ومن الغرب ممثلة في الغزوات والحروب الصليبية والاحتلال المباشر من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين، وجاء زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي «فلسطين» ليمثل أبشع أنواع الاستعمار وأخطرها على وجود الأمة العربية ومستقبلها.
وحيث إن الاستثمار هو مجموعة العلاقات السياسية والاقتصادية والبشرية القائمة بين الدول المستعمرة والدول الصغيرة التي تهدف إلى تطور الدول الكبرى الرأسمالية وإغنائها بواسطة سرقة الدول المستعمرة الصغيرة واستغلالها لذلك نجد أن ميزات كل منطقة في العالم من حيث الموقع والجغرافيا والثروات هي التي تحدد اهتمام الدول الاستعمارية فيها.
وظهرت الأطماع الاستعمارية في الوطن العربي نتيجة لإدراك أوروبا أهمية المنطقة العربية الاقتصادية والاستراتيجية لها وضرورتها في التنافس الاستعماري.
فبدأت الدول الأوروبية وبخاصة انكلترا وفرنسا تعد الخطط للغزو والسيطرة وأصبحت البلاد العربية هدفاً يجب الوصول إليه بأي وسيلة، الأمر الذي عمق الصراع والتنافس بين دول أوروبا وأدى إلى ازدياد الضغوط الاستعمارية عاماً بعد عام على هذه البلاد.
ولم يأت مطلع القرن العشرين حتى غدت معظم الأقطار العربية تحت القبضة الاستعمارية حيث تعرض الوطن العربي للهجمة الاستعمارية الأوروبية الشرسة في الربع الأول من القرن التاسع عشر وسقطت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي سنة 1830 وقبل نهاية القرن ذاته كانت مصر في قبضة الانكليز وتونس في قبضة الفرنسيين وقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى سقط المغرب أيضاً في يد الفرنسيين وأصبح الجزء الإفريقي من الوطن العربي بكامله تحت سيطرة الاستعمار الأوروبي.
وفي ظل الصراع المستعمر خلال الحرب العالمية الأولى كان العرب يأملون من خلال ثورتهم على السلطنة العثمانية 1916 أن يفي الحلفاء بوعدهم لهم بالحرية والاستقلال بعد انتهاء الحرب إلا أن الوقائع أظهرت غير ذلك فكانت هناك مؤامرة كبيرة على الأمة العربية.
وتجلى التآمر الاستعماري على الوطن العربي في اتفاقية سايكس - بيكو البغيضة التي وقعها كل من مارك سايكس مندوب وزارة الخارجية البريطانية وجورج بيكو السكرتير الأول في السفارة الفرنسية في لندن وبحضور ومشاركة المندوب الروسي، وتم التوقيع عليها في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية 1916م وحصلت روسيا القيصرية بموجب هذه الاتفاقية على شرق الأناضول.
وتتضمن اتفاقية سايكس - بيكو إنشاء دولة عربية مستقلة تحت رئاسة زعيم عربي في منطقة (أ) وتضم مدن الموصل حلب، حماة، حمص ودمشق ومنطقة (ب) وتضم كركوك وشرقي الأردن والنقب والعقبة، وتعترف بريطانيا وفرنسا بهذه الدولة وتعاضدانها على أن يكون لفرنسا في منطقة (أ) ولبريطانيا في منطقة (ب) حق الأولوية في المشروعات وتقديم المستشارين والموظفين بناء على طلب الحكومة العربية.
وتنشأ إدارة دولية في فلسطين بالاتفاق مع روسيا وبقية الحلفاء وشريف مكة، وتنال بريطانيا ميناءي حيفا وعكا.
أما الساحل السوري من اسكندرونة شمالاً حتى صور جنوباً فيخضع لحكم فرنسا المباشر، وتخضع ولايتا بغداد والبصرة لحكم بريطانيا المباشر.
وتنشئ هاتان الدولتان (بريطانيا - فرنسا) كل منهما في منطقتهما ما ترغبان فيه من أشكال الحكم بالاتفاق مع الحكومة العربية.
وكانت هذه الاتفاقية تحطيماً لآمال العرب وطموحاتهم بإقامة الدولة العربية المستقلة، وجرت مصائب عليهم استمرت نتائجها إلى يومنا هذا.
أما الحلقة الثانية في سلسلة التآمر على الأمة العربية فكان (وعد بلفور) في 2 تشرين الثاني 1917 وجاء فيه: «إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين وسوف تبذل كل الجهود لبلوغ هذا الهدف».
كما يدخل مؤتمر سان ريمو 1920 في المخطط الاستعماري التآمري على الوطن العربي حيث قرر المجلس الأعلى للحلفاء في اجتماعهم بمدينة سان ريمو الايطالية تنظيم الانتداب في المشرق العربي وفقاً لاتفاقية سايكس - بيكو مع تعديل فلسطين تحت الانتداب البريطاني وهو ما يحقق الهدف الصهيوني البريطاني المشترك.
وعمل (الانتداب البريطاني) على تنفيذ سياسة استعمارية صهيونية في الأراضي الفلسطينية ففتحت أبواب فلسطين أمام هجرة يهودية كثيفة تنفيذاً للوعد البريطاني للصهاينة.
وأخذت فصول المؤامرة الاستعمارية ضد الوطن العربي ككل وفلسطين خصوصاً تتوالى.
فبريطانيا العظمى تسيطر على فلسطين وتسخر جميع ما تملكه من قدرات لتقوية الصهاينة القادمين من أنحاء العالم وتمكينهم من أرض عربية فلسطينية لا يربطهم بها أي رابط سوى الخرافات التي روج لها مؤسسو الحركة الصهيونية ومفكرو الدول الاستعمارية وبالفعل استطاعت بريطانيا بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية عام 1947 أن تستصدر قراراً من الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية.
كما أنها ساندت العصابات الارهابية الصهيونية ووفرت لها الظروف المناسبة لكي تسيطر على مواقع رئيسية في فلسطين العربية وذلك قبل انتهاء ما يسمى الانتداب في 14/5/1948 حيث إنها أي بريطانيا كانت تسلم المراكز والأماكن التي تخليها إلى هذه العصابات المحتلة إضافة إلى تزويدها بالسلاح وأدوات القتل.
وفي المرحلة الراهنة تعمل الولايات المتحدة الأميركية الدولة المهيمنة على الساحة الدولية على جعل «إسرائيل» الدولة الأقوى في المنطقة وذلك بعد عجزها عن تحقيق حلم «إسرائيل الكبرى» من خلال دعمها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ووقوفها إلى جانبها في المحافل الدولية إضافة إلى اتباعها سياسة التفتيت وإشاعة الفوضى في المنطقة من أجل إضعاف العرب وإشغالهم بقضاياهم الداخلية.