كما شهد أيضا النزاعات التي تلته بشأن ترسيم الحدود، ورأى الخطوات التي مرت بها بلاده في نهضتها لتصبح إحدى القوى الكبرى في العالم. أما هو فقد أصبح اليوم من كبار الفنانين الذين حظوا بشهرة واسعة لايعكرها سوى العيش بعيدا عن بلاده, واللغط المثار حول أعماله الفنية، وقد صرح في لقاء له مع جريدة التايمز,
بأنه قدم الكثير من الشعر والأفلام واللوحات على مدى سنوات طويلة، وكانت جلّ أمانيه أن يحدث أي منها صدى واسعاً، لكن الأحداث التي عصفت به على مدى عشر سنوات حالت دون ذلك، وذكر بأنه قال لأحد أصدقائه: «أشك في أن التاريخ سيسجل اسمي عما قدمته من لوحات فنية، لكنها في مختلف الأحوال، ستتيح لي الظهور في جانب منه».
أثارت أعمال حسين (الذي يعتبر بيكاسو الهند) صخبا كبيرا، لأنه رسم آلهة الهندوس, وهن عاريات، وعلى الرغم من أنها لم تحدث أي ردود أفعال على مدى ستة عقود، لكن وبشكل مفاجئ، أصبحت تلك اللوحات مثارا للاستياء والغضب عام 1996, عندما نشرت إحدى المجلات الفنية مقالا بعنوان «إم إف حسين: هل هو فنان» استنكرت به الفحش الذي تمثله رسوماته.
منذ ذلك التاريخ، أصبح حسين يتعرض لمضايقات من القوميين الهندوس، الذين رفضوا قبول اعتذاره, بأنه لم يقصد جرح مشاعرهم الدينية, وإهانة معتقداتهم. وتعرضت معارضه الفنية للاعتداء، وأقيمت بحقه 900 دعوى قضائية, رفضت المحكمة الهندية العليا النظر بالكثير منها, ومع ذلك وجد نفسه مضطرا لمغادرة البلاد عام 2006 والعيش متنقلا بين دبي ولندن.
في الآونة الأخيرة، وجد حسين أن لامناص له من التخلي عن جواز سفره الهندي، والقبول بالجنسية القطرية (لأن الهند لاتسمح بثنائية الجنسية) وقد قال أصدقاؤه بأن الستار قد أسدل على الفصل الأخير من المأساة التي أقضت مضجعه, خاصة بعد أن بيعت لوحاته بمبالغ كبيرة, وصلت قيمة بعضها إلى مليون دولار للوحة الواحدة.
ذكر حسين لجريدة التايمز بأن سيدة قطر الأولى الشيخة موزة بنت ناصر, عرضت عليه المشاركة في المتحف الذي سيفتتح في الدوحة، وعرضت عليه اكسابه صفة المواطنة, واعتبر ذلك شرفا كبيرا له، لأن رعايتها ستتيح له تنفيذ ثلاثة مشاريع هامة كان يحلم بتحقيقها, تتعلق بتاريخ كل من الحضارة العربية والهندية, وتقديم فيلم جديد (حيث حصل فيلمه الأول على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين لعام 1967) سيكون كوميديا تحت عنوان «كوميدي دوت كوم».
لم يشكل بلوغ حسين الرابعة والتسعين عاما من عمره عائقا أمام متابعته العمل الفني، ونجده يقول بأنه يمارس عمله بكل حرية في قطر التي وفرت له الكثير من المزايا. لكنه على الرغم من الثروة التي حققها جراء بيع لوحاته في الآونة الأخيرة, فمازال يدعي عدم جنيه لفوائد كبيرة من مشاريعه الجديدة، ويقول بأن الفنان مهما جمع من أموال لن يضاهي ما تحصل عليه الشركات الكبيرة. إذ أنه حتى اليوم لا يستطيع شراء واحدة من لوحاته، وأنه يمارس المهنة بهدف تأمين احتياجاته المعيشية. أما عندما لا يكون في الخليج، فإنه يذهب إلى بيته في نايتس بريدجز حيث يرسم ويقرأ في المكتبة البريطانية التي يصفها بأنها «خارج العالم».
كان حسين مثارا للجدل والصخب في بريطانيا حيث جرى إلغاء معرض له في لندن عام 2006 تحسبا مما قد يحدث من مشكلات. لكن أعماله مازالت مرغوبة، وقال بأنه يسعى لإقامة معرض آخر. مؤخرا، تلقى جائزة عن أعماله التي قام بها عبر مسيرته الفنية، وسلمها له جون بيركو رئيس البرلمان البريطاني, نيابة عن الجمعية الخيرية البريطانية التي تدعى نكست ستيب فاونديشن. وقد صرح (كيث فاز) عضو في البرلمان لجريدة التايمز قائلا:»إن حسين يعتبر شخصا هاما في تاريخ الفن، وهو من أعظم الفنانين الهنود، وإن الجائزة لم تكن لأسباب سياسية أو دينية، وإنما منحت له إزاء ما أنجزه من أعمال فنية».
إن ما أثير من لغط حول حسين تعدى الأمور الفنية, ليأخذ مساره إلى الهند الحديثة التي تفتخر بعلمانيتها ودستورها الليبرالي، والتي يتمكن مواطنوها من ممارسة شعائرهم الدينية, وفقا لما تمليه عليهم معتقداتهم. لذلك استغرب المعلق (بارون روي) من أن الهند لم تحرك ساكنا لإنقاذه, وتتخذ موقفا حازما إزاء ما يمس بديمقراطيتها التي تتمثل بحرية الاعتقاد والتعبير. لكن حسين يرى بأن التهجم والصخب الذي ساقه السياسيون بحقه قد فاق بكثير الانتقادات التي تلقاها من المجموعات الدينية المتشددة. وقال:«إن الأمر لا يتعلق بالفن أو بالثقافة أو الدين. وإنما بالسياسيين الذين يرغبون إخبار الشعب بانجازاتهم ومواقفهم كي يكسبوا أصواتهم في الانتخابات.
يؤكد حسين بأنه لن يتخلى عن الهند, وسيبقى رساما هنديا، وليس ثمة حظر عليه في العودة إلى بلاده. لكن الواقع يؤكد بأنه لن يعود في القريب العاجل, لوجود عدد من الدعاوى القضائية بحقه، والتي تجعل من عودته أمرا محفوفا بالمخاطر. لذلك ترك أمر حضور جلسات المحاكم إلى محاميه. وعلى الرغم مما أكده عدد من الوزراء بضمان سلامته، إلا أنه يشك في قدرتهم على تحقيق ذلك، وقد قال في هذا السياق:«دعاني وزير الداخلية للعودة, ووعدني بأنه سيؤمن لي حماية كافية، فقلت له: هل حال تأمين الحماية لكل من أنديرا غاندي وابنها راجيف دون اغتيالهما؟» واستطرد قائلا:«إنني في مرحلة متقدمة من العمر، وأود أن اعمل بسلام وراحة تامتين، ولا يمكنني الانزواء في غرفة واحدة, وعدم مغادرتها تحسبا مما قد يحدث».