وكيف غادروا، ولماذا غادروا، والأهداف التي يقدمها سيناريو المغادرة لها ولغيرها من أعداء سورية.. والمضحك أكثر من أمرها دعوة الرئيس بشار الأسد للإصلاح أو الرحيل، من منطلق أن الشرق الأوسط كله بات في أمرتها، وأنها الوصية على الأنظمة والشعوب.
ليست أميركا وحدها رقيقة القلب والمشاعر وشديدة الحزن على سورية وشعبها ،فالغرب الذي يدور في فلك السياسة الأميركية، وجهات إقليمية وعربية يشاركون أميركا حزنها ومشاعرها على أعداد قليلة من السوريين، نزحت بقوة التهديد من قبل عصابات مدعومة أميركياً وغربياً وإقليمياً إلى لبنان وتركيا، أكثرهم من عائلات المتورطين في عمليات القتل والحرق والهدم والإجرام لاستثمارهم إعلامياً وإظهارهم بمظهر الفارين من بطش الجيش السوري عبر سيناريو كبير رسم منذ زمن طويل ينفذ اليوم، للضغط على سورية للقبول بالشروط التي أعلنتها أميركا والغرب وتقوم على ثلاثة أمور قالتها الإدارة الأميركية، وهي:
«التخلي عن المقاومات العربية، القبول بالسلام بالشروط الإسرائيلية، الابتعاد عن إيران».
في زمن العجائب الغريبة ينضم الكيان الصهيوني إلى أصحاب المشاعر الرقيقة ، ويقرر تقديم معونات للنازحين السوريين في تركيا.. ويعلن دعمه للمتظاهرين والنازحين، ويشن حملات إعلامية على الدولة السورية.
وهنا نسأل أميركا والغرب وجهات عربية وإقليمية،ومحطات الفتنة والكذب: أين كانت فورة المشاعر الرقيقة التي نراها اليوم عندما دخلت القوات الأميركية إلى العراق، وقامت بقتل وتشريد ملايين العراقيين، وقسمت البلد إلى سنة وشيعة، وعرب وأكراد وتركمان، وأشعلت بينهم العداء والدم، ومارست ضرب الشيعي بالسني بالكردي وبالعكس لتفكيك العراق، وليتحول العراق إلى نهر من الدم العراقي؟!
لماذا لم يتألم الغرب والجهات العربية والإقليمية وفضائيات الفتنة وشيوخ الفتنة على خمسة ملايين عراقي شردوا عن العراق ومعظمهم من السنة، احتضنت سورية نحو المليونين ونصف المليون منهم، في وقت كانت فيه العقوبات الأميركية والحصار الغربي والعربي على سورية لرفضها الاحتلال الأميركي للعراق ؟!.. يوم ذاك لم يتم الإفتاء من قبل شيوخ الفتنة بمحاربة أميركا، ولا بالثناء على سورية لمواقفها مع العراق وأهله .
لماذا لم نر تلك الفضائيات تخصص ساعات طويلة لجرائم الاحتلال كما تخصصها اليوم للوضع السوري، تقوم أخبارها وتقاريرها على شهود الكذب وعلى وقائع كاذبة تنتظم جميعها في حملة ممنهجة لإسقاط صمود سورية ومناعتها القومية لتمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد؟
لماذا لم نر هؤلاء الباكين أصحاب المشاعر الحساسة يبكون على مليون لبناني شردهم العدوان الصهيوني عام 2006 إلى سورية؟ ولماذا لم يتألموا على هذا الدمار الكبير الذي أصاب لبنان بسبب تلك الحرب الإسرائيلية الأميركية على مدارسه ومستشفياته وجسوره وطرقاته ومنشآته التعليمية والإنسانية؟ ألم تقل رايس إن الدم المراق لبناني هو دم المخاض لبناء الشرق الأوسط الجديد؟!
ولماذا لم يبك هؤلاء الحساسون على شعب غزة الذي مازال تحت الحصار الإسرائيلي منذ خمس سنوات، وعلى الدمار الذي أصاب كل شيء في غزة المدارس والمستشفيات ومنظمات الإغاثة والمنازل والطرقات ومصادر المياه والكهرباء ومؤسسات الأمم المتحدة جراء الحرب الإسرائيلية في عامي 2008/2009، لماذا لم يبك العالم على ما يجري في فلسطين المحتلة وفي القدس وفي السودان والصومال وأفغانستان والباكستان؟ هل لأن كل ما يجري بأسلحة أميركية، ولأن عمليات القتل شرعنتها أميركا؟!
في ليبيا اليوم نوعان من البشر ، نوع يجوز قتله، ونوع عليه أن يقتل النوع الأول للوصول إلى نظرية الثور الأبيض والأسود.. وهذا منطق معمول فيه في العالمين العربي والإسلامي، فكل من لا يخضع لأميركا وإسرائيل يجوز سفك دمه، وشيوخ الفتنة أفتوا بذلك .
ما يجري في المنطقة وفي سورية بالتحديد يندرج في سياق حرب أطرافها عديدة ، ووسائلها عديدة ، وهدفها إخضاع العالم العربي لمصلحة إسرائيل.. وفق مخطط أميركي صهيوني للسيطرة على العالم وبناء الحلم الصهيوني.
كتب أرنون سوفير في جريدة جيروزاليم بوست: «إذا أردنا أن نظل على قيد الحياة، فإن علينا أن نقتل ونقتل، طوال اليوم وكل يوم، وأن نفكك العالم العربي والمسلمين، وإذا لم نفعل فسوف نختفي من الوجود».
وأختم بما ورد في دراسة للكاتب الصهيوني أوديد بينون : « إن العالم العربي ليس إلا قصراً من الأوراق، بنته القوى الخارجية في العشرينيات، فهذه المنطقة قسمت إلى دول ودويلات، تتكون كلها من مجموعات عرقية مختلفة ومن أقليات يسودها العداء لبعضها، وإن هذا هو الوقت المناسب لدولة إسرائيل، لتستفيد من الضعف والتمزق العربيين وما يجري من اقتتال بين المسلمين لتحقيق أهدافها».
رحم الله عبد الناصر لأنه كان يقرأ مواقفه السياسية في ردود الفعل الأميركية والإسرائيلية والغرب، فهل يقرأ العرب والمسلمون عظمة سورية في عداء أميركا والغرب وإسرائيل لها ؟!