تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بيرم التونسي والمســــــــرح الغنائــــــي

فضاءات ثقافية
الثلاثاء 27-3-2012
(الأولة مصر قالوا تونسي ونفوني‏..‏ جزاة الخير واحساني, والتانية تونس وفيها الأهل جحدوني وحتى الغير ماصافاني, والتالتة باريس وفي باريس جهلوني وأنا موليير في زماني).

لم يبالغ بيرم التونسي, في تصورنا, أدنى مبالغة عندما شبّه نفسه بعملاق المسرح الفرنسي موليير.. بل إنه بالفعل موليير المسرح العربي الذي لم يأخذ حقه من التقدير.. وعلى الرغم من وجود مسرح يحمل اسم بيرم التونسي في الإسكندرية فإن أعمال بيرم المسرحية مازالت مهملة, وحتى مسرحه في الشاطبي ليس متخصصاً في تقديم المسرح الاستعراضي وفن الأوبريت, بل إنه لا يعمل إلا في الصيف ويتم تجهيزه بالإضاءة والصوت اللازمين عند الحاجة ثم يعاد إغلاقه باقي أشهر السنة, وكأن جمهور الإسكندرية ليس له حق الاستمتاع بفن المسرح ورسالته.‏

عاش بيرم التونسي حياة شاقة وتعيسة وتعرض للنفي ما يقرب من عشرين عاماً, لكن ذلك لم يمنعه من تأليف وإعداد عشرين أوبريتاً لا تزال من أفضل ما أنتجه المسرح العربي على مستوى فن الأوبريت.‏

ومن أعماله ليلة من ألف ليلة.. وعقيلة المقتبسة عن ميديا ليوربيدس, كما تؤكد الدكتورة فاطمة موسى في موسوعة المسرح المصري.. وعزيزة ويونس المأخوذة عن السيرة الهلالية والتي لمعت منها أغنية (يا صلاة الزين على عزيزة) من تلحين الموسيقار زكريا أحمد ومسرحية طباخة بريمو ومايسة وبترفلاي وسفينة الغجر ثم الشاطر حسن وبنت السلطان اللتان قدمهما مسرح القاهرة للعرائس وكانت الشاطر حسن هي أول مسرحية يفتتح بها مسرح العرائس قبل عامين من انتاج الليلة الكبيرة للشاعر صلاح جاهين أحد أهم وأبرز تلاميذ بيرم التونسي.‏

ونعود إلى التراث المسرحي لبيرم لنذكر عملين من عيون المسرح الغنائي العربي الأول هو شهرزاد أو شهو زاد كما كتبها بيرم ساخراً من الملكة التي تضعف أمام شهواتها.. كان بيرم في أوبريت شهرزاد ثائراً محرضاً على الثورة, وساخراً أشد السخرية من الحكام الفاسدين وأتباعهم من المنافقين والإمّعات. أما الأوبريت الثاني فهو يوم القيامة, وقد كتب أغانيه بينما كان النص المسرحي لمؤلف آخر,ـ وكان هذا أمراً عادياً في عصر بيرم حيث يتلاحم المبدعون من أجل إنجاح عمل معين دون اعتبارات المنافسة أو الغيرة الفنيةـ وأهمية أوبريت يوم القيامة أنه يقدم فكرة غير مسبوقة وغير متشابهة مع أي نص أجنبي, وبمعالجة شديدة الطرافة وذات إيقاع سريع يسبق زمنه حيث أنتج الأوبريت في عام 1943, وهو يحكي عن قيام بعض رجال السياسة والتجارة بترويج شائعة مؤداها اقتراب يوم القيامة وحلول الساعة بهدف شغل الناس عن غلاء الأسعار, بفرض ضرائب جديدة كان هدف أصحاب الشائعة إلهاء الناس مؤقتا عن مشكلاتهم اليومية, لكن الشائعة تنتشر بقوة ويصدقها الجميع, فيسرع بعض الفاسدين خلقياً إلى إعلان التوبة والزهد في ملذات الحياة, بينما يقرر آخرون من أدعياء الوقار والفضيلة التمتع بالحياة في آخر لحظاتها ويندم الأب الطامع في تزويج ابنته من أحد الأثرياء ويقرر أن يترك لها الحرية لتختار بقلبها وإرادتها من يسعدها.. وهكذا تتغير حياة كل أبطال الأوبريت بشكل كوميدي محبوك, وتشكل أشعار بيرم أجزاء أصيلة من النص بحيث يضيع المعنى والتسلسل إذا حذفت بعض الأشعار, ولعل أغلبنا يعرف أغنية (يا حلاوة الدنيا يا حلاوة) التي كانت جزءاً من أغاني ذلك الأوبريت ونجحت عند تقديمها خارج العمل الدرامي, في أوائل شهر آذار ولد بيرم التونسي الذي عاش تعيساً مطارداً لكنه لم يترك خلفه إلا البسمة والجمال والأعمال الفنية الراقية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية