هي وقفة مع قصة «عالم بلا حدود» للأديبة الراحلة قمر كيلاني أضاء من خلالها ناظم مهنا في الندوة التي أقيمت في مركز ثقافي «أبو رمانة» بمناسبة صدور الجزء الرابع من أعمالها الكاملة، والتي أدار الحوار فيها الأديب أيمن الحسن، على عالم الكاتبة الغني ومناجمها غير المكتشفة بعد ويضيف:
دائما عند السيدة قمر مخاض صعب ينتج عنها ولادة جديدة ومبشرة ونزوع نحو الولادة والتجديد على المستويين الذاتي والموضوعي، الواقعي والرمزي، إنه عالم غني بالواقع والرموز وبالأساليب الخفية، وشعرية القص عندها لاتتوقف عند اللغة وحسب، بل تتعدى ذلك لتذهب إلى المعنى والرمز والرؤية والتعدد والإيقاعات الجوانية ورؤية الأنثى للخصب على أنه لذة وفرح واحتفاء الجديد.
والمرأة تتفوق في الفعل والوعي في معظم أعمالها، فهي وطن موعود بالولادة وبالجديد، والرجل عدمي لايريد أن يتحمل المسؤولية، ولايريد أن يكون أبا لطفل، إنه في حالة اللامنتمي التي سيطرت على ثقافة ذاك الزمن، قوة الرمز في القصة يجعلنا لانلتفت إلى ملامح المرأة وملامح الرجل أو اسمهيما لصالح سطوع الرمز، فضاعت حدود القرية وملامح الشخصيات وذابت في الأرض والرغبة، إنه ذوبان صوفي في عقيدة الحب والخصب والصيرورة، ويبقى الأهم هو الطفل معادلا للولادة الجديدة.
التصوف.. نفحة علوية
ويقف سمير عدنان المطرود عن التصوف الذي تعتبره الكيلاني أنه النفحة العلوية التي يشرق بها الإله في قلوب عباده الصالحين الذين تخلصت أرواحهم من شوائب المادة وتعالت نفوسهم وسمت، وهي بذلك تؤكد أن التصوف هو الحلقة التي يرتبط فيها المرء بخالقه وتفنح أمام عينيه آيات الكون الثلاث «الحق، الخير، الجمال».
وقمر كيلاني تعود في نسبها إلى جد أسرتها الأكبر المتصوف عبد القادر الجيلاني والذي أخذت ماتكنت به بعد الإبدال في حرف الجيم إلى الكاف، وقد اسمتها جدتها لأبيها حين رأت وجه هذه المولودة الذي يشع نورا وجمالا.
ويضيف: إن التصوف الإسلامي كما تراه الكيلاني هو نبراس لألاء سيظل منقذا مادام هناك روحانية الإسلام ومثل الإسلام العليا، ومادام هناك شعراء يهتفون بأنشودة الحب الإلهي أبد الوجود.
وهي تعرف التصوف على أنه حركة عامة واسعة، عرفها العالم من أقصاه إلى أقصاه منذ أقدم الأجيال، وأن هذه الحركة تسبر العالم بتلك الروحانية العميقة التي تشرق في قلب العيد وهو يقف متسائلا عن سر الله المجهول محاولا أن يتصل به.
وقمر تلك المتصالحة مع ذاتها حد الذوبان في منظومة قيمية اجتماعية وفكرية، كبرت حتى صارت إلى ماصارت إليه وهي تعارك في عالم الكبار، ذلك العالم الموحش وبقيت ثابتة على موقفها ولم تتخل عن تلك الطفلة التي تقود ضياءها في زحمة الحروف والكلمات.
نسائم حب
بديع صقور يقول في مداخلته كنت أشعر أنني ابنها الحميم من خلال تشجيعها وكلماتها الرقيقة، وكنت ألتقيها في المؤتمرات والأمسيات، وهذا التواصل استمر في مجالات الأدب والإبداع جميعها، وهذه اللقاءات رسخت علاقة جميلة وطيبة، وكانت تهديني كتبها وإصداراتها الحديثة.
