تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


من الأجدر بامتلاك التحف الأثرية.. الدول التي حافظت عليها أم الدول التي فرطت بها؟

عن لوفيغارو
ثقافة
الأحد 9-5-2010م
دلال ابراهيم

تؤجج الحرب المستعرة في خضم الصراع الدائر حول مسألة استرجاع الأعمال الفنية الأثرية التي نقلتها إما القوى الاستعمارية أو فرق التنقيب أو الحروب خارج بلدانها الأصلية لتستقر في المتاحف العالمية، ولتطرح السؤال التالي: هل ثمة معطيات وحلول لهذه القضية الشائكة؟.

في أواخر عام 1996، قدم المساعدون المقربون للرئيس شيراك وبمناسبة عيد ميلاده هدية له، هي عبارة عن تمثال صغير يعود أصله إلى دولة مالي، وأتاحت الصور التي نشرتها مجلة باري ماتش حول هذا الاحتفال الذي جرى في المكتب الرئاسي الفرصة للمجلس الدولي للمتاحف لتحديد هوية هذا التمثال، والذي يشكل واحداً من مجموعة قطع أثرية، قامت قوات الشرطة في وقت سابق بمصادرتها من أحد مواقع التنقيب السرية، وتعرضت للسرقة خلال نقلها إلى متحف باماكو، ومن ثم وقعت في يد تجار شبكة دولية مختصة في هذا المجال الفني، وعقب عام من الأخذ والرد اضطر الرئيس شيراك إلى إعادة التمثال إلى المتحف المالي، وفي نيسان من عام 2000 برزت قضية أخرى خلال تدشين جناح آخر في متحف اللوفر ملحق بالصالات الموجودة في الطابق الأرضي الذي يضم تحفاً أثرية إفريقية، من المقرر عرضها في متحف الكي برانلي الذي كان مقرراً كان افتتاحه في عام 2006، وإثر ذلك كشفت صحيفة ليبراسيون أن ثلاثة من التماثيل المعروضة في الصالة يعود أصلها إلى حضارات النوك وسوكوتو جاءت عن طريق أعمال تنقيب غير شرعية في نيجيريا، وقد اشتراها المتحف من السوق البلجيكي بقيمة 450 يورو، واضطر المتحف على إثرها إلى إعادة هذه التماثيل إلى الدولة النيجيرية.‏

وتتوالى فصول هذا المشهد الصراعي.. حيث أقرت الحكومة الفرنسية على إثر اللقاء الذي جمع الرئيسين ساركوزي ومبارك إعادة أجزاء مقتطعة من قبر عائد لأحد الملوك المصريين الذي حكم في القرن الثامن عشر قبل الميلاد والموجود في وادي الملوك قرب منطقة الأقصر، وقد خرجت هذه القطع من مصر قبل أن يشتريها متحف اللوفر في الفترة مابين عامي 2000 و2003 (عن نية حسنة) حسب ما أكده المسؤولون عن المتحف.‏

وفي انتظار عودتهم أكد مدير المجلس الأعلى للآثار المصرية الدكتور زاهي هواس بتعليق كل أشكال التعاون الخاص بالآثار مع اللوفر، وضمن هذه المعمعة، طالب أيضاً بإعادة حجر روزيت إلى القاهرة وهو الحجر الذي أتاح لعالم الآثار شامبليون بتفكيك لغز اللغة الهيروغليفية والتي يحتفظ فيها المتحف البريطاني في لندن منذ 200عام، وعلى خط التسديد المصوب على استعادة الآثار طالبت مصر باستعادة التمثال النصفي العائد للملكة نفرتيتي الموجود في متحف برلين، هذا بالإضافة إلى مطالبة فرنسا بإعادة الفلك البروجي دنديرا الذي يعرضه المتحف الفرنسي منذ عام 1821.‏

وازداد الإلحاح بالمطالبة باستعادة هذه التحف الأثرية إلى بلدانها الأصلية، وتفاقمت القضية التي تحولت إلى مسألة شائكة، حيث طرحت سؤالاً جوهرياً يقول: هل يمكن لدولة ما المطالبة بعودة تحفة ماقام الاستعمار أو نتيجة حرب أو نتيجة أعمال تنقيب غير مشروعة بسوقها إلى بلد آخر؟ لقد أفضت سنوات طويلة من الجدل والخلافات وكذلك المفاوضات إلى التوقيع على معاهدة عام 1970، ولكن لم تعتمدها منظمة الأمم المتحدة إلا في عام 1987 بمقتضى القرار رقم 42/7 وقد كشفت هذه المدة الزمنية الطويلة الفاصلة بين التاريخين عن جملة غير محدودة من المشكلات التي أثارتها هذه المسألة، حيث أبدت الدول الغربية الكبرى، ومن ضمنها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية واستراليا تعنتها في التصويت على هذا القرار.‏

وذلك لأن تلك الدول، بشكل خاص، هي المعنية بإعادة هذه التحف المستولى عليها، فهي كانت تشكل فيما مضى الدول الاستعمارية ونتيجة ذلك قامت بوضع يدها والاحتفاظ بممتلكات ثقافية تعود ملكيتها للشعوب التي كانت تستعمرها، ولكنها تدعي أنها استولت عليها بشكل قانوني، فهل ستقبل هذه الدول بالتخلي عن ملكية قطع أثرية وإعادتها إلى الدول التي يعود أصل إنتاجها إليها؟ وهل تقبل بتفريغ متاحفها العريقة؟ وهل تقبل كذلك بإعادتها دون مقابل؟ وفي المقابل، هل تمتلك الدول صاحبة الحق بهذه القطع الأموال لإعادتها وحفظها وإبراز وحفظ قيمتها لدى إعادتها إليها؟ في الواقع يستدعي هذا الأمر حلولاً مختلفة.‏

ومنها، وهي الأبرز ضمن تلك الحالة: أن القطعة المطالب بإعادتها، قد خرجت من بلدها الأصلي منذ مدة زمنية طويلة وبشكل شرعي وتشكل الآن جزءاً من تراث مالكها الجديد، ومثالنا على تلك الحالة الأجزاء البارزة المصنوعة من الرخام المقتطعة من البانتينون في أثينا والتي يحتفظ بها متحف بريطانيا حالياً، والتي تطالب اليونان الآن باستعادتها، وتعود القضية إلى عام 1801،في تلك الأثناء وافق السلطان العثماني، الذي كانت تحتل بلاده اليونان على طلب السفير البريطاني اللورد ألجين في القسطنطينية بدخول الأكروبول، حيث قام رجاله وفي الحال باقتطاع الإفريز وحقل المنحوتات التي تعلو البانتينون وحملها إلى بريطانيا وتم بيع الرخام للحكومة البريطانية عام 1806 وأودعت المتحف البريطاني، وأطبق صمت على المسألة لغاية عام 1982 عندما أطلقت الممثلة ميلينا ميركوري صرختها الحماسية لعودة أحجار الرخام هذه لموطنها الأصلي والشرعي، وأعاد افتتاح متحف الأكروبول الجدل حول استعادة هذه القطع.‏

ويبغي اليونانيون أن ينظر إلى القضية كحالة استثنائية نظراً لأن كافة أجزاء الزخرفة المنحوتة تشكل نسيجاً واحداً وصمم ككل لاينفصل بعضه عن بعض وهي تشكل عنصراً أساسياً ضمن هويتها الثقافية، وهذا ماأكده وزير الثقافة اليوناني، قائلاً: «ينبغي ألا تشكل استعادة هذه القطع سابقة تفضي إلى حركة عامة من المطالبات باستعادة ممتلكات ثقافية وعودتها إلى بلدانها الأصلية وبالتالي حرمان المتاحف الكبرى من هذه القطع ذات القيمة، إننا نطالب فقط باسترجاع المنحوتات المقتطعة من البانتينون، وليس أي قطع أخرى، أياً كانت نحن نريد فقط ترميم الوحدة المتكاملة لصرح أثري فريد يعتبر رمزاً سامياً للإرث الثقافي اليوناني».‏

فيما تلتزم المتاحف الغربية الكبرى جانب الصمت حيال تلك القضية، لأن الجميع يمتلكون آثاراً لها قصة مشابهة لتلك، ومنها على سبيل المثال: امتلاك فرنسا لتمثال فينوس دوميلو وانتصار الساموتراس الموجودين في متحف اللوفر، أو معبد برغام (أوبيرغاما باللغة التركية) الذي فككه عالم الآثار الألماني وموجود في متحف برلين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تمثال نفرتيتي، والذي كان قد اكتشفه عالم آثار ألماني عام 1912 وسلمه لمتحف برلين بشكل غير مشروع، حيث لم يتم الكشف عنه للعموم إلا في عام 1924 وتطالب مصر الآن بتدخل منظمة اليونسكو.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية