تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عرش الدم... كغيره من العروض المسرحية مشغول بالهم الوطني...

مسرح
الثلاثاء 27-3-2012
آنا عزيز الخضر

غالبية الأعمال المسرحية شغلها الهم السوري بواقعه و أبعاده ،فحضرت الأزمة السورية عبر إبداعات المسرح ، إذ عولجت عبر عروض متعددة،وعبر أشكال فنية مختلفة، فأحياناً سلط الضوء عليها،

و تمت محاكاتها عبر طرح سياسي واضح، مثل عرض/ طبق الأصل/ و أحياناً من خلال نص و مجريات درامية ، تؤكد على المواطنة و الشعور الوطني والمسؤولية الوطنية ومهامها بشكل غير مباشر ، ثم التأكيد أن مصلحة الوطن فوق الجميع مثل عرضكلكم أبنائي/ ،و قد شغل الهم الوطني، أبناء سورية المبدعين، حتى إنه في بعض الأحيان أسقطوا أفكارهم ،و قدموا رؤيتهم ،حتى من خلال الشكل الفني والأسلوب ،مثلما أكد الفنان الدكتور/ سامر عمران /من خلال تقديم فكرة وآلية عرض ، /الأرامل / الذي أسسه على الحوار ما بين الجمهور و القائمين على العمل المسرحي ، وكان هناك تداخل واضح بين الطرفين ، حتى إن المخرج أعلن ذلك عبر ملصق العرض، حيث دعا إلى فكرة ضرورة الحوار،وحاجة الوطن إلى محبة الجميع ،إضافة إلى أن المضمون يحاكي نفس الفكرة ، حيث يدور حول المحبة.‏

و يرى الدكتور عمران ضرورة أن يعم الحب بين جميع أبناء الوطن،هذا وقد انشغل المثقف و المبدع السوري، في منجزاته الإبداعية بهموم وطنية، و كان من هذه العروض أيضاً عرض /عرش الدم /إخراج وإشراف: المسرحي المبدع /غسان مسعود /عن نص شكسبير الشهير/ ماكبث/ و نص/ ريتشارد الثالث/، اقتبسه الدكتور/رياض عصمت/، و قد استقطبت نفس الفكرة مئات الأعمال الفنية ، فهي تتكرر من عمل إلى آخر لأهميتها في اتجاهات كثيرة، وبكونها تغور عميقاً في الدواخل الإنسانية ،مبلورة النوازع العدوانية المقيتة، تلك التي تستلب الذات الإنسانية من جوهرها الحقيقي، فتصبح الأخيرة كوحش ،تستعبده شهوة السلطة، و شهوة السلطة دون غيرها، والتي تؤدي إلى الانعتاق من أي معيار إنساني، فتخوى الروح و يغيب العقل و المشاعر و الأحاسيس، ويصل الإنسان الذي تستعبده إلى القتل ،حتى لأكثر الناس قرباً إليه ،فها هو/ ماكبث/ تحت تأثير نبوءة الساحرات، اللاتي أخبرنه بأنه سيصبح ملكاً، وهو قائد لجيش ملك حكيم ،فما كان منه إلا أن قتله بتشجيع زوجته، التي سمعت تلك النبوءة وتمسكت بها ، و تبدأ سلسلة القتل، فيقتل كل من يشك بأنه يقترب من سلطته تلك .....وهكذا، إلى أن أصبح القتل لوثة و هاجساً ،حيث تحول القتل عنده إلى فعل اعتيادي مقبول، فهل يعقل كل ذلك ..؟و قد تحول ذاك الشخص إلى شبه إنسان، بل قزم ممسوخ ،لايمت للإنسانية بصلة،.فالبشرية أجمع على مر الزمان،تسعى و تهدف و تتواصل جهودها من أجل الارتقاء بسعادة الإنسان و التمسك بمكانة تليق به، فيسخر العلم و المعرفة و التنوير و التطور، من اجل ذلك ،فكيف يحصل القتل للبشر بكل تلك البساطة ،وكأنه أمر عادي ومألوف، حيث كفر ذلك الفرد بكل المعاير و الأديان و الحقوق الإنسانية وكل شيء .هنا يتقاطع العمل في كثير من النقاط مع تفاصيل الواقع السوري و أزمته حيث استشهد الكثير في الفترة الأخيرة من دون ذنب يقترفونه إلا أنهم على مرمى أهالي النيات الخبيثة ،من رهنوا أنفسهم لأجندات خارجية ،تهدد الوطن و أهل الوطن، فشهوة الدم الملعونة في العرض هي ملعونة في كل مكان وكل زمان ، و تلك النتائج المقيتة التي يستجرها العرض أمامنا، تشير إلى حد ما إلى الواقع السوري، و شهوة الدم التي استمرئت، اقتربت كثيراً ، مما يحصل في الواقع، وحمل الكثير من تأويلاته، حتى إن الفنان غسان مسعود عندما سئل عن ذلك في فترة سابقة، أجاب قائلاً: ما يحصل في سورية غير مقبول على الإطلاق، و ما تتعرض له سورية هي حرب قذرة و لا أخلاقية، و كل المعطيات التي نراها، يظهر فيها أن المطلوب من سورية، ليس الإصلاحات بل الفوضى و الخراب و الذهاب إلى المجهول، و ما يحصل يستهدف الوطن برمته .‏

وبالنسبة للعرض لا بد من القول إنه لو لم يحتمل القراءة التأويلية، أعتقد أنه لا حاجة لخوض هذه التجربة، من هنا فقد أكدت غالبية الأعمال السورية، أنها مشغولة بهم وطني بكل معنى الكلمة ،حيث كان الهاجس الأهم لمبدعينا، و ها هو /غسان مسعود/ يشرف على طلابه لتقديم عمل مسرحي مهم، يجسدون من خلاله ،تلك الحالة المقيتة و البشعة متى كان زمانها، و أينما كان مكانها، و قد أبدع الممثلون في عملهم الفني ، و أظهر بجلاء مهاراتهم الإبداعية و مقدرتهم على ترجمة معارفهم التي درسوها ومواهبهم، إذ أوصلوها بأداء عالي المستوى، و بأسلوب فني مزج بين مهارات فنية مختلفة تمثيلية و حركية و درامية دقيقة، و كل منهم أبدع بطريقته الخاصة فانتزعوا الإعجاب، بعد أن مسرحوا إبداعاتهم ،فبلورت استفزاز دواخلهم بشكل لافت، لأكثر من سبب لغنى النص الدرامي و الإنساني من جهة، و إحساسهم أن كل واحد منهم يجسد رسالة فنية و فكرية من جهة أخرى، تقدم مقولات هامة إنسانية و وطنية ترتبط بواقعهم، فالنص يكتسب أهميته بموازاته للواقع، كونه يفضح قذارات هذه الآلية،فهو يفضحها من الناحية الإنسانية ،فكيف إن اتسع هدف تلك الدراما،و شملت أبعاداً أخرى ،تصل فيها إلى آفاق الوطن ،فتشمل أهداف العرض بذلك ،أهدافاً أكثر شمولية ومسؤولية، في الحياة ، و قد اقتربت من تفاصيل الواقع السوري بشكل زكي،فالعرض عرش الدم ناقش قضايا مصيرية راهنة، منطلقة من أزليتها و صراعاتها الأبدية ،تلك التي ترتبط بالطبائع الإنسانية السوداء ،فهي لن تكون إلا ملعونة في الزمن الماضي و في الحاضر و في المستقبل، يحاربها الجميع لأنها تفقد الإنسان أفضل ما يملك و تحوله إلى مسخ إنسان، فهي مرفوضة أبداً ومهما كانت دوافعها ومبرراتها،بل إن الحالة ككل تجسد دعوة لفضحها ،وتعرية شناعتها وبهيميتها، وإن تمكنت بشكل جزئي من تحقيق بعض من وحشيتها و فظاعتها، فالعرض بدوره يعلن تلك الحرب الدائمة عليها و على تلك النوازع المقيتة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية