منذ منتصف الثمانينات بدأت معدلات القبول الجامعي بالارتفاع وبدلاًمن الحد منها عبر بناء جامعات جديدة
وزيادة استيعاب الطلاب استمرت في ارتفاعها لتصل إلى درجة الغليان في السنوات الأخيرة وكأن المعنيين يريدون أن يقولوا لأبنائنا عذراً ممنوع الاقتراب ,ما أدى لضياع عدة سنوات من أعمار طلابنا نتيجة لسعيهم
بالحصول على الاختصاصات التي يرغبونها ,ويأسهم في بعض الأحيان بعد أن أرخى الاحباط بظلاله على نفوسهم إضافة للأعباء المادية الإضافية التي أخذ يتحملها الأهالي لتشجيع أبنائهم على تحقيق طموحاتهم ,عداك عن تغريد آلاف مؤلفة من الطلاب خارج أسوار الجامعة إما لأنهم لا يرغبون بالفروع التي حصلوا عليها أو لأن الفروع التي حصلوا عليها ليس لها فرص عمل مناسبة بالمستقبل ,ليتوجه بعضهم إلى سوق العمل ويدخل بعضهم الآخر دوامة البحث عن عمل ويصبح لقمة سائغة لأي استثمار من أي جهة خارجة عن القانون ,والأسئلة التي تطرح نفسها لماذا لم تعمل وزارة التعليم العالي على بناء جامعات جديدة بمختلف الاختصاصات خاصة قبل عام 2000أمام الزيادة السكانية وزيادة الطلب على العلم؟ ثم ماذنب أهالي الطلاب ليدفعوا فاتورة عدم وجود رؤية علمية مستقبلية قادرة على مواكبة التطور؟ والأهم إلى متى يبقى
التسجيل في جامعاتنا الحكومية حلماً؟
وللوقوف على أسباب ارتفاع معدلات القبول الجامعي اقتصادياً وسكانياً والحلول المقترحة أجرينا التحقيق التالي والذي سبقه عينة من آراء المواطنين وإليكم:
للموازي مضطراً
المواطن ج,ع قال:أنا من أصحاب الدخل المحدود وقد حصلت ابنتي العام الماضي على 231علامة بالفرع العلمي بعد أن كدت وتعبت طامحة للتسجيل في كلية الصيدلة لتفاجأ بعد صدور معدلات القبول بأن الحلم الذي طالما انتظرته طويلاً تبدد وأن طموحها الذي سعت لتحقيقه ذهب أدراج الرياح ورغم وضعي المادي المتواضع وأمام تحقيق حلمها اضطررت لتسجيلها في التعليم
الموازي بأقساط سنوية تثقل كاهلي.
فروع جديدة ولكن؟
الشاب أ,ص قال:لاننكر الجهود التي بذلتها وزارة التعليم العالي في افتتاح عدد من الفروع الجامعية في المحافظات لكن ذلك لم يخفف من معدلات القبول الجامعي وبالتالي لم يجد المسؤولون بعد طريقة علمية ناجعة للحد من ارتفاعها مما جعل الطالب يحمل هماً كبيراً إذ إنه إذا ما فقد 4أو 5 علامات قد يتغير مسار طموحه كلياً ليصبح أمام أمرين:إما أن يعيد أو أن يلتزم بفرع قد لا يرغب به وأسأل الجهات المعنية:هل يمكن لأي طالب يسجل في اختصاص لا يرغب به أن يكون ناجحاً بعد تخرجه بالمستقبل؟
إلى متى؟
المواطن س,م قال:لا شك أن الدورات التكميلية خطوة جديدة وجادة لمتابعة الطلاب تحصيلهم العلمي لكنها لن تحل مشكلة ارتفاع معدلات القبول وربما تبقيها مرتفعة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنها قد تزيد نسبة العلامات المرتفعة التي تعتبرها وزارة التعليم العالي المعيار الأساسي لتحديد درجة القبول في أي اختصاص مما يحد من فرص قبول الكثيرين في الفروع التي يريدونها ما يجعل بعضهم يلجأ إلى الجامعات الخاصة وبعضهم الآخر لإعادة الثانوية العامة فإلى متى يبقى التسجيل في الجامعة حلماً لدى طلابنا وكابوساً يؤرق راحتهم وتفكيرهم.
200 ألف طالب خارج الجامعة في السنوات الثلاث الماضية !!
الدكتور وائل إمام أستاذ في كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية بجامعة دمشق قال:إن من أهم أسباب ارتفاع معدلات القبول الجامعي اعتماد معياري الجودة والاعتمادية إضافة لأن الطلب في جامعاتنا أكثر من العرض لأن الفئة العمرية تحت 18سنة غير متوازنة مع المجتمع وعلينا أن نعترف ولا نتجاهل الحقيقة التي تؤكد وجود أكثر من50%في مجتمعنا ما دون 18سنة وهذا ليس له علاج إلابالتوعية ولابد من وجود حلول اسعافية , كما أن وزارة التعليم العالي لم تأخذ بعين الاعتبار البعد السلبي والمؤشرات السكانية في الاستيعاب الجامعي ما جعل 200ألف طالب يغردون خارج أسوار الجامعة بعد أن عجزت الجامعات الحكومية والخاصة عن استيعابهم.
لابد من حلول إسعافية
ويرى الدكتور إمام أنه لحل هذه المشكلة يجب على وزارة التعليم العالي اتباع عدة خطوات جادة أهمها:زيادة الاستيعاب في الكليات الطبية والهندسية لأن هذه الشريحة هي التي تبني التطور التكنولوجي والعلمي في بلدنا علماً أنه أكثر من عشرة آلاف طالب مجموع علاماتهم مابين 230-240في العام الماضي,وإحداث تخصصات أدبية يحتاجها المجتمع في الجامعات الخاصة والتوسع في الكليات الأدبية أمام عدم امكانية استيعاب 50ألف طالب من الناجحين في الثانوية بالفرع الأدبي في جامعاتنا العام الماضي ,كما لا بد من مراعاة مقاييس الجودة والاعتمادية في السنوات الثلاث القادمة على أن يتم تطبيقها بعد عملية التوسع في البنية التحتية وأعضاء الهيئة التدريسية ,والعمل على إعادة هيكلة بعض المعاهد التي لاتتبع لوزارة التعليم العالي ووزارات الدولة وتضم بنى تحتية وموارد بشرية والاستثمار الأمثل لها بما يتناسب مع حاجات السوق ورغبات الطلاب ,إضافة لعدم إجراء أي تعديل على طريقة المفاضلة فكلية الطب في دمشق مثلا استوعبت 1200طالب عام 2006فيما لم تستوعب أكثر من 500طالب العام الماضي ,كما لابد من زيادة عدد طلاب كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية والألكترون في جامعة دمشق لأنها تحقق معايير الجودة من حيث المساحة وعدد أعضاء الهيئة التدريسية ,وعدم مراعاة أحد بنود الخطة الخمسية الحادية عشرة بشكل اسعافي لأن بعض بنودها يشير إلى تقليص عدد الطلاب ,وضرورة العمل على فصل جامعة دمشق إلى ثلاث جامعات حكومية ولكل منها اعتمادها الخاص ,للآداب والعلوم الطبية والعلوم الهندسية وأخيراً يجب النظر للطالب كزبون في الجامعة والمؤسسات التعليمية.
