عندما قرأت كتاب (في الثقافة والأدب) للكاتب غسان كامل ونوس شعرت أنه يتحدث عما يجول في فكر وعقل كل من يعمل في هذا المضمار الضخم (العمل الثقافي) وهذا ما استوقفني ملياً، وجعلني استذكر قول هنري والاس عندما قال: أحيـــاناً تكـون قراءة بعض الكتـب أقوى من أي معركـة.
(في الثقافة والأدب) عنوان كتاب للكاتب غسان كامل ونوس يقع في 196 صفحة من القطع المتوسط ويتضمن مجموعة كبيرة من العناوين المهمة نذكر منها: ما بين الثقافي والسياسي (فساد ثقافي، لاتموت ولا, المسؤولية الثقافية، الحراك الثقافي، حرمان ثقافي، هذا الصامت، يحدث في الثقافة أيضا، المبدعون، ثقافة الألقاب، محررون ثقافيون، لقاءات ثقافية, منبريات, الأدب والمناسبات, إحصاء, نوافذ, جسور ثقافية, الترجمة الأدبية, باحثون لعل الذكرى، أصداء،احتدام الذات الثقافية) وغير ذلك من الموضوعات المهمة.
وجاء على غلافه ربما كان حريا بكل مثقف أن يقول شيئاً في مسألة الثقافة التي بقدر ما يكثر فيها الكلام تجد متسعا أكثر لقول شيء آخر قد لا يكون جديدا لكنه ضروري
يمارس بعضهم ما يريد قوله في الثقافة إبداعا، كل مبدع يقول كلمته المفترضة المنتظرة ويمضي وقد قال الكاتب غسان كامل ونوس كلمته إبداعاً لكنه لم يكتف بذلك فالفعل الإبداعي متعدد الأوجه يقول شيئاً لك وشيئاً لسواك دون أن يبدل كلماته.
لكن إذا كانت الثقافة هي ذلك الكل المركب المعقد الذي يشمل المعتقدات والمعلومات والفن والأخلاق والأعرف والتقاليد والعادات وجميع القدرات الأخرى التي يستطيع الإنسان أن يكسبها بوصفه عضواً في مجتمع ألا يكون كل الناس مثقفين وقلة قليلة منهم تمارس الفعل الثقافي كما قال غرامشي.
نعم..قد يجد القارئ إجابة عن هذا السؤال في كتاب (في الثقافة والأدب) للكاتب غسان كامل ونوس.... ولد غسان في صافيتا في قرية الصليب ويعمل مهندساً مدنياً منذ عام 1981 و هو عضو جمعية القصة و الرواية و أمين سرها منذ عام 1996 وعضو مكتب تنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، وحاصل على جائزة ايبلا للشعر في أدلب بسورية عام 1992 كما حصل على جائزة محمود المسعدي في القصة القصيرة من مركز الوطن العربي للنشر والإعلام في الإسكندرية مصر عام 1990 له العديد من الكتب الصادرة في القصة والرواية وفي الشعر.
التفاصيل التي يضعنا بها الكاتب في كتابه هذا هامة فمثلا: تحت عنوان (فساد ثقافي) يقول ونوس: تستطيع أن تتفاءل وتأمل إن فسد كل شيء إلا الثقافة ! وتزداد قتامة الأشياء حين تمتد آفة الفساد السرطانية إلى الخلايا الثقافية فتنقسم بلا ضابط وتنتشر بلا رادع ولا علاج !!
ليس في هذا الكلام مبالغة بل هو محاولة لتأكيد المؤكد وهي بلا شك قائمة يلاحظها العاملون في الوسط الثقافي والمتعاملون معه.
وفي عنوان (الحراك الثقافي): قال ونوس: قضية لابد من الحديث عنها لأنها لاتتكرر, أن يكون فعل، ذلك أمر مطلوب ومرتجى وهام، ولكن الأكثر أهمية ومسؤولية أن يكون الفعل أكثر جدوى، ولن تكون الحال كذلك إلا إذا كان وراءها وعي وتفهم ورغبة وإمكانية وقبل كل ذلك لابد من النية الصادقة للإنجاز وإن كانت لاتكفي وحدها، كما لاتكفي الأخلاق منفردة، وإذا كان هذا الأمر يصح في مختلف ميادين العمل والنشاط فهو بالغ الأهمية في الميدان الثقافي.
أما في (جسور ثقافية): يرى ونوس أن ما يميز الثقافة هو أن مساراتها تتلاقى حتى لو توازت،ومواردها تتجمع أو تتراكم حتى لو تعرجت أو تأخرت أو افترقت ونتائجها تظهر ولو بعد حين طال أم قصر.
إلا أن الفجوة لا تزال كبيرة بين ما يجري من نشاطات ثقافية عالمية وما يصدر من كتب ودوريات وما ينشر من إبداعات وأفكار ونظريات ولانزال في حاجة إلى المزيد من الجسور التي تؤمن العبور في الاتجاهين وليس في اتجاه وحيد، وأملنا يبقى ويزداد ورغبتنا تتضاعف بخطوات جادة أخرى.
وفي (ثقافة الألقاب): يشير الكاتب بأنه ما من شك في أن لقب أديب يحمل في طياته وأصدائه قدرا كبيرا من الاحترام والتقدير, وهو في الوقت ذاته يفرض على صاحبه مسؤولية إثبات حقه في هذا اللقب والمحافظة عليه، وهناك جهات إعلامية وغير إعلامية تمارس الكثير من السخاء في إطلاق الألقاب.
وحديثنا من داخل البئر التي نعرف الكثير عنها وعن غطائها يجعلنا نقول إن الكثير من الصفات التي تستتبع ليست بمستحقة وفي تقديري أن كلمة شاعر تكفي... ويكون التكبير أو التكريم بدراسة نص للأديب يُظهر فيها مدى استحقاق صاحب النص للقبه ومقدار تمثله له والى أي حد استطاع المثابرة على ذلك وأين كبا أو أجاد.
وهناك قول مأثور مامعناه: عجبت لامرئ يفرح إذا ما مدح بما ليس فيه..!!!
إذا: كتاب (في الثقافة والأدب) يحمل أبعادا ومعاني متعددة ربما تجعله مرجعا لكل من يعمل في الحقل الثقافي، ولاسيما أن ما يحمله بين طياته من مواضيع..أعتقد أننا جميعا ندركها ونتعامل معها ونمارسها ولكننا نحاول إغفالها، ولكن من وجهة نظرنا ومهما كان الأمر فعلينا الحفاظ على الثقافة فهي الحصن المنيع الذي بقي لنا كي نحافظ من خلالها على حضارتنا وهويتنا.