وقامت قوات الاحتلال الأميركية بغزو العراق منذ أكثر من ثماني سنوات وعملت على تفتيت ذلك البلد وسرق وسلب تاريخه العريق حتى تتمكن من إضعافه والسيطرة عليه وعلى قراره وعلى ثرواته.
وقد يكون رئيس المجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي السابق آلان عريينسبان محقاً عندما ذكر بأن الحرب على العراق تتعلق بالنفط بصفة رئيسية مؤكداً لصحيفة ذي غاديان البريطانية بأن غزو العراق كان يهدف إلى حماية احتياطي النفط في الشرق الأوسط وأن قضية أسلحة الدمار الشامل كانت ذريعة واهية ولكن هناك مجموعة من الأدلة والمؤشرات ترجح بأن الدافع الأبرز والأهم لاحتلال العراق كان بالدرجة الأولى حماية الكيان الصهيوني وتحقيق طموحاته .
واستناداً إلى مواقف وأفكار دبلوماسيين ومحللين سياسيين أميركيين وإسرائيليين أكد الكاتب الأميركي ستيفن سينغوسكي في وثيقة تحليلية أن المحرك الرئيسي للحرب الأميركية على العراق هو حماية «إسرائيل».
وينقل سينغوسكي عن المؤرخ والديبلوماسي الأميركي بول شرودر قوله: إن الدافع الحقيقي للسياسة الأميركية التي قادت إلى غزو العراق هو أمن «إسرائيل».
كما نشرت جريدة «الوطن» السعودية في تقرير لها عن دور الكيان الصهيوني في أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية ووفق مركز جافي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب فإن: تل أبيب وشيني وبلير اخترعوا صورة استخبارية كاذبة عن أسلحة الدمار العراقية».
لا تخرج تلك التصريحات وتلك الأدلة عن نطاق تأكيد خطة الصهاينة منذ مدة طويلة تجزئة الوطن العربي إلى كيانات صغيرة طائفية ومذهبية وعرقية في سبيل أن تبقى «إسرائيل» هي المسيطرة الوحيدة على المنطقة والذي يعتبر العراق بلداً له وزنه وثقله داخلها.
وما يشهده اليوم العراق من تفجيرات وسيارات مفخخة تطول العراقيين الأبرياء أو المساجد والتي يراد منها خلق حرب أهلية داخلها تقف وراءها المخابرات الصهيونية وقوات الاحتلال الأميركي. حيث إنه بتاريخ 14/2/1982 قدمت خطة صهيونية لتفتيت العراق والمنطقة العربية وتتضمن في طياتها أن العراق لا يختلف عن جيرانه من الدول العربية من حيث تركيبته الداخلية وبأن بذور التمزق الداخلي والحرب الأهلية في العراق يمكن زرعها والاستفادة منها وبأن العراق هو دولة غنية بالنفط وهو مرشح لتحقيق أهداف «إسرائيل» ويعتبر تقسيمه مساوياً لأهمية تقسيم سورية حيث إن تقسيم العراق على أساس عنصري أمر واقعي وممكن، كما إن تلك الخطة المطروحة منذ أكثر من 29 عاماً تتضمن إقامة ثلاث دويلات في العراق تكون عواصمها البصرة - بغداد - الموصل.
ومنذ عام 1983 اقترح المستشرق الصهيوني برنارد لويس المعروف بمواقفه المعادية للعرب تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات وبعد غزو العراق أشار الكاتب نفسه إلى أن احتلال العراق فرصة لتصحيح هذا الخطأ الذي ارتكبه البريطانيون وإعادة تفكيك العراق إلى عدة دويلات بحسب الطبيعة السكانية.
وفي عام 1996 قدم المحافظون الجدد والذين معظمهم يهود يحملون الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية مشروعاً لضرب الوحدة الوطنية في العراق.
وبعد احتلال العراق قال الصهيوني في غي باخور إنه في حال لم يسفر الاحتلال الأميركي للعراق عن تقسيم هذا البلد فإنه يمكن اعتبار الحرب الأميركية عملية فاشلة من أساسها ولم تحقق أهدافها.
واعتبر باخور في ندوة إذاعية بثتها (الإسرائيلية) أنه يجب القضاء على الوحدة الجغراقية للعراق وتسهيل إقامة دويلات في هذا البلد مشدداً على ضرورة ألا تقوم مقاومة داخله تهدد مصالح أميركا و«إسرائيل».
وإذا تمعنا فيما يجري في العراق منذ عام 2003 فإننا نجد أن العراق في ظل الاحتلال والتكوينات التي أنشأها هذا الاحتلال على الساحة العراقية تؤدي إلى التقسيمات الطائفية وترسخ مؤسساتها بأبشع صوره ما أعاد العراق إلى حالة مزرية بعد أن كان قد تجاوزها تماماً بظهور الدولة الحديثة التي طرحت فكرة الوطن والأمة ونتيجة تلك السياسات الأميركية التي خططت لها يد الصهيونية الغاصبة يدفع اليوم العراق خسائر مادية وبشرية وتتحدث التقارير والكتابات الصهيونية والأميركية بما يناسب سياساتها، فهي تقدر الأعداد ولا تسجلها وترصدها وتضخم وتنشر بخطوط كبيرة ما جاءت به تصريحات القادة العسكريين الأميركان والبنتاغون عن أعداد قتلاهم وخسائرهم واهتمامهم بها وبالرغبة والسياسة التي يعتمدونها والأساليب التي يرغبون فيها ويرونها مناسبة لمخططاتهم الشريرة مصحوبة بعدم المبالاة والاهمال المتعمد إزاء ما جرى للشعب العراقي وضحاياه وخسائره ولعل أكثر التقديرات تقول إن الخسائر البشرية زادت على المليوني مدني عراقي خلال سنوات الاحتلال وما خلفه هذا العدد من أيتام وثكالى ويضاف إليه عدد مواز في الهجرة والنزوح واللجوء والتشرد والاعتقال والتعذيب وما يرتبط بهذه الحالات من عواقب نفسيه وأخلاقية وإنسانية عامة كما أنتج الاحتلال بعد تدمير الدولة ومؤسساتها الإنتاجية بطالة اجتماعية واقتصادية كبيرة جداً شملت أعداداً هائلة من حجم الأيدي العاملة ومجموع السكان بلغت نسباً مكلفة للاقتصاد الوطني الذي تعرض هو الآخر لسياسات الاحتلال في الهيمنة والتدمير والاستحواذ وتحطيم البنى التحتية والخدمية العامة وتتنوع الأضرار التي ألحقها الاحتلال بالشعب العراقي وتتعدد أوجهها وهي كلها خطيرة ومكلفة وغالية الثمن ومن بينها سياسات التطهير الحضاري وتدمير المؤسسات الثقافية والعلمية وقتل الكوادر ورموز الحضارة والثقافة في العراق وهذا ما حصل بحق المتحف العراقي ومواقع الآثار العراقية في مدنه التاريخية في أور وبابل ونينوى وغيرها من الأماكن الحضارية والمؤسسات التعليمية والثقافية حيث شكلت هذه الممارسات مكوناً آخر من سياسات الاحتلال الصهيوأميركي للعراق وتاريخه ودوره في العالم العربي.