تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مجزرة قندهار... أنموذج الديمقراطية الأميركية

شؤون سياسية
الثلاثاء 27-3-2012
وضاح عيسى

في وقت تحاضر فيه الإدارة الأميركية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان عبر المنابر التي يمتطيها مسؤوليها في كل مكان من العالم، تسعى بروباغنداتها الإعلامية ومن لف لفيفها لإقناع العالم بأن هذه المبادئ والقيم الإنسانية هي من صنع الولايات المتحدة،

وأن تدخلها العسكري في الدول الأخرى المستقلة ذات السيادة يأتي بزعم محاربة الإرهاب والاستبداد والديكتاتوريات ونشر هذه المبادئ والقيم فيها، لكن السياسات التي تتبعها إداراتها المتعاقبة إضافة إلى تاريخ الجيش الأميركي وممارساته، تفضح كل هذه الادعاءات التي ما تزال تتمسك بها تلك الإدارات إلى الآن في مسعى منها للسير بنهجها الاستعماري الذي قطعته على نفسها بغزو بلدان آمنة متذرعة بتلك الحجج الواهية التي باتت معروفة للعالم أجمع الذي يسعى الشرفاء فيه لمجابهتها.‏

نماذج الديمقراطية الأميركية تجسدت في الممارسات التي قامت بها قواتها في أفغانستان وغيرها من البلدان التي غزتها، وآخر ما تمخض عن ممارساتها الديمقراطية تجلى في اقتحام جنودها المدججين بالسلاح لمنازل مدنيين آمنين في مقاطعة بانجاوي جنوب قندهار، وقيامهم بالاعتداء على امرأتين قبل أن يقتلوهما في جريمة تشكل سابقة خطيرة ذهب ضحيتها 16 مدنيا أفغانيا بينهم تسعة أطفال بدافع كراهية عنصرية، لم تكن من أولى الأعمال الإجرامية المرتكبة من قبل هذه القوات المحتلة لهذا البلد والتي يندى لها الجبين، بل أتت بعد أعمال قتل واحتجاجات أعقبت قيام جنود أميركيين بإحراق نسخ من القرآن الكريم في قاعدتهم العسكرية تم عرضها على شبكة الانترنت لغاية في نفسهم، وأتت أيضا بعد ظهور شريط فيديو يصور جنودا أميركيين يتبولون على جثث قتلى أفغانيين، وهذه الأعمال وغيرها الكثير مما لم يعرف بعد عنها شيئا والتي لم تشأ وسائل الإعلام الأميركية والمتواطئة معها عرضها إخفاء لحقيقة الفظائع المرتكبة، أدت لتوليد الإرهاب وتأجيجه في هذه المنطقة وخارجها خدمة لأجندات استعمارية.‏

الجريمة البشعة التي قام بها نحو 20 جنديا أميركيا حسب وفد برلماني أفغاني حقق فيها، تم التسويق لها من قبل قوات الاحتلال الدولية لأفغانستان، على أن جنديا أميركيا واحدا تم الكشف عن هويته هو من ارتكبها، في حين أبدت الولايات المتحدة التي تدعي الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان تخوفها من تداعياتها التي قد تؤدي إلى تكرار الاحتجاجات الدموية على خلفية حادثة حرق المصاحف، وعبرت بحذر شديد بعد أن قدمت مبررات غير منطقية لدوافع ارتكابها، وكعادتها في تبرير الأعمال الإجرامية التي يقوم بها جنودها اعتبرت واشنطن أن هذه الأعمال «ليست نمط التعامل الأميركي في أفغانستان وهي منفردة أقدم عليها جنود سيخضعون للتحقيق والمحاسبة»، لكن القلق ظل مخيما في نفوس مسؤوليها بعدما أبدوا تخوفهم من اندلاع مظاهرات حاشدة مناهضة لبلادهم إلى اليوم الذي تلا وقوع الجريمة التي أدت إلى تصاعد حدة الغضب في أفغانستان.‏

المراقبون والمتابعون لفظائع قوات التحالف الدولية في أفغانستان وجهوا انتقادات لاذعة لهذه الجريمة البشعة وغيرها من الأعمال الوحشية والهمجية المرتكبة من قبل قوات الاحتلال في تلك البلاد، وسخروا من الرواية التي تروجها وسائل الإعلام الغربية والولايات المتحدة والتي اختزلت مرتكبيها بشخص واحد وصفته بالمجنون لتبرير الدوافع التي أدت لارتكابها مؤكدين أن هذا النفاق والدجل هو ذاته الذي استخدم لوصف الجنود الأميركيين القتلة الذين انتابهم شعور مسعور للقتل في مدينة حديثة العراقية، وكمثله الذي استخدم لوصف الجندي الإسرائيلي باروخ غولدشتاين الذي قتل 25 فلسطينيا بشكل وحشي في مدينة الخليل.‏

وفي سياق هذه الجريمة ومبررات دوافعها وإغفال خفاياها الحقيقية التي باتت معروفة لدى المتابعين لارتكابات قوات الاحتلال، نتساءل كما المراقبون ووسائل الإعلام التي ترفض مثل هذه العمليات الإجرامية... هل من السذاجة أن يصدق أحد بأن من ارتكب هذه المجزرة كان واحدا فعلا وهو في حالة الجنون أو الغباء، ولو كان الأمر كذلك لكان مرتكبها قد فعل فعلته هذه بحق زملائه ؟ وهل هذه الحالة التي أتت بعد حالات كثيرة، هي حقا منفردة حسب زعم المسؤولين الأميركيين رغم تكرار الكثير من هذه الحوادث البشعة بحق المدنيين نساء وأطفالا وشيوخا؟، كما أن ذلك يضعنا في خانة التساؤل مرة أخرى... ماذا ستكون النعوت التي ستقدمها وسائل الإعلام الغربية في حال كان مرتكب هذا الفعل أفغانيا بحق جنود أميركيين محتلين لبلاده، وهل عاقبته ستكون كعاقبة جندي محتل قام بفعلة كهذه بحق مدنيين لا ذنب لهم سوى أنهم رعايا بلد محتل من قبل غاصبين؟، وهل مقتل عدد من جنود الاحتلال سيتم التعامل معه كمقتل الآلاف من المدنيين الذين لم يأت أحد على ذكرهم كمثل من لقوا مصرعهم في هذه المجزرة .‏

مهما كثرت الأسئلة فلن تلقى جوابا شافيا لأن ما يخص الأميركيين وحلفاءهم يختلف كثيرا عما يخص غيرهم من شعوب الأرض قاطبة، لأن ما يحق لهم لا يحق لسواهم، فهم يتمتعون بحصانة لا يملكها سواهم من بني البشر تؤهلهم لهتك الأرض والعرض ولسفك المزيد من دماء البشر بغير حق، والإساءة للدين والكرامة والتنكيل بالجثث وارتكاب الكثير من الفظائع التي تعد جزءاً من عمليات القتل الوحشي والهمجي ونتيجة مباشرة وحتمية لاحتلال غاشم ربما لن تنتهي بانتهائه رسميا.‏

مع ذلك مازال الكثير من هذه الفظائع الأميركية والغربية عالقاً بالأذهان سواء في العراق وأفغانستان وباكستان، وقبلها في فيتنام والفلبين وغيرها، فضلا عن فظائعهم البشعة التي ارتكبوها في السجون الطائرة وفي غوانتانامو وأبو غريب، فإلى متى تبقى الولايات المتحدة وحلفاؤها يمارسون هذه الجرائم بحق الدول والشعوب، وإلى متى تبقى دون محاسبة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية