في أكثر من مهرجان للمسرح، أو يكون للمسرح فيه نصيب، يطرح المشاركون، والزائرون قضية ً تلح عليهم من خلال شعورهم بالأجواء الاحتفالية والمهرجانية المتميزة، والتي يكرس فيها المسرح كفن ٍ رائد ٍ،بل «أبو الفنون» وهي: لماذا لا نكرس اللاذقية مدينةً أو عاصمةً للمسرح في سورية.؟
فاللاذقية اغتنت في الفترة الأخيرة بالمهرجانات، واعتنت بالمسرح كثيراً، ما يعطيها ريادة ً في إمكانية جعلها موئلا ً لأبي الفنون.
فمن (مهرجان اللاذقية المسرحي) الذي أقيم لدورات ٍ عدة وشاركت فيه فرق ٌ مهمة، مرورا ً بمهرجان (ملامح أوغاريتية) الذي قدم للجهور السوري التراث الأوغاريتي والميثولوجيا الأوغاريتية ممسرحة، ثم مهرجان (المونودراما) الذي قدم رؤى ً جديدة مختلفة ً، ومهرجان (الكوميديا المسرحي) المتخصص بجانب ٍ صعب ٍ من المسرح،إلى (المسرح الجامعي) ورؤية مختلفة أيضا ً، كل هذا يعطي خصوصية ً للاذقية ويجعلها في موقع ٍ مسرحي ٍ مهم، وجعلت الجمهور يتفاعل بشكل ٍ إيجابي ٍ مع هذه التظاهرات الفنية، ويدعمها لتتسع حلقاتها بشكل ٍ واضح، ليس من اللاذقية بل من مختلف المحافظات.
وإذا اخذنا بعين الاعتبار المشاركة المتميزة والفعالة لمهرجان (الكوميديا المسرحي) بيوم المسرح العالمي، حيث كانت دورات المهرجانات على مدى أربع سنين تختتم بالاحتفال بيوم المسرح العالمي، فإن ذلك يدعونا أكثر إلى التركيز على دعم هذه الاحتفاليات والتظاهرات الثقافية المتميزة في اللاذقية، التي لم تكن في يوم ٍ من الأيام غريبة ً عن أجواء المسرح منذ ثلاثينات القرن الماضي حيث تكونت النواة الأولى لبعض الأندية الفنية والثقافية في اللاذقية. ونشطت هذه الأندية في سبيل خلق نهضة فنية لم تكن موجودة من قبل، وخاصة أن هذه الأندية تأسست بتأثير الفرق الزائرة من ثقافة فنية، موسيقية ومسرحية، ما دفع سكان اللاذقية إلى الاهتمام بالمواهب الموجودة، وجمعها في فرق وأندية قدمت خدمة فكرية وثقافية كبيرة للاذقية. والنادي الموسيقي في اللاذقية يمكن اعتباره بحق رائد هذه الأندية وأعرقها زمانياً وموضوعياً، والحافز لكثير من الأنشطة التي ظهرت في اللاذقية بظهوره. وهذه الأنشطة كانت وما زالت متميزة، وخاصةً في المجال الموسيقي، حيث كان النادي رائداً في مجال إدخال الموسيقا الكلاسيكية، وإسماعها إلى الجمهور، وحثه على الاهتمام بها، وحفزه على دراستها وبالتالي دفعه إلى إنتاج موسيقي راقٍ ومتميز.
ومن أهم الأسماء التي أخرجت أعمالا ً مسرحية في اللاذقية:
ابراهيم كردية، محمد أبو ديب، عدنان السيد، نبيه نعمان، نبيل رستم، عدنان علوان، سهيل حداد، حسن أسرب، أحمد سلمان، حيان الجندي.
وهناك تجارب جديدة يقوم بها بعض الشباب بدرجاتٍ متفاوتة، منهم: مجد أحمد، عبد الناصر مرقبي، هاشم غزال، سليمان شريبا، ولؤي شانا الذي يؤسس يوما ً إثر يوم لتجربة تبدو واعدة في المستقبل.
أما عن التأليف فيمكن ذكر السادة:
محمود ياسين، شهير سعد الدين، جورج بولس الحاج، إبراهيم كردية، محمد أحمد سوسو، فؤاد مرعش، هند هارون،مصطفى الحلاج، عبد القادر ربيعة، فيصل خليل، جبرائيل سعادة، وسجيع قرقماز.
بانوراما عن مسرح اللاذقية لا نستطيع التوسع فيها هنا، لكننا نأمل ألا نكون قد نسينا أحدا ً من العاملين في مسرح اللاذقية.
سجيع قرقماز
هنــــــــــاك.. حيـــــــــــــــث لا جـــــــــــــــدران..!
نقطة شررٍ..
وشرارة بدء.. خلقاً لشرارات سؤال تتطاير في فضاء لا محدود.
أي فن ذاك القادر على إطلاقها.. بثّها.. تصويبها.. بدقة متناهية.. باتجاهك أنت أيها المتلقي.
انتبه.. أنت في مرمى الهدف.. فأيقظ حواسك.
عند حضورك عرضاً مسرحياً.. هل برعم السؤال في ذهنك.. وهل تفتحت علامات استفهام أطلقت العنان لعقلك قبل قلبك..
هل أنطقَتْ ذاك المسكوت عنه المخفي في زوايا معتمة في داخلك..؟
إن لا..
إذاً لماذا ننشدّ شاخصين نحو تلك (الخشبة)..
ما السرّ فيها.. وأين مكمن السحر..؟
الحالة.. أقرب ما تكون إلى (الطقسية الاحتفالية).
الغريب.. أن سهم هذا (التلقي الطقسوي) يوجّه، ظاهرياً، نحو (الخارج).
أنت.. تشرّع كل طاقات التلقي لديك.. تتأهب.. وتستنفر أدوات عقلك.. فكرك.. وعاطفتك صوب (مرسل) كائن على الخشبة.
هل خطر في بالك.. مرّةً.. أن في ذلك (عملية لاواعية تجريها أنت) بحثاً عن شيء ليس لدى ذاك الآخر الذي يرسل على الخشبة إشاراته إليك.. بمقدار ما هو بحث يوجّه سهمه إلى (داخلك).. لكن يأتي مموّهاً.
من هنا..
ينشأ تعاطفنا مع ما يشبهنا.. يقارب حيواتنا.. ويحاكي واقعنا.
و سنحيا طويلاً قبل أن يمّحى من ذاكرتنا وقبل أن ننسى طعم عرض (المهاجران) للمسرحي سامر عمران.. الذي قدّمه في ملجأ القزازين.. والذي قال فيه الكثيرون إنه أفضل عرض مسرحي لعام 2008 م.. عرض يستمر لثلاث ساعات متواصلة دون أي إحساس بالملل.. دون ضجرٍ.. أو كدر.
هل لاحظتم مفارقة ضيق المكان (الخشبة المفترضة) واتساع أفق العرض ومعانيه..؟
و هل تنبّهتم أنه في هذا العرض وسواه.. ثمّة نوع من (الانزياح) المكاني الذي مارسه وخبره المخرجون السوريون في السنوات الأخيرة..؟
في (المهاجران) وفي عرض عمران الأخير (الأرامل) الذي عُرِض في مقهى.. كما في (مبروك) نورا مراد الذي قدّمته أول مرّة في دهاليز قلعة دمشق...... في هذه العروض وغيرها يسقط لا الجدار الرابع فحسب، إنما كل الجدران تسقط.. لصالح كتلة مكانية.. فضاء واحد يشمل المرسِلين (الممثلين) والمستقبلين (المتلقين)..
إنها محاولات لخلق نوع من حميمية التعاطي بين الطرفين السابقين.. وابتكار آليات تلقٍ لا نمطية..
محاولات لجسر أي هوّة بين من هو كائن على الخشبة ومن هو كائن في الصالة.. ردمها.. طمسها.
في ذات الوقت..
الذي تختفي فيه كل الجدران (مرئية ولا مرئية).. تنهض مكانها وتحلّ بدلاً عنها جسور من اللقاء.. والتواصل.. وتفتح بوابات لحوار.. هو محصّلة شرارة السؤال تلك التي يفجّرها العرض.
سؤالات العرض المسرحي.. (فنية.. جمالية.. فكرية.. إنسانية).. تطرح بذرة حوار.. بدوره يتفرّع في اتجاهات عدة..
حوار مع ذاتك.. وحوار مع من حولك.. ويسبقها سؤالات الكاتب والمخرج كما الممثل.. كل منهم لذاته.. وللآخر.
الخلاصة.. شبكة من الحوارات.. يتمخض عنها (شرارة بدء).. بدء لقاء جامع لكل أفراد السلسلة الآدمية تلك..
و هو ما يؤكّد جوهر المسرح كفن يدكّ كل الجدران النابتة.. المتسلقة.. والنافرة في وجه حواراتنا..
لميس علي
هـــــــل أزمـــــــــــــة المســـــــــــــرح فـــــــــــــــي النــــص.. ؟!!
يبدو أنه من الصعب الآن الحديث عن أزمة واحدة في المسرح (أزمة نصوص - أزمة إخراج أو أو..الخ) لأن البعض يراها أزمة نصوص، والبعض يراها أزمة قوانين قديمة، والآخر يرى أن ثمة خللاً في العديد من العناصر المسرحية، ونحن بدورنا نرى أنه من الضروي تسليط الضوء على أبي الفنون «المسرح» الذي كان وما زال هو الرافد الأساسي في التعرف على الشعوب والولوج إلى عالمها ثقافياً واجتماعياً وفنياً...
الثورة التقت البعض من صناع المسرح وكانت اللقاءات التالية:
(أزمة أنظمة وقوانين)
- عماد جلول - مدير المسارح والموسيقا قال:
لو فندنا عناصر العرض المسرحي بداية من النص إلى الإخراج إلى الفنانين إلى الفنيين الموجودين في المسرح السوري، سنجد أن سورية هي خزان حقيقي لهذه المواهب, فنحن لدينا العديد من المخرجين المخضرمين والمخرجين الشباب يثبتون أنفسهم على خشبة المسرح ونحن بدورنا نقدم لهم الفرصة الأولى وعدد من الفنيين المتميزين, بالإضافة إلى ذلك أن النصوص المقدمة إلى مديرية المسارح في كل عام وهي ما يقارب مئتي نص مسرحي لو قلنا إن هناك عشرة بالمئة من هذه النصوص جيدة فهذه نسبة جيدة.
إذاً: الأزمة في المسرح هي أزمة أنظمة وقوانين وأزمة تمويل، بمعنى حتى الآن نحن نتعامل بقوانين عام 1961 أي منذ تأسيس المسرح القومي في سورية، وما يناسب عام 1961 لم يعد يناسب 2011 ولكن لابد من تحديثها وتطويرها.
وأضاف جلول: نحن نفتخر بأن يكون لدينا في مديرية المسارح نجوم الدراما السورية كموظفين, إلاّ أن هذه الكتلة المالية الكبيرة ترهق ميزانية المديرية، وأنا أتمنى لها البقاء ولكن علينا أن نبعدها عن ميزانية المديرية، بمعنى ميزانية المديرية هي فقط للإنتاج المسرحي، هذا من الناحية المادية.
أيضا عندما يتم تحديث القوانين والأنظمة التي تعمل فيها المديرية فهذا سيساعدنا على أن نجلب ممولين من القطاع الخاص, وبالتالي نشجع الفعاليات الاقتصادية ونشجع الثقافة بشكل عام التي ستحقق الفائدة للجميع, وبالتالي نستطيع أن نُعلن أكثر، ونصل إلى الجمهور بطريقة اكبر, وبما أن المسرح أبو الفنون فله له دور إيجابي بهذا الموضوع.
واختتم جلول: عندما يكون هناك تمويل كبير لمدة سنتين تعتمد فيه على الكم وهو الذي سيفرز النوع نستطيع أن نتجاوز بعدد قليل من السنوات أشواطاً كبيرة، وبالتالي نستطيع القول لدينا عجز في هذا الجانب أو ذاك. نحن حالياً نقوم بـ 15 عملاً مسرحياً للمسرح القومي، كان في العام الماضي ما يقارب 13 عملاً للأطفال، بالإضافة للمهرجانات.
(لا يوجد تقاليد مسرحية)
- د.نبيل الحفار - ناقد مسرحي قال:
أنا لا أرى أن هناك مشكلة نص على صعيد المسرح السوري أو حتى على صعيد المسرح العربي، فالنصوص متوافرة بكميات كبيرة ولكن على رجل المسرح الذي يريد تقديم عرض أن يبحث بصورة جادة وقد يكلفه ذلك وقتاً بسبب أوضاع مكتباتنا، لكنه سيحصل على مايفكر فيه، وإن لم يجده تماماً فالحل الآخر والممكن هو اللجوء إلى الإعداد، والإعداد يعني أن يمتلك الإنسان رؤية جديدة للنص الأصلي.
وأضاف الحفار: لقد قدمت الترجمة آلاف النصوص إلى المكتبة العربية، كما قدم الكتّاب العرب أضعاف ذلك إلى هذه المكتبة، لاشك أن قسماً منها قد لا يفي بالغرض، لكن من يبحث بجد فإنه سيجد ما يبغيه، هناك مكتبات متوافرة مثل المراكز الثقافية المنتشرة في المحافظات والمكتبات الخاصة، وهناك في دمشق مكتبة الأسد ومكتبة الجامعات..الخ وكلها تؤمن للباحث ما يريد ولكن المسألة مسألة وقت.
إذاً: نستطيع القول: إن الأزمة عامة هناك نقاط ضعف في بعض مجالات العرض المسرحي، ولا يوجد تقاليد مسرحية راسخة لكي تولّد الكادر الذي يعمل في المسرح ويعيش منه، كما لا يوجد محترفون مسرحيون حتى الآن وإذا لم يكن هناك محترفون فلن نحقق إمكانية عرض لائق.
(ليس لدينا أزمة نص)
- د. محمد قارصلي - مخرج مسرحي:
أكد أنه ليس لدينا أزمة نص والدليل أنه لدي وطلابي العشرات من النصوص المسرحية التي لم تقرأ، كذلك ليس لدينا مشكلة مخرجين والدليل أنه لدينا العشرات من المخرجين الذين لم تسنح لهم فرصة العمل في المسرح. وقال: لدينا مشكلتان في الفن، الأولى لها علاقة بالإدارة، أي إدارة الشأن الثقافي والمسرحي..
الثانية: مشكلة التمويل!! وإلى أن تقتنع الجهات المعنية والقطاع الخاص بأن الثقافة جزء مهم وضرورة حياتية للناس والمجتمع فلن يكون لدينا ثقافة.
وبالتالي أنا لا أوافق أن هناك أزمة مسرح في سورية بل هي موجودة في العالم كله، لكن إذا أردنا أن نقوم بشيء حقيقي يجب إبعاد الموظفين الذين يعيشون على حساب المسرح، ومن ثم نبني هيكلية جديدة تعتمد على العمل في المسرح والعيش منه.
أنا أتصور أنه منذ تأسيس مديرية المسارح والمؤسسة العامة للسينما والهيئة العامة للكتاب... أي في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات كان القائمون على هذه المديريات يخافون على الفن والثقافة، وللأسف في الثمانينات تحولت هذه المديريات لمؤسسات ريعية لهؤلاء الأشخاص، هذا الموضوع جعل المسرح والسينما يتراجعان، وبالتالي فقدنا المشاهد المسرحي والسينمائي والإبداعات المسرحية الحقيقية.
أنا لا أفهم كيف أن هناك عدداً كبيراً من الموظفين في مديرية المسارح يتقاضون رواتب من الميزانية العامة للمديرية وهي تنتج عدداً قليلاً من الأعمال المسرحية، كذلك الأمر في المؤسسة العامة للسينما التي تنتج في العام الواحد فيلماً أو اثنين.
إذاً:علينا إعادة النظر في المسرح وفي السينما وفي الثقافة، فغياب فكرة التنوير هي جزء من أزمتنا الحالية، نعم.. نحن بحاجة إلى أبي خليل القباني لكي يُعيد لنا فكرة التنوير.
عمار النعمة
الإخـــراج المســـرحي.. صعوبــــات ترتبــــط بعناصــر العرض المسرحي
الإخراج المسرحي عنصر هام يربط بين عناصر العرض المسرحي والآلية الإبداعية من النص الى التمثيل، الأداء، الديكور، الإضاءة وغيرها، وتكون الرؤية الخاصة للمخرج هي نقطة التقاء مهمة، تجمع وجهات نظر إبداعية متشابكة ومتداخلة، تتضمن إبداعاً أدبياً، وفنوناً عديدة، وخصوصاً أنه يمكن للمسرح أن يستخدم كل الفنون الأخرى، والإخراج كفن ينسق بين كل هذه المعطيات مجتمعة، وبغض النظر عن دقائق تلك العملية الإبداعية وتفاصيلها، والتي تتعلق بأداء الممثل، وخبرته ثم اختياره واستفزازه لاكتشاف عوالم شخصيته، التي يجسدها، ثم الانتباه إلى الإيقاع المسرحي، والحلول الفنية، إلا أن هناك صعوبات عامة ترتبط بعملية الإخراج المسرحي، حيث تعتبر مسؤولية فنية لها خصوصيتها، حول تلك الصعوبات بشكل عام تحدث أكثر من مخرج فقال بداية، المخرج زكي كورد يلو: يختار المخرج دائما نصاً مسرحياً يلبي طموحاته ويناسب أفكاره التي يريد قولها، وقد يكون لديه هم وهاجس ما يريد طرحه، ومن المحتمل أن يجد النص الذي يتقاطع مع طموحاته، فيشتغل عليه ويفكر بالشخصيات والممثلين ويهمني إن كان هناك مشكلات في النص المسرحي، وقد يحتاج إلى الدراماتوغ في بعض الأحيان، بسبب عدم وضوح الأفكار، فلا بد من الاعتماد عليه والتعاون معه، رغم أن النص العالمي لا يحتاجه في كثير من الأحيان، بعدها يختار المخرج الممثل، ويلتقي بمهندس الديكور والإضاءة، ويتفقون على تفاصيل كلية وجزئية ودقيقة، وذلك كله وفق الأسلوبية، التي يتبعها المخرج وقد تكون حديثة أو كلاسيكية أو واقعية، ويجب أن يتم ذلك كله بالاتفاق مع الممثلين وذلك كله وفق خيار المخرج كما طبيعة النص المسرحي، إذ تفرض طبيعة النص الأسلوبية المطلوبة، إلا إذا كان هناك نوع من الإبداع الخاص الذي يحمله المخرج للنص، وأكثر المشاكل التي تواجه الإخراج أنه ليس لدينا مسارح كثيرة، للتدرب أو لاستيعاب إنتاجات وإبداعات جديدة، فهناك مسرحيون فقط، ونحن بحاجة ماسة للمسارح، كما أن الممثلين وخاصة الشباب الجدد يسعون إلى التلفزيون إضافة إلى الصعوبات الإنتاجية, التي تتعلق بطبيعة العرض، كما أننا بحاجة إلى فرق مسرحية تنتج مسرحاً بشكل دائم لتنشيط المسرح والنهوض به بشكل عام، كي ينعكس ذلك على عمليات إبداعه إن كان النص المسرحي أو التمثيل أو الإخراج، دون أن ننسى أهمية قيام المهرجانات الدولية والمحلية لتبادل الخبرات والثقافات وفتح المجال للمنافسة، ولابد من الذكر أن هذه الصعوبات العامة، تنعكس على مجمل العملية المسرحية وكافة مكوناتها. أما المخرج سهيل العقلة فقال: قد يكون هنالك صعوبات إنتاجية تقف في أحيان كثيرة حائلاً دون إنتاج العمل بالشكل المطلوب، ويمكنني التحدث هنا من تجربتي، إن ذات المشكلة جعلتني أتعمق أكثر بالحلول الإبداعية والإخراجية، لكل مشهد على حدة، مثل ما حصل في/ نور العيون/ وأعتقد لو أعطوني ملايين الليرات، لما نجحت مثل ما نجح العمل بديكوراته البسيطة التي تحولت إلى حالة إبداعية اعترف بها اغلب النقاد، والسبب كانت فكرة الديكور، حيث امتلك عدة استخدامات في نفس العرض، كما شغل عدة أمكنة وعدة أزمنة، تناسبت مع الفضاء المسرحي ونصه، وهذه الحالة يمكن أن تكون سلاحاً ذا حدين، هذه مسألة تتعلق مباشرة بالجانب الإبداعي والأكاديمي عند الفنان، وأحببت أن استثمر الجانب الإيجابي لهذه الحالة، ومن ناحية ثانية لا بد من القول: هناك صعوبات إخراجية تتعلق بالممثل وأجواء العمل بشكل عام، حيث يفترض أن يكون للمخرج رؤيته ومشروعه، الذي يترجمه عبر العمل، فيأتي ممثل مشهور يرفض إلا أن يعامل كنجم، يتدخل في جوانب بعيدة عن مهامه، حيث أرى خللاً واضحاً في سير العملية المسرحية هنا، فمن الضرورة بمكان الاستفادة من خبرته كممثل نجم، لكن يبقى المخرج على الدوام هو كابتن السفينة، واعتقد أن هذه الحالة هي الحالة المثلى، وليست مجرد رأي، فمن الضروري بمكان تواجد حوار تشاركي، بخصوص هوية الشخصية وذاتيتها، لا أن يتدخل ذاك النجم في كل شاردة وواردة،
وإن أردنا البحث في مشاكل سير العملية المسرحية بشكل عام، والإخراج بشكل خاص، فلا بد من البحث في معطيات مادية من جهة وإبداعية من جهة، إن أردنا الاهتمام بالعروض الجادة، فلابد من تأمين المسرح للتدريب، وتأمين العائد المادي للقائمين على العمل المسرحي، وتقديم المكافآت المجزية، ولا بد من الذكر في هذا السياق فرقة مسرح العمال، حيث تحصل على كافة تلك المعطيات دون مبالغة، وتلقى الرعاية المادية والمعنوية والإبداعية التي تحتاجها طبعاً. وإن كان هناك صعوبات ترتبط بالعملية الفنية ككل أيضاً، هناك غياب الاهتمام الإعلامي نسبياً، وغياب الجانب النقدي الذي يرفد ويغني العملية المسرحية، أما صعوبة النص المسرحي فهذه قضية أخرى، حيث من الضرورة بمكان أن نعتمد على كتاب مسرحيين سوريين لأنهم على تماس مع الحقيقة ومع الواقع، ويشعر الكاتب السوري بالوجع العام، كما أنه قادر على طرح الهموم المحلية ومشاكلها، وبالتالي يخدم المجتمع السوري بشكل أفضل من النصوص المسرحية العالمية. فعلينا العمل على النص المحلي والتركيز في اتجاهات عديدة للنهوض به، لأنه يخدم المسرح والعملية الإخراجية، وأزمة النص المسرحي صعوبة لا يستهان بها، ولها تأثير هام على كل تفاصيل العملية المسرحية.
