فما كان من أولئك الجنود إلا أن باحوا لهم بما في صدورهم من ملل وتوجهوا إليهم برجاء حار لإدخال مؤثرات صوتية وضوئية جديدة في حلقات ذلك المسلسل، فلبى المستوطنون على الفور رغبة الجنود وتوجهوا إلى مقابر الفلسطينيين يعيثون في جثث موتاهم فساداً وعدواناً.
يجري ذلك كله ليس في دار عرض تقدم من حين إلى آخر عروضاً جديدة بل يجري في فلسطين العربية المحتلة التي تشهد هذه الأيام عدواناً من نوع جديد، إنه عدوان لم يراع حرمات القبور والموتى، ففي عرف المستوطنين اليهود الدم الفلسطيني مباح يستوي في هذه الإباحة دم الأحياء والموتى.
وينطلق المستوطنون اليهود إلى الجنود الذين يقومون بحمايتهم خلال مراسم نبش القبور الفلسطينية وتمزيق جثث الموتى ليزفوا لهم خبر نجاحهم في إفراغ الحقد الصهيوني الخالص على كل ما هو عربي وفلسطيني فيتفق الجميع على الاحتفال بهذه المناسبة ويتم التعبير عن الفرح بغرس أشجار حاقدة على العرب في أراضيهم التي يملكونها منذ آلاف السنين ويشارك رئيس وزراء الكيان الصهيوني (بنيامين نتنياهو) بغرس بعض الأشجار معطياً جنوده والمستوطنين الضوء الأخضر لتصوير حلقات جديدة من مسلسل الاعتداء على بيوت وأراضي وقبور الفلسطينيين.
وربما تجددت رغبة رئيس الوزراء الصهيوني (نتنياهو) بغرس مزيد من الأشجار ولمّا يتم تحديد المكان الجديد ومن يدري فقد يكون في مقبرة قرية (عورتا) حيث اقتحم المستوطنون الصهاينة المقابر وانهالوا على شواهد القبور الإسلامية تحطيماً وفعلوا الشيء نفسه في مقام (العزيزات) الواقع غرب القرية حين اقتحموه وقاموا بتكسير شواهد القبور.
وقد يكون مكان غرس الأشجار آلاف الدونمات من المزروعات المخربة بقرية (غزة) في النقب جنوب فلسطين المحتلة.
وهناك خطط سيتم تنفيذها في القريب العاجل كما تشير بعض المصادر لمصادرة 70٪ من أراضي حي وادي حلوة بسلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك لكن الأشجار التي سيشارك (نتنياهو) في زرعها في هذا المكان هي أشجار احتفاله بتحويل المنطقة كلها إلى مزار ديني سياحي، والهدف من ذلك تشكيل طوق استيطاني مخيف حول المسجد الأقصى الذي باتت أساساته مهددة بفعل الحفريات الإسرائيلية ووجود الكثير من الأنفاق المؤدية إليه.
إنها صورة جديدة يحاول (نتنياهو) الظهور بها، صورة السياسي المسالم الذي يحب الماء والخضرة والوجه الحسن ويقدم على ذلك البراهين التي تثبت صحة ادعائه، فحبه للماء هو الذي يدفعه لتنفيذ حلم الكيان الصهيوني المستمر بسرقة المياه العربية، بدءاً من سرقة مياه نهر الليطاني في لبنان وسرقة مياه نهر الأردن في الأردن وصولاً إلى سرقة مياه نهر النيل في مصر والسودان، إذا كان ذلك متاحاً ،وحبه للماء يدفعه للتمسك بعدم إعادة مرتفعات الجولان السورية المحتلة إلى سورية نظراً لغنى هذه المستوطنات بالمياه الجوفية العذبة، مع أنه يعلم أن سورية لن تتنازل عن شبر محتل من الجولان ولن تقبل إلا بإعادته كاملاً إليها.
أما حبه للخضرة فهو الذي أغراه بالضحك على الرأي العام العالمي فأمسكت يمناه المجرمة الشجيرات وقامت بغرسها، بينما تقوم قواته بتجريف الأراضي الفلسطينية واقتلاع الأشجار المثمرة التي تجاوز عمر بعضها مئات السنين تمهيداً لبناء المزيد من الكتل الاستيطانية.
وحب (نتنياهو) للوجه الحسن حب من نوع آخر يسعى من خلاله لتغطية وجهه القبيح الذي تنخره بثور الإجرام نخراً وكانت عملية التجميل الأخيرة التي قام بها لتغطية شيء من دمامة وقبح وجهه، السماح بتوبيخ ضابطين إسرائيليين ارتكبا جرائم حرب في قطاع غزة بعد إجراء تحقيق صوري معهما وقد فهم كل ذي لب وبصيرة أن هذا التحقيق كان محاولة مفضوحة للالتفاف على عواقب تقرير (غولدستون).
وإذا كان الأموات قد حظوا بنصيب وافر من الحقد الإسرائيلي شأن الأحياء فإن هذا الحقد لن يحول دون استمرار الفلسطينيين في الدفاع عن حقهم في العيش بكرامة فوق دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف واستمرار أهلنا في غزة بمقاومة الحصار حتى كسر طوقه الحديدي وسيكون النصر حصاد ما زرعوه في تربة المقاومة المشروعة والدفاع عن الحق المغتصب وانتزاعه من أيدي غاصبيه الصهاينة.