ازدياد نسبة الشباب
والنظرة الاجتماعية أحد أهم الأسباب
فيما يرى الدكتور أكرم القش عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية أنه لاجدال حول ارتفاع معدلات القبول الجامعي لكن في بعض الاختصاصات ,وسبب ذلك أن الشريحة العمرية في سورية في نمو مستمر وهذا ما يسمى بداية انفتاح النافذة السكانية ويعني تراجع نسبة الأطفال في المجتمع وازدياد الشريحة الشابة 15سنة فأكثر والحقيقة أن التحول بدأعام 2000فبعد أن أصبحت نسبة الأطفال دون 15سنة تشكل نصف السكان أخذت بالتراجع لحساب الشريحة العمرية الأعلى واليوم تراجعت نسبة الأطفال إلى مادون 40% وهذا كله يؤكد وجود تزايد سكاني ,إضافة إلى أن معدلات الطلبة في الثانوية ِ ترتفع باستمرار خاصة في الشرائح العالية ,كما أن نسب من يعيد الثانوية بعد نجاحه تعطي الطالب فرصة إضافية لتحسين فرص نجاحه ,ثم إن التفكير النمطي الاجتماعي السائد ينحو باتجاه اختصاصات معينة دون غيرها (طب بشري وأسنان وصيدلة وتعويضات سنية)بغض النظر عن رغبة الطالب. إذاً الكلية التي يختارها الطالب لا تكون بالضرورة بناء على رغبة الطالب وإنما بناء على درجاته لذلك نجد شريحة لابأس بها من الناجح ويعيد لتحسين وضعه ,وبالمقابل لدينا امكانية معينة للطاقات الاستيعابية في التخصصات واحداث كلية طب والتوسع بها يحتاج إلى وقت كما أن تأهيل كادر يحتاج لعشر سنوات ,وباختصار إن ارتفاع المعدلات انعكاس لارتفاع العلامات العالية للثانوية ,وعلينا ألا نغفل حقيقة أن بلدنا سورية الوحيدة التي تقدم التعليم مجاناً لكن لدينا قدرة استيعاب فشريحة الشباب تنمو أكثر من 3%سنوياً والمعدلات تعطينا نمواً إضافياً مابين 2-3%وبالتالي يفترض أن تكون زيادة الفرص التعليمية بنسبة 5%ونحاول تأمين هذه الزيادة قدر المستطاع لكن لاتوجد دولة بالعالم تستطيع أن تلحق الرغبات الاجتماعية وكتعليم مجاني لدي قدرة أعمل عليها وفرص في الموازي والخاص واعادةالثانوية لكن حجم الزيادة لاتتناسب مع المجتمع وأعداد طلاب الثانوية العامة ومع ذلك ففي العام الماضي لم ترتفع المعدلات عن سابقتها بسبب زيادة الاستيعاب,إذاً هذه الاسباب مجتمعة تلعب دوراً كبيراً في ارتفاع المعدلات الجامعية.
محاولات جادة وحلول مرتقبة
ويتابع القش حديثه فيقول:هناك محاولات جادة تعمل عليها وزارة التعليم العالي أهمها تطوير الأنظمة التعليمية إذ بعد أن كان لدينا تعليم من نوع معين أصبح لدينا تعليم مواز وخاص لأجل استيعاب الزيادة المذكورة ,كما عملت على التطوير الأفقي حيث تم احداث جامعات جديدة وفروع للجامعات في كل المحافظات منذ أكثر من خمس سنوات ,كما أن عملية التوسع بالتخصصات مستمرة لكن يلزمنا إعداد كادر تدريسي علمي وبنى تحتية (قاعات –مخابر –تجهيزات)إضافة إلى أن التعليم العالي يحاول إجراء تعديلات في بعض القوانين التي تساعد على القبول الفعال في الجامعات منها عدم إعطاء فرصة مجانية لاي طالب يسجل في فرع معين ولا يلتزم به ويعيد الثانوية لأنه بهذه الحالة يكون قد أضاع فرصة على طالب آخر , كما أن الوزارة قد وضعت في أجندتها تحويل بعض الفروع إلى جامعات مركزية مستقلة والتوسع في ملاكاتها وتخصصاتها بعد استكمال البنى التحتية وإعداد الكوادر العلمية إضافة لرفع نسبة القبول الجامعي من 25%إلى 45% واعتقد من جهة أخرى أن مشكلة تنامي أعداد الطلبة ستحل خلال عشر سنوات إذ إن نسبة الشباب ستصل إلى نسبة معينة وبالتالي سيحدث توازن في التركيب العمري للسكان على أن يتم ذلك بالتوازي مع التوسع الأفقي والعمودي ونتيجة لهذا الإستقرارسيحدث توازن بين العرض والطلب ومن هنا أعتقد أنه سيعود التسجيل المباشر ,وإضافة لكل ذلك لدينا الآن مناهج جديدة وبالتالي لا يوجد لدينا مدرسون خصوصيون يتوقعون الأسئلة والأخيرة ليست نمطية ومن الممكن بهذه الحالة ان تنخفض المعدلات في العام الأول لكن ذلك لن يؤثر على الطالب المتفوق.
