أهمية الأول يستمدها من طبقات تتلون فكرياً.. جمالياً ..حركياً... بصرياً. خلاّقة إنسانياً، يمزج أدوات عدة ويختلق أخرى سبيلاً لاختراق المألوف والأقل من العادي.. هاجسه العشقي الأصيل يدفعه لاستكناه أقاصٍ لا مطروقة في الجسد .
في ملتقى دمشق للرقص المعاصر الثاني ، الخطوة المهمة التي قدمها هذا العام وجود عروض سورية ( عزلة- تركيب) إلى جانب العروض الأوروبية.
اللافت..
تأمينه فرصة للاحتكاك مع الآخر، ليس فقط بتلقي ومشاهدة عروض هذا الآخر.. إنما أيضاً من خلال ورشات عمل يفترض أن يلتقفها الشباب الراقص السوري ويسعى إلى استثمارها بأقصى طاقاته .
لربما أفادنا هذا الوجود إلى جانب الآخر ولكن: إلى أي مدى ؟
أقله أنه يظهر لنا إلى أي درجة - نقطة وصلنا في مسيرنا الإبداعي الراقص، ويطلع على اتجاهات مدارس الرقص العالمية .
بالعموم ..
الخبرة المحلية التي لم تزل بسيطة قياساً للخبرات الأوروبية تحول قطعاً دون إجراء أي نوع من القياس والمقارنة..
ومع هذا..
لا يمنع الأمر من التقاط التمايز والتباين بين أشكال وإمكانات إبداعية، كانت المقارنة فيها تأتي عفو الخاطر دون أي نية مسبقة .
بعيداً عن كل ما تقدم يبقى الأهم التساؤل:
هل طرقت عروضنا باب الدهشة؟.هل تمكنت من فتح آفاق جديدة في دنيا الرقص الذي يحاول الاستلهام والخوض في الفنون الأخرى؟
في (عزلة ) إياس المقداد ، و( تركيب) علاء كريميد، حاول الكريوغرافان تقديم مقترحات جديدة، تخوض في إغناء الرقص عبر عوالم مستمدة من أشكال فنية مغايرة لأدوات الجسد رقصاً.
( عزلة)..
اعتمد الكريوغراف إجراء نوع من الحوارية ما بين الخشبة- العالم الحي الواقعي- والشاشة المنتصبة خلفها- العالم الافتراضي.
ليس الأمر بين الخشبة والشاشة حوارياً بمقدار ما يأتي تفاعلياً، خطوة نحو تقديم مزج بينهما فيما يطلق عليه عرض تفاعلي معاصر، تحقيقاً لحوار مع الصالة، لكن بشقين، أو بأداتين .
جديد العرض الذي كان تقنياً، هل ساهم بتكريس فكرة العرض وتكثيف معانيها، وبالتالي تلقفها من قبل الملتقي بجمالية واندهاش أكبر؟المتلقي الذي ظل طيلة العرض موزعاً ما بين ( الافتراضي والجسد الحي)..
عوالم افتراضية زادت فسحة الافتراض لدى المتفرج، ما أدى لزيادة تلقائية في مساحة اللاحقيقي، من هنا تحققت غربة ما بين المتلقي والعرض... هل كان ذلك مقصوداً خلقاً لنوع من العزلة تقصدها الكريوغراف بمساندة عالمة الذكاء الصنعي رولا سياف التي صممت تلك العوالم على الشاشة . وكما لو أن الأمر كان مقلوباً.
بدلاً من الإحساس بغربة وعزلة صاحب الجسد، أحسسنا بغربة ذواتنا في فضاء التلقي ذاك .
تركيب..
حاول الخوض باتجاه ( الداخل) نحو أعماق الإنسان.. اشتغل على الروحانيات من خلال لوحات جاءت مباشرة تحمل عناوين واضحة ، كانت بتسلسل ( إيقاع، حب، صبر، ضوء، عشق) وهذه جميعها تساوي ( سمة، روح، تصلي).
العرض يأتي بإيحاء مباشر عبر عنه بوضع تلك العناوين على أقمشة قصت وعلقت على هيئة لعبة( البازل) في عمق الخشبة.
لميس علي