الجيش الإسرائيلي سمح للفلسطينيين من سكان قطاع غزة الوصول الى معبر ابرز والمثول أمام محققين عسكريين. النتيجة هي تقرير مفصل، مسند وموثق. ورغم ذلك، فإن إسرائيل الرسمية تصر على الادعاء بأن لا حاجة الى لجنة تحقيق. نعم لفحص مفصل، ولكن ليس للجنة تحقيق. هذا الاختلاف الدلالي يقتل. الادعاء الأكثر غرابة لمعارضي لجنة التحقيق هو أن جنود وضباط الجيش قد يدفعون لقاء ذلك الثمن. ضباط كثيرون من الجيش الإسرائيلي، وكذا سياسيون هم في خطر بالذات بسبب هذا الرفض. وهم عرضة لدعاوى وملاحقة دولية جنائية، بالذات لأنه لا توجد لجنة تحقيق. وبدلا من إجراء التحقيق هنا، في شروط نزيهة ومصداقة، من شأنه أن يجرى أمام هيئات قضائية دولية معادية. عندما ترفض إسرائيل تشكيل لجنة تحقيق، الانطباع الناشئ في العالم هو أن إسرائيل تتملص وتطمس. هذا لا يبعدنا عن لاهاي. هذا يقربنا من هناك.
يحتمل أن يكون هناك بعض من كبار المسؤولين ممن «يخشون من التحقيق مع ضباط الجيش الإسرائيلي» ممَ يخشون؟ هل يفضلون تحقيق لويس مورنو اوكومبو، المدعي العام في المحكمة الدولية الجنائية في لاهاي، أم تحقيق من النائب العسكري الرئيس اللواء افيحاي مندلبليت؟ وبشكل عام، الكثيرون منهم سبق أن حقق معهم، واثنان منهم، العميد ايال آيزنبرغ والعقيد ايلان ملكا، قدما الى المحاكمة. وإذا كانت هناك أعمال شاذة، ينبغي إذاً بمن ارتكبها ان يدفع الثمن. غير أنه من الأفضل لهذا أن يحصل في إسرائيل. لا في لاهاي أو لندن أو مدريد.
ملازمة ديربن
تقرير غولدستون هو إحدى الفريات الأشد ضد إسرائيل. هذا تقرير يواصل ملازمة ديربن وحملة نزع الشرعية عن دولة إسرائيل. هذا تقرير يعرض إسرائيل كدولة يتلخص وجودها بالانتقام من الفلسطينيين وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. لا توجد كذبة أكبر من هذه. التحقيق الذي سبق أن أجراه الجيش الإسرائيلي، تحقيق جذري وجدي – يدحض هذه المزاعم العابثة. لم يكن طمس هناك، بل تحقيق حقيقي. تحقيق مع نتائج. تحقيق وجد بأنه كانت هناك أعمال شاذة تستوجب التقديم الى المحاكمة. ولكن إسرائيل الرسمية تواصل التردد. نعم للفحص، بما في ذلك التحقيق مع الضباط، ولكن لا للجنة تحقيق. اذا كنا موافقين جدا بالنتائج إذاً لماذا لا نعطيها شرعية التحقيق الرسمي؟ فخسارة إسرائيل من تحقيقات لجنة تحقيق أكبر بكثير مما سيحصل اذا لم تتشكل مثل هذه اللجنة.
لجنة بمشاركة رجال قانون ذوي سمعة يمكن أن توسع فحصها لكل مجال ملاءمة القانون القائم مع الكفاح ضد محافل من نوع حماس، القاعدة وطالبان. هذه فرصة ذهبية لإسرائيل. ثمة المزيد فالمزيد من رجال القانون الذين يعتقدون أن أنظمة مواثيق جنيف، التي صيغت قبل عشرات السنين على خلفية مغايرة تماماً، لا تتلاءم مع الواقع الجديد. ورقة موقف في هذا الموضوع للبروفيسور جورج بلاتشر من جامعة كولومبيا الاعتبارية ستعرض غدا في مؤتمر هرتسيليا.
لننزع وصمة العار
يجدر بنا ان نوضح أمرا آخر: لجان التحقيق هي موضوع غير مناسب على نحو ظاهر. أما في الحالة موضع الحديث فالأمر مغاير تماما. ليس تحقيقا في المفهوم المغلوط، السياسة والاستراتيجية، مثلما كان في لجان تحقيق سابقة، مثل لجنة اغرانات. هذه المرة يدور الحديث عن تحقيق في ادعاءات محددة. هذه المرة يدور الحديث عن الحاجة الى إزالة وصمة العار التي ألصقت بدولة إسرائيل.
وأمر آخر: اليوم بات واضحاً بأن قضية وفاة الطفل الدرة كانت خيالاً ألحق ضررا غير مسبوق بإسرائيل. تقرير غولدستون هو خيال من ذات المسلسل. من غير المجدي ان تمر سنوات، يتعاظم فيها الضرر فقط الى أن تدحض هذه الفرية. قد يكون هذا متأخراً.
* بقلم: بن – درور يميني