آنا عزيز الخضر
بيـــن مقبــــــــل ومدبـــــر..
النـــص المســـــــرحي المحلـــي إلــى أيـــن؟
باستغرابٍ شديد.... نبحث عن أسباب غياب النصوص المسرحية المحلية، وعن هبوط مخططها البياني إلى مايقارب الصفر في هذه المرحلة، بعد أن كانت في فترة السبعينيات والثمانينيات تتلمس القمة، ليس بكميتها فحسب بل بنوعيتها، وعناصرها المتآلفة، في صوغ نسيجها الدرامي المتماسك... قدمت كل ما نسعد بتقديمه إلينا، ومايرتقي بعقولنا ولايستخف بها... فمن نبض حياتنا خرجت، دون أن يحمل محكاها العبثية في الطرح ولا الهزلية المبتذلة، لذلك لاقت طريقها مباشرةً إلى خشبة المسرح ومنه إلى قلوب الجمهور....
أما اليوم فأين هو ذلك النص؟؟؟
يرى الدكتور «تامر العربيد» وهو أحد المخرجين المعروفين بميله للنص المسرحي المحلي، أن فترة السبعينيات والثمانينيات خلقت حالة مسرحية مترسخة، صنعتها نصوص عظماء، أمثال سعد الله ونوس، وعبد السلام العجيلي، وفرحان بلبل ومصطفى الحلاج، ووليد إخلاصي وغيرهم....أما نصوص مسرح هذا الزمان، فقد انحصرت بعدد قليل جداً من الكتاب السوريين المعروفين، دون أن نتجاهل وجود طاقات وإمكانات بارزة مازالت تشق طريقها....وكذلك لاننكر وجود نصوص مسرحية مهمة معاصرة أو تاريخية.
مزمار الحي لا يطرب
وعن سبب هذا التراجع يقول «تراجُع النص المسرحي المحلي تُسأل عنه وزارة الثقافة، وبالأخص مديرية المسارح والموسيقا....عن مدى إتاحة المجال لمثل هذه النصوص لإبصار النور..وحجم التسهيلات والتشجيع الذي تقدمه...وكذلك اتحاد كتاب العرب الذي كان يقوم سابقاً بنشر هذه النصوص....عدا عن ذلك كله إن كبار المسرحيين كان لهم اليد الطولى في ابتعاد الكتاب السوريين عن كتابة النصوص المسرحية، وذلك ببحثهم ولجوئهم إلى النص المسرحي الغربي، والذي قد يلبي طموحهم فقط لأنه غربي.... وأنا كمخرج لعدد من المسرحيات ذات نصوص سورية «كبياع الفرجة» و«بواب وشبابيك» و«سمرمر» اتهمت من قبل نقاد وبسبب «سورية نصوصي» أن «مسرحي شعبي»....وطبعاً قصدوا بهذا التقليل من أهميته، لكنهم لم يعرفوا أنهم يرفعون من قيمته أكثر...فكلما انبثق النص المسرحي من واقع الجمهور وبيئته كلما اقترب العمل من النجاح أكثر»
المحلي....لم يُكتب له الاستمرارية
ويرى الكاتب المسرحي «جوان جان» أن الإقبال على النص المسرحي المحلي متفاوت بين مخرج وآخر، حسب طبيعة المخرج، وذائقته الفنية والفكرية، وهواه المسرحي الذي ينبني غالبا ًعلى هوية الدراسة الأكاديمية، فمثلاً من يدرس في روسيا يتجه إلى غير مايتجه له الدارس في أوروبا أوفي مصر.
ولاينكر «جوان» أن الميل للنص المسرحي الغربي أكثر بكثير وخاصة «الأوروبي» ويعزي ذلك لعراقة الأخير، والذي بدء منذ حوالي ألفين وخمسمئة سنة، بالمقابل فإن المسرح العربي مازال طفلاً أمامه.
وعن قلة الكتاب السوريين يقول «الكثير من الكتّاب اتجهوا إلى التلفزيون بحثاً عن الكسب السريع، ومنهم من اتجه إلى الأعمال الأدبية، بعد تجربة قصيرة جداً في المسرح...وباختصار النص المسرحي المحلي لم يُكتب له الاستمرارية،لأسباب أبرزها اقتصادية... لكن الأمل كبير بعودته -كمّاً ونوعاً- كما كان في سابق عهده.
المحلي.. لايلبي الإخراج المسرحي الحديث
ونسمع رأياً مختلفاً للمخرج «مأمون الخطيب»، والذي تتحدث عنه أعماله المسرحية المترجمة، حيث أرجع انجذابه للنص الغربي من كون النصوص العربية قليلة، وإن وجدت فهي لا تلبي متطلبات الإخراج المسرحي الحديث...وهي بعيدة في بنائها وتركيبها، وكذلك موضوعاتها عما يريد أن يقوله إلى الجمهور في الوقت الراهن، ويقول» نستطيع من خلال التركيبة النصية والفكرية للنصوص الغربية استنباط حلول اخراجية أكثر رحابة للمخرج»
وعن تقييمه للنص المسرحي السوري، يشير إلى أن كتّاب المسرح السوري على قلتهم بعيدين جداً عن مجتمعاتهم....أو هم شباب في بداية الطريق، وتنقصهم الخبرة المسرحية.
ويعلق على اقتباس من كتاب «مسرح بلا كواليس»
«إن التجارب المتلاحقة تثبت أن أكثرالعروض المسرحية استقطاباً للجمهور، هي تلك التي كتبها كتابنا المحليون، الذين يعرفون طبيعة الجمهور ومتطلباته الفكرية والفنية، بينما النصوص المترجمة بقيت غريبة».
حيث يقول «من الممكن أن تُقدم النصوص المترجمة بشكل جاف، دون أن تقرب إلى الجمهور، لذلك تبقى غريبة...لكن هناك نصوص جرت عليها عملية الإعداد من جديد «دراماتورجيا» لكي تقترب من طبيعة الجمهور...ولاقت نجاحاً.....وبكل الأحوال يبقى ذلك حل للاستعاضة عن ندرة النصوص المسرحية المحلية».
لم ير «مأمون» في اتجاه المخرجين للنص الغربي سبباً لقلة الكتاب المسرحيين المحليين، ويقول « لو وجدت النصوص المحلية الملائمة لما اتجهنا للنصوص الغربية...وهل يوجد نص عربي يطرح مشكلة فساد أومشكلة امرأة معاصرة يكون بقيمة أي نص غربي؟؟.....نحن نتوق لكتاب مسرحيين يستطيعون إغراءنا بنص ذي قيمة عالية، لنتسابق على طرحه على خشبة المسرح...ربما هي دعوة للكتاب المسرحيين السوريين للتواجد بشكل أكبر.....»
ويبقى السؤال الأهم...ما السبيل إلى إحياء النص المسرحي المحلي من جديد؟؟؟...جوابه في عهدة كل معني بأمر المسرح وتطوره....
ضحى غازي حسن
نعـــم ســـــــــقط القنـــــاع..
حين أنظر إلى ما يجري على مسرح الواقع على مدى العقود الأخيرة وما رافق ذلك من اعتلال أخلاقي- ثقافي أشعر إلى أي مدى تتأرجح قناعاتي وما غرس في حتى بت أشعر أنها تناثرت كالغبار وبدأت أفقد بعضاً مني..
كم حزنّا في وعينا ووجداننا على فلسطين، كم امتلأت صفحات كتابنا المدرسي بوجع الإنسان الفلسطيني بدم الإنسان الفلسطيني عبر المجازر الكثيرة من دير ياسين وغزة..الخ وصور المخيمات يتزاحم فيها الفلسطيني يبحث عن مأوى.. وعن المقاومة والأمل العربي بتحرير فلسطين ولكني أشعر الآن أن كل هذه الأحلام التي عشناها باتت مخلخلة وكأن الوجود المعطى بات شاحباً...
تذكرت ما خطه محمود درويش إلى سميح القاسم في رسائل جميلة: (الوطن هو الذي صنعنا وهو أبونا وأمنا، وجدنا أنفسنا نبضاً في دمه ولحمه ونخاعاً في عظمه وهو لهذا لنا ونحن له).
وتساءلت وبعيداً عن حقول التنظير أين هي فلسطين الآن وقد أصبح الواقع بلا أقنعة وأين القدس والحلم العربي باسترجاعها.. أين فلسطين اليوم بين فتح وحماس وأين هم قادة فلسطين حملة الراية.
قلبت الرسالة الأولى وسأقتطع بعضاً من أجزائها:
الآن أشمر عن عواطفي وأبدأ لا أعرف من أين أبدأ عملية النظر إلى مأساتنا المشتركة ولكني سأبدأ لأنضبط ولأورطك في انضباط صارم وأصل الحكاية - كما أتذكر- هو رغبتنا الواضحة في أن نترك حولنا وبعدنا وفينا أثراً مشتركاً وشهادة على تجربة جيل تألب على نور الأمل وعلى نار الحسرة وأن تقدم اعتذاراً مدوياً عن انقطاع أصاب ساعة في عمرنا الواحد.
وأقول لك: أين أولئك المحتلون الواقفون بيني وبينك، لا تستحقون أي مقارنة مع أي شر عربي.. عبيد الخرافات، طفيليات العجز المحيط، سلالة الانتقام، لا حق لهم في التصفيق لحماقة الآخرين التي تواصل انتاجهم المؤقت وماذا لو انتصروا في غياب...؟ هل يضمن فولاذهم القوي النجاح الدائم لفكرة ميتة؟ وهل تسوق الأداة الحق من الزائل..؟
لهذا السبب أحارب الالتباس الخبيث ولا أمد حنيني على جسر فولاذي فكن أنت جسري الصلب وقدم لجدل الداخل والخارج عافية التواصل، عوضني عن غياب لأفرح: مادمت هناك أنا هناك، وافتح النافذة المطلة على العكس ما كان يطل على الخارج فينا يستدير ليطل على الداخل، هي الدائرة.. هي الدائرة ويلحون علي ليقتلوني: هل أنت نادم على سفر..؟ لم يذهب بشيء عبثاً لم يذهب وقد حاولنا أن نضخ الوعد بما أوتينا من لغة وحجارة ودم ومازلنا نحاول البقاء والسير. لن ينكسر الصوت مادام شعبي حياً.. حياً.. حياً، ومادام للأرض يوم هو هوية العمر...
وفي رسالة أخرى يشكو درويش غربته فيقول: ست عشرة سنة كافية لأن تتحول الحشرات الصغيرة على جراح أيوب إلى طائرات نفاثة، ست عشرة سنة تكفي لأصرخ.. «بدي لا أعود..» كافية لأتلاشى في الأغنية حتى النصر أو القبر ولكن أين قبري يا صديقي؟ أين قبري يا أخي؟...
انقض على أحد المحاربين وهو كاتب فنلندي شهير بهذا السؤال المدهش هل تعرف كيبوتس (يسعور) أجبت نعم أعرف مكانه لأني أعرف أنقاضي ولكن لماذا تحرك في هذا العطش؟ قال: أنا من هناك، وأعني عشت هناك عشر سنين ومن حقي أن أعود إلى هناك في أي وقت أشاء. قلت في أي وقت تشاء.. لماذا؟ قال: لأني يهودي. قلت له وقد تحول إلى مرآة يا سيد دانيال كاتس يبدو لي أنك تعرف أنني ولدت هناك تحت غرفة نومك، وتعرف أن لا حق لي في العودة إلى مكان ولادتي بينما أنت فنلندي صاحب العشرين ألف بحيرة تملك الحق في العودة إلى بلادي وقت تشاء.
وفي رسالة أخرى: يا سميح لقد تعلمت الأمة نعمة الصمت الحكيم وتعلم الاسرائيليون بعض التقاليد العربية وفي مقدمتها ردة الرجل إلى بيت العروس شمعون بيريس في القصر الملكي المغربي.
أما جامعة الدول العربية فإنها مازالت مشغولة في البحث عن ميزانية لتشييد مبناها الجديد اللائق بوضعها الجديد.
دمنا الذي اجتاحوه يوماً لتلوين الإعلام ولتحسين سعر النفط وحين تدهورت أسعار البترول انتهت الحاجة إلى دمنا الذي صار دماً فائضاً عن الحاجة لا لزوم له ولا لزوم لما لا يلزم من شعب زائد صار التخلص من بشاعة منظرنا ومن جهلنا ومن خمولنا شرطاً للحصول على الديون الأميركية.
وفي رسالة أخرى يقول درويش: هل تذكر العهد الذي كانت فيه السياسة العربية تستنجد بأميركا لتحميها من طيش «اسرائيل».. لقد امتد بنا الأجل لنرى كيف تستنجد السياسة العربية «باسرائيل» لتحميها من العدوان الأميركي ومن الافلاس انظر، ماذا كان في وسعك بعد أن تنظر إلى فردوس الصمت الممتد من طنجة إلى عدن واضحون كالفضيحة متساوون كالرمال حكماء كالعبيد وبلا قناع في مسرح العبث المفتوح بلا قناع في مسرح العبث المفتوح بل قناع.. كم من قناع سوف يسقط؟ كم مرة لنقول: سقط القناع لكي نرى بشكل أوضح.. لأقترح جواباً إني أطل على صحراء..
محمود درويش أيها الشاعر الكبير حقاً لو كنت حياً لشهدت سقوط الأقنعة ولكن هذه المرة دون لملمة عريها ودون ذرة خجل.
وللأسف لن نستطيع أن نقول لك اضحك بل ابك علينا نحن العرب نحن أمة العطالة الذهنية لا نسمع ولا نرى ولا نجيد إلا الانسحاق.
هنادة الحصري
hunada@housri.com
غــاب الاختصــاص..وتعــــــــــددت الوظائـــــــــــف!
للحديث عن أزمة المسرح في سورية لابد من الحديث عن مسألة أزمة المسرح في العالم. إذ إن أهم الأسباب التي من الممكن أن تكون وراء أزمة المسرح العالمي بشكل عام والسوري بشكل خاص يرجعها المهتمون والباحثون بحال المسرح إلى عدة نقاط من أهمها النصوص المسرحية التي تطفو هذه الأيام على سطح العمل المسرحي إذ افتقد المسرح إلى نصوص إبداعية كتلك التي كانت تقدم أيام شكسبير وراسين على سبيل المثال.ولا يقف الأمر عند هذا بل يتعداه إلى ما قدمته الحضار ة لنا من وسائل بصرية وسمعية متعددة يمكنها أن تعطينا ماكان المسرح يقدمه لنا. لقد باتت الصورة تنافس المسرح بعد ان فضّل المتفرج الصورة والوسائل السمعية البصرية ووسائل الاتصال الأخرى كونها أقل كلفة من المسرحية إضافة إلى أنها تأتيه دون إجهاد بدني فمن الممكن متابعة التلفاز ونحن مستلقين على أريكة نحتسي ماطاب من مشروب أو تناول مالذّ لنا من طعام بالإضافة إلى أنّ هذه الوسائل تساعدنا في التمادي بكسلنا الفكري لأننا نشاهد تلك الوسائل ونتعامل معها بكل راحة نفسية ودون استفزاز أو إقلاق!!
