تحت هذا العنوان يكتب الدكتور فؤاد بو علي في مجلة الدوحة بحثاً هاماً يتحدث فيه عن نظرتنا إلى الآخر وينتهي إلى خلاصة سماها الجواب الحضاري وفيها يقول:
إن بناء علاقة سليمة مع الآخر تمر في اعتقادنا عبر تأسيس عقلية التواصل الحضاري ومواجهة قيم الانغلاق . ومقصودنا بهذه العقلية هو إدراك الآخر في صورته المختلفة عن صورتنا الذاتية.
فلا نفرض عليه نموذجنا الفكري ولا مركزيتنا العقلية.. وإنما نستوعب عناصر التواصل الناجح وفي رأينا أن الجواب التواصلي يكمن في جملة من العناصر.
- إدراك الغير أو الآخر ينبغي من خلال اعتباره كلية متحركة ومتعددة وليس قالباً نموذجاً للإنسان الغربي المرتبط بديانته وأصوله اليونانية والرومانية، فالغرب ليس واحداً وليس مطلقاً فهو يمتاز بالتنوع والفروقات والتناقضات والصراعات ومن شأنه التفكير فيه كآخر لديه تجاربه الإنسانية والثقافية المتنوعة أن يقلص البعد الاسطوري الذي اتسمت به صور الغرب، فالمجتمعات العربية تمتاز بدورها بالتنوع الثقافي والديني والاجتماعي، ولا يمكن من ثم تحليل الصور المتكونة عن الغرب إلا انطلاقاً من هذا التنوع.
- التمركز حول الذات يغيب عن مجالنا كل إمكانية التواصل مع الآخر فالآخر ليس إنساناً دونياً أو محتقراً، بل هو إنسان كامل الأنسية يختلف معنا لكن له نقاط التلاقي كذلك معنا.
- إن خصوصيتنا الثقافية لا تنفي الكونية واشتراكنا مع الغير في العديد من المرتكزات التي ينبغي التفاهم حولها من أجل صياغة مشروع حوار حضاري .
- بداية الحوار تنطلق من حوارنا مع ذاتنا، فقد أثبت التاريخ الحديث أن وهم الواحدية قد انقشع بحكم تعدد مكونات الجماعة وتناقضاتها الداخلية، وما دام الحوار الداخلي غير قائم فإن الحوار مع الآخر هو مجرد ديكور يزين فسيفساء الصورة الإعلامية للأنظمة.
-إن تقديم الصورة الحقيقية عن الذات للآخر يمر من قناة الاعتراف بأخطائنا الحوارية وغياب نظرة متوازنة للآخر في أدبياتنا ومشتركنا الذهني .
- وجملة القول: إن سؤال الآخر لا يمكن الإجابة عنه دون الإجابة أولاً عن سؤال الذات وتقييم رؤيتها لعناصر تركيبها .
دروس الماضي
تحت عنوان الترجمة والابتكار يكتب جابر عصفور في الاتحاد الثقافي متحدثا عن أهمية الترجمة إذ يقول لعل أهم ما نتعلمه من دروس الماضي هو ما فعله الرومان مع حضارة الاغريق بعد أن سيطروا على وطنهم فلم يتركوا شيئاً عند الاغريق إلا وترجموه، فازدادوا علماً وتقدماً وهو ما فعله العرب أنفسهم في أوج ازدهار الحضارة العربية التي نقلت علوم العالم الأقدم منها في ركب الحضارات، فترجمت عن اليونان واللاتين والسريان والهند وغيرهم وكان ما نقلوه من اللسان غير العربي سبباً لوعيهم بأهمية علوم من تقدموا عليهم في الزمان، والإفادة منه، بما يدفع إلى الإضافة إليه وكانت النتيجة ازدهار الحضارة العربية التي بدأت من حيث انتهى السابقون وأضافت إليه شرحاً وتعقيباً وتعليقاً واستنباطاً وقياساً على النظائر، ولم تتقدم الحضارة العربية وتفيد مما لم تكن تملكه فحسب، وإنما تحول ما أخذت إلى دافع خلاق للإضافة أعني دافعاً إلى المزيد من الإضافات العلمية والفكرية في العلوم التي نقلوا عنها والعلوم التي ينقلون عنها، وإنما صاغوا على مثالها وفي موازاتها وذلك على نحو اجتمعت فيه الإضافة مع النقل إلى أن غربت شمس الحضارة العربية نتيجة عوامل أهمها الغزو الخارجي والتسلط الداخلي المقترن بالتعصب الديني الذي كان في جانب منه رد فعل على الغزو الخارجي، وذلك بالتقوقع في ماضي الذات والهروب من الحاضر إلى التعصب للدين الذي اقترن بالتعصب للماضي بوجه عام، على نحو أدى إلى شيوع السلفية بكل أوجهها فتقلصت تدريجياً الشعلة الداخلية الدافعة إلى الابتكار الذاتي الذي هو قرين الاجتهاد الخلاق لا النقل الجامد .