ولابد من تطوير المعاهد
وبالنظر لوجود طاقات هائلة في المعاهد المتوسطة والإقبال المحدودعليها نتيجة للذهنية الاجتماعية أصبح من الضروري تطوير هذه المعاهد وجعلها أكثر التصاقاً ً بسوق العمل وهناك خطة لتفعيل مناهجها وربطها بسوق العمل وعندما يجد الخريج فرصة عمل ربما يغض النظر عن الهندسة مثلاً ومن الممكن تطوير المعاهد إلى كليات مجتمع حيث يقلل ذلك من النظرة السلبية للمعاهد.
الاختبارات إيجابية
أما بالنسبة للاختبارات التي يجريها الطالب قبل قبوله ببعض الكليات فقد تم إيقافها هذا العام بالعديد من الكليات عدا عن بعض الكليات المرتبطة بالموهبة (هندسة عمارة –فنون جميلة)وعموماً هي عامل ايجابي للطالب ومساعد له إذ يدخل الطالب بالحد الأدنى للمعدل وإذا كان لديه موهبة يعطى فرصة إضافية لقبوله في التخصص الذي يريد.
مكوث وتسرب
وفي العام القادم نحن بصدد دراسة نسبة المكوث والتسرب من التخصصات غير المرغوبة اجتماعياً ومثال ذلك أن طالباً ما سجل تخصصاً ما بناء على درجاته لكن ليس لديه رغبة به ,وبالتالي إذا استطعنا معرفة نسبة التسرب والمكوث نستطيع معرفة نسبة القبول غير الحقيقي للطلاب في اختصاصات معينة ونصل بالتالي للمعايير التي تحسن من القبول الجامعي بحيث لا نستغني عن معدل الثانوية لكن القبول يصبح بناء على المقدرة والرغبة والميول.
التعليم المهني
باعتبار أن التعليم المهني أحد أهم القنوات لامتصاص خريجي الثانوية يجب التوجه له لكن وبالنظر لأن لدينا معه مشكلة حقيقية لابد من العمل على تطويره ما قبل الثانوية وفي كليات المجتمع وشرط أن يكون جذاباً بحيث يشعر رواده أنهم اكتسبوا معلومات جديدة وإضافية.
استيعاب
هناك توجه هذا العام لزيادة الاستيعاب الجامعي وإذا لم يكن بسوية العام الماضي فهو أعلى.
بطالة كارثية
وختم القش حديثه بالقول علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن افتتاح النافذة الديمغرافية السكانية ببلدنا سيساهم في زيادة نسبة البطالة بالمجتمع بشكل كبير وأقولها بصراحة إذا لم نعمل على خلق فرص عمل جديدة وحقيقية وعلى فتح باب الاستثمار على مصراعيه للتوسع الأفقي بفرص العمل فإننا مقبلون على كارثة بالبطالة.
رجاء
إن كل ما سبق من حلول منطقي وموضوعي ويعكس جهوداً جادة لخلق جيل متعلم قادر على تحمل مسؤولياته مستقبلاً تجاه مجتمعه ووطنه لكن ما نرجوه ألاتكون هذه الحلول حبراً على ورق لأن ذلك من شأنه أن يصعد الازمة أكثر ويصبح أبناؤنا بلا علم أو عمل فهل تترجم وزارة التعليم العالي رؤيتها العلمية إلى واقع؟أم أن تعليمنا الحكومي العالي سيتجه نحو الخصخصة لمآرب شخصية كما يقول البعض لنصبح وأبناءنا خارج المعادلة التعليمية !!.