ولم يقف الأمر عند ماذكرت سابقاً إذ إن ارتفاع تكاليف إنجاز العروض المسرحية بحكم الوسائل التقنية المستعملة السريعة العطب (إنارة، ديكور، أثاث) وارتفاع أسعار أجور العاملين في المسرح وخاصة من النجوم الذين يطالبون بالمزيد ما أربك أصحاب الفرق المسرحية وأوقعهم في مزيد من الارتباط بالدعم الذي يتلقونه من الدولة ومما قلل من هامش الحرية والاستقلال للمبدعين الذين يرون في تدخل السلطة السياسية حدّاً لحرياتهم الإبداعية فنراهم متخندقين مهانين لاهثين وعاجزين عن تحديد اتجاههم الحقيقي. إن أزمة المسرح على مستوى العالم واضحة للعيان. وبما أنه (المسرح) أصبح بضاعة في السوق فلا بد من أن تتأثر أيضاً حسب العرض والطلب أي بمعنى آخر لابد من أن تدخل اقتصاد السوق في ظل تخلي الدول والحكومات عن الدعم الذي تقدمه للفنون والثقافة في ظل العولمة وانفتاح اقتصاديات العالم على المنافسة ما جعل الدول تخفف من الأعباء التي ترهقها وتبتلع أموالاً طائلة وخاصة بعد أن باتت الدول في غنى عن المسرح لبث إيديولوجياتها إذ سيطرت وسائل اتصال أخرى تكفلت بهذه المهمة.
لقد انتهى عصر بطولات المسرح بالنسبة إلى الدولة وانكمش على نفسه مهزوماً مدحوراً أمام سطوة الصورة واقتصر إجمالاً على بعض الأنواع المسرحية التي يمكن أن نعدّها مخبرية حيناً وتجارية في أحسن الأحوال هذا إن لم نقل عنها عروض تهريجية يدخلها المواطن للترفيه عن نفسه وتكون في بعض الأحيان مرتبطة بنجم معين من النجوم السينمائيين المعروفين حتى يقبل عليها المشاهدون.
إذا كان المسرح العالمي الغربي يعيش أزمته وهو المسرح الذي امتلك الشرعية التاريخية وتجذّر في الثقافات باعتباره فناً جامعاً للفنون أو باعتباره الفن النبيل كما يحلو للبعض تسميته فما بالك بالمسرح العربي بشكل عام الذي تأثر بشكل كبير بالمسرح الغربي من حيث هندسة العرض والكتابة النصيّة والأداء والإخراج وحتى التلقي؟!..إذا كان الأصل مأزوماً ومريضاً فما بالك بالفرع وهو الأكثر حساسية لشتى أنواع الفيروسات والأمراض؟!
لاشك أن رجال المسرح يشكلون سبباً أساسياً من أسباب هذه الأزمة الخانقة للإبداع المسرحي في سورية وذلك لعدة عوامل يمكن أن نجملها في تواكل المسرحيين على دعم الدولة فالكل لا يبحث إلاّ عن المنح والعطاءات التي يمكن أن تجود بها وزارة الثقافة (على فقرها) فلا يبذل مجهوداً كبيراً لملامسة شريحة واسعة من المجتمع وجلبها إلى المسرح لتتعلم وتتلذذ بهذا النتاج الفني المتميز الحامل لقيم الحب والخير والجمال والتسامح والنقاش والجدال واحترام الرأي المخالف. لم يبحث المسرحيون في معظمهم عن الجمهور وكأنهم اقتنعوا بما يقدمون واقتنعوا بما تقدمه الدولة من دعم. أضف إلى هذا تهميش الكاتب المسرحي إذ إن معظم مسرحياتنا التي تعرض هذه الأيام هي من تأليف جماعي إذ تقوم مجموعة من الأشخاص بارتجال بعض الحوارات التي يجمع بينها القليل من القضايا الفكرية أو الإنسانية المهمة.
سبب آخر لابد من الحديث عنه هو غياب الاختصاص وتعدد الوظائف وهذا هو العامل المهم في أزمة المسرح في سورية فالممثل يكتب ويُخرِج ويصمم ويمثل وينجز الديكور تماماً كالمدرّس مثلاً الذي يعمل في محل للخضار ويعمل أيضاً على سيارة أجرة فضلاً عن زياراته المتكررة للبيوت لإعطاء دروس خصوصية !!.وهنا يحضرني ماقاله غوته: «إذا حصرتم أنفسكم في اختصاصكم أصبحتم سجناء هذا الاختصاص وإذا خرجتم عنه تصبحون هواة«.
أعتقد أنه بسبب اختفاء الاختصاص من المسرح لم تتطور مهن عديدة كان من المفروض أن تتحقق وتتطوّر وتصبح قادرة على الإبداع (الملابس، الديكور، المناظر..) ولكن مع الأسف غابت هذه الاختصاصات عن المسرح في بلادنا فعمّقت من أزمته الخانقة وأخرجته من الدائرة الأولى لاهتمام المشاهد فأصبح هذا الأخير يتذرّع بأسباب مختلفة ليبرر جفاءه للمسرح وهروبه من عروضه على قلتها !!
رمضان إبراهيم