كبيرة من أعمالها التصويرية التي عهدناها متألقة وغنية بتجددها ليعود ويؤكد على
خصوصية أسلوبه الذي يخضعه في كل تجربة للمزيد من التطوير مايجعلنا أمام دينامية تلون
مراحل إنتاجه ومساره الإبداعي.
يذكر أن ماهر متفرغ للعمل الفني ونتاجه كبير موزع في عدة بلدان عربية وأجنبية في
القصر الجمهوري والمتحف الوطني بدمشق ومتحف الشباب في برلين وهو حاصل على
جائزة بابلونيرودا في معرض انترغرافيك العالمي ببرلين عام 1978، وقد شغل رئاسة
القسم الفني بمديرية المسارح والموسيقا في نهاية السبعينيات، كذلك عمل في التصميم
والديكور في الثمانينات، وقد تخرج بدرجة امتياز عام 1975 عندما أوفد لدراسة الفن في
ألمانيا.
تحمل سطوحه التصويرية أداء مركباً من العمل التقني، فبالتجاور مع التأثيرات المباشرة
للفرشاة تظهر المساحات المضاءة والمعتمة جراء أداته التي لايتخلى عنها، تلك الأداء التي
يستخدمها لقشط الخامة اللونية الموضوعة مسبقاً أو التي تحملها هذه الوسيلة والتي تبدو
مرنة أوصلبة حسبما تقتضيه الحاجة من تأثير شفاف أو كتيم للون، وحتى الشكل
التقشيري مستفيداً في كل ذلك من ملمس السطح الحامل من قماش أوغيره.
وبالطبع لاتقف هذه الوسيلة عند السكين كأداة فنية فمن شأن أي مادة أخرى يرى فيها
ماهر مزايا تخدم خياله لن يتوانى عن استخدامها وستكون أداته، إن هذا الأداء عندما يكون
بأداة حادة أوعريضة وبحساسيته ماهر يؤلف تشكيلاً متكاملاً عبر الخطوط والمساحات
والتحجيم سعياً لصياغة تصرح بفرادتها وحيويتها في وسطها الواسع الذي تسوده
التشخيصات والموجودات الأخرى من عناصر حية أو عضوية أخرى، ومن الملاحظ في ظل
التأمل الطويل لأعماله أو تلك النظرات العابرة العامة حضور ذلك التماهي بين الخلفيات
والتأليفات المتنوعة المتصدرة للأعمال، حيث يبدو التداخل جلياً بين معظم التأثيرات
المحمولة مع التأكيد على شخصية الفضاء كخلفية وضوء وحجوم وكذلك كمنظور يحضر
ويغيب بشكل مبتكر يلتصق بمخيلة الفنان وحدسه.
ليس الأداء تلقائياً فحسب، فهناك التصور الاستباقي للنتيجة وهناك تلمسا للتكوين منذ
بداية الفعل التشكيلي هذا، حيث تجد الظلال والإضاءات والأعماق والحركات الآدمية
منذ البداية كضبط لتصميم العمل الفني ككل.
من الناحية التقنية نجد من كل هذا العرض التفصيلي لحيثيات الرؤية البصرية أن للعمل
مراحل عدة من الأداء الذي تسوده خبرات طويلة تجعل من هذا الحامل مكتنزاً لثراء
واضح في السطح إثر الجدية والدأب في استثمار المعرفة التقنية لمصلحة التعبير والفكرة
والموهبة والخيال.
تتنوع المواضيع فتشمل شخوصاً ضمن حشود أو فرادى إلى جانب العناصر الأخرى من
نباتات وأشجار كمحيط حيوي تتحرك فيه الموجودات وتتوزع ضمن تأليفات تحقق
توازنات مدركة تبدو عليها الحيوية، والأبرز في مواضعه النساء اللواتي تخرجن بجرأة من
نمطيات الحركات البشرية لتبدو سابحة في فضائها الافتراضي متحررة من قيود التقليدي،
مصرحة بهيئات تمتلك المزيد من الحالات العاطفية عبر عنف المسار وليونته وبالتالي غرابته.
لو عدنا إلى الناحية الشكلية ندرك مدى الانسجام الذي يتحقق إثر توضع مساحات
الألوان بتنوعاتها المختلفة والتي تنتقى بشكل دقيق وتلقائي، وهذا مايقود إلى قيمة أخرى
هي في هذا التوازن الذي يغلب على كل نتاج ماهر، فهناك توافق بين الخط والمساحة
اللونية بدرجاتهما المتنوعة وبين مفردات التقنية والغايات البصرية وبين الفكرة والمضمون.
استوقفتنا أعمال ماهر طويلاً إثر تأثيرها البصري الملحوظ والإحالات التي تنقلنا إلى تجاربه
السابقة لندرك تماماً أن هناك مقدرة على المحافظة على سيرورة مراحله التي تتسم بالتألق
والتصاعد إضافة إلى الحساسية الميثولوجية بل وحتى النفحات الهاربة إليه من فنون عصر
النهضة، وهو إذ يقدم نتاجه الحالي إنما يقوم بتحصين رؤاه التي تتسم بالعمق بوصفها
تأملية.
وواعية لحقائق عدة منها مايتعلق باختيار الفكرة ومنها مايتعلق بالتعبير، ويضاف لذلك
حسن الفرز والاختيار أثناء الفعل التشكيلي وصولاً لتمثل الرؤى والغايات.