وتحت عنوان «نسائم حب.. أقانيم وطن» كتب: أقنومان لايفترقان الحب والوطن على ضفاف بردى تسرح جدائل الشمس، ليس للأطفال حاجة للحوريات، إلى متى ستظل عين السماء تمطر دمعا ودما وحزنا وخوفا ورصاصا.. قمر أضمومة من أصيل على كتف قاسيون، لقد ابتعدنا ياقمر وبهت ذلك الألق.. هي دمعة وأحياء دمشق لاتزال أنيقة ونقية كعيني نسر، هي دمعة والحرب ستنتهي ياقمر، يادمعة والشهداء منارات على كتف السماء، هي دمعة والشام باقية على صدر الأزل زمردة تشع حبا وألقا وتحديا.. تلك هي قمر كيلاني.
وتبقى قمر بالنسبة لي شمعة مضيئة وحقيقة كانت قمر جميلة والروح الجميلة وفي كتاباتها نقرأ الإنسان نقرأ الحب، والكلمة الصادقة، وستبقى في الذاكرة» كتبت أشياء اشياء كثيرة ستكون منارة على مر الزمن.
من صندوق الذكريات
وتعود الأديبة لينا كيلاني إلى سفر والدتها الأديبة قمر كيلاني لتتلو على مسامعنا من صفحاتها الناصعات مايكون زادنا في القادم من الأيام» للوطن، للإنسان، ولدمشق».
ومن أقوالها لابنتها: «يازهرة النقاء كما أتوق ألا أراك مذعورة كطائر محاصر وراء المتاريس، وألا تشعري بما شعرت، أملي أن تحلقي دائما في سماء بلون الفرح وألا تدخل النار إلى ثيابك الملونة وإلى سرير غرفتك، كما أخاف عليك أن تشهدي الدمار، دمارنا من الداخل، ودمار بيوتنا والمدن التي بها نعيش..».
وعن دمشق تقول: «دمشق مدينتي، مليكتي، بيني وبينها ألف عام من الحب والحزن والمطر.. أيا دمشق، ياجوهرة المدن، وتاج التاريخ، من يستطيع أن يخترق قداستك، أن يعتدي على بهائك، أموت ولاأراك تنزلين عن عرشك..».
وعن الوطن تقول: «الوطن أيها المقدس في القلب، المحمول في هدب العين، علمونا أن نحبك لكنهم لم يعلمونا كيف نخدمك، كيف نسعفك، كيف نكون معك وقت المحنة..
الوطن ليس وساما يعلق على الصدور، بل دم يتفجر من نزيف القلب، عناوين أهلنا وأحبائنا هي المخبوءة في الصدور، الساكنة في أحداق العيون، والوطن ليس مفتاح بيت وعنوان بريد وشباك هوية والوطن لايسجل بقرار ولايمحى بقرار..».
سيرة
وعن سيرتها الذاتية يتوقف أيمن الحسن عند المحطات التالية:
قمر كيلاني مواليد دمشق 1932.
دبلوم تربية أهلية التعليم، وأطروحة دكتوراه لم تناقش، من عام 1954 - 1975.
تدريس اللغة العربية وآدابها في المعاهد العليا لإعداد المدرسين ودور المعلمين.
ومن عام 1975 -1980 عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب مسؤولة النشاط الثقافي.
1980 عضو اللجنة الوطنية لليونيسكو، رئيسة تحرير مجلة الآداب الأجنبية.
لها ست مجموعات قصصية، وسبع روايات، ومجموعة من الدراسات مع كتاب أدب الرحلات.
ترجمت أعمالها الأدبية إلى الروسية، الفرنسية، الإنكليزية، الفارسية، الهولندية.
اختيرت روايتها «الدوامة» من بين الروايات المئة الأفضل في تاريخ الأدب العربي في القرن العشرين.