وفي هذا الاطار فمن المهم التأكيد على قيام شراكة بين الحكومات العربية و مجتمعاتها ومنظماتها الأهلية الناشطة للحد من عمالة الأطفال، هذه الظاهرة التي يصعب تحديداً السيطرة عليها خصوصاً في البلدان المندرجة تحت قائمة الدول النامية التي تشكل دول وطننا العربي جزءاً منها، حيث قدرت منظمة العمل الدولية وعدد الأطفال العاملين من سن الخامسة حتى الرابعة عشرة في ظروف عمل مرهقة بما يزيد عن ربع مليون طفل في هذه الدول منهم /120/ مليوناً متفرغين تماماً للعمل حيث سجلت قارة اسيا أكبر نسبة حسب تقرير المنظمة بمعدل 61٪ من هذا الرقم لتحتل أفريقيا المرتبة الثانية بـ 32٪ بينما اكتفت أميركا اللاتينية بـ 7٪ فقط.
ومن الطبيعي هنا أن يلفت تقرير المنظمة النظر إلى الأطفال في سن الدراسة الابتدائية أو التعليم الأساسي المحصورة أعمارهم بين العاشرة و الرابعة عشرة الذين تجاوزت أعدادهم 73 مليون طفل من أصل 80 مليوناً في مختلف أنحاء العالم والمنظمة في تبنيها لهذه الأرقام فهي بالتأكيد توضح مسألة هامة مفادها أن عمالة الأطفال لم تعد قضية قطرية ضيقة تفرضها ظروف بلد معين بقدر ما أصبحت مشكلة عالمية مستعصية الحل تستدعي بالضرورة حشد الجهود المؤسساتية و المنظماتية الدولية على اختلاف توجهاتها الانسانية للبحث عن حلول شافية لهذه المشكلة! خصوصاً و أن ملايين الأطفال يمارسون أعمالاً تعيق نموهم وتعليمهم ومنها أعمال تندرج تحت الأذى الجسدي و النفسي التي ستترك آثارها على آليات توازن المجتمع والاخلال بمعدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان التي تنتشر فيها مثل هذه الظاهرة.
هذا غير الحديث عن أن عمل الأطفال يشكل انتهاكاً لحقوق الطفولة أمام انتهاكات تؤكد تنامي الظاهرة و ارتفاع جمهور المؤيدين لها كونها تشكل عمالة رخيصة بلا ضمