وتقرير غولدستون هي المحاور الرئيسية للكتاب الذي بين أيدينا وعنوانه «غزة العزة.. نصر من رحم الألم» لمؤلفه الدكتور أكرم مكنّا، والكتاب يتوزع عبر /43/ صفحة من القطع الكبير على مقدمة وخاتمة وأربعة أقسام رئيسية فضلاً عن الصور الوثائقية الهامة.
يبدأ الباحث مكنّا مؤلفه بالقول: إنه رغم انسحاب اسرائيل من قطاع غزة عام 2005 إلا أن جيشها المحتل جعل من القطاع سجناًَ كبيراً لأكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني، ثم قامت بعدوانها الغاشم فدمرت بنيته التحتية وقتلت وجرحت الآلاف من أبنائه تحت سمع العالم وبصره، مؤكداً أن العدوان المذكور زاد المقاومة الفلسطينية تجذراً وقوة وأصبحت أنموذجاً مأمولاً للشعوب العربية وباتت رقماً صعباً على مشاريع الترويض الثقافي والسياسي ونجحت في الاستعصاء على كل محاولات الاستئصال والابادة.
ويشير الباحث إلى أن الدروس والعبر التي استخلصها جيش الاحتلال الصهيوني ستبقى ماثلة أمامه في الغرف المغلقة والدورات التدريبية والتأهيلية لضباطه وجنوده، وأول هذه الدروس أن ترسانته الهائلة من الأسلحة لا تستطيع أن تكسر ارادة المقاومين مهما تجبرت وطغت وأن الهزيمة هي للمعتدي مهما بلغ من القوة العسكرية.
وفي ثنايا الفصل المعنون بـ«العدوان الاسرائيلي على غزة» يؤكد الباحث أن اسرائيل فشلت في تنفيذ خطتها الرامية لإسقاط حكم حركة حماس ومنع اطلاق الصواريخ وانقلاب الشعب الفلسطيني عليها، كما أن ذلك العدوان الفاشل والصمود الاسطوري لغزة خلاله أدى إلى انحطاط الروح المعنوية لدى الجنود الاسرائيليين ولدى المستوطنين وفقدانهم الثقة بأنفسهم رغم التعتيم الاعلامي الشديد وتنامي شعورهم بحالة من الخوف والاحباط نتيجة عدم قدرة جيشهم المحتل على حمايتهم من الصواريخ الفلسطينية.
وعلى الصعيد الفلسطيني والعربي يرى الباحث أن نجاح المقاومة في صد العدوان الغاشم أعطى ثقة كبيرة بالنفس لدى المقاومة ورفع معنوياتها عالياً ومنحها درساً في التكتيك العسكري كما أنه أظهر مدى نصرة الشعوب العربية والاسلامية للمقاومة وأدى العدوان أيضاً إلى ظهور حراك أوروبي وغربي لمحاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين ورفع مئات الدعاوى ضدهم والمطالبة باعتقالهم ومحاسبتهم.
ثم يستعرض المؤلف في القسم الثاني الواقع الاقليمي والعربي مؤكداً أنه رغم الشلل الذي أصاب النظام الرسمي العربي، إلا أن العدوان جعل القضية الفلسطينية حية في ضمير شعوب العالم قاطبة، وأظهر للعالم بشاعة الجرائم الاسرائيلية وفضح زيف القوة الردعية لجيش الاحتلال وأحيا روح المقاومة لدى كل بيت من بيوت أمتنا وعزز من شرعية حركة حماس وأظهر قوى اقليمية كبرى داعمة للحق الفلسطيني وفي مقدمتها تركيا التي سجلت مواقف مشرفة بدءاً من انسحاب اردوغان من منتدى دافوس وانتهاءً بالعلاقات المتوترة بين أنقرة وتل أبيب والغاء العديد من المناورات العسكرية المشتركة بينهما.
وبعد أن يناقش الموقف الدولي من العدوان على غزة مبرزاً الدور التركي الايجابي فإن الباحث يستعرض نتائج هذا العدوان التي تلخصت بهزيمة اسرائيل وفقدان مستوطنيها ثقتهم بقيادتهم وجيشهم وخسارة هذه الأخيرة السياسية والاعلامية أمام الرأي العام العالمي وملاحقة مسؤوليها لأول مرة أمام المحاكم الدولية وخاصة بعد الحراك الذي أسس له تقرير غولد ستون الذي حاولت أمريكا وحلفاؤها اجهاضه منذ البداية، مختتماً أن نتائج هذه الحرب ستقرر إلى حد بعيد مصير الحركة الوطنية الفلسطينية ومصير عملية التسوية ومستقبل المقاومة مثلما ستقرر مصير اسرائيل ومكانتها في المنطقة.