‏

هذه هي رؤية لسياسات شفير الهاوية من الداخل الصهيوني، فهل تحركنا حالة العدو نحو رؤية واحدة ضده؟ سؤال سيبقى برسم الأمة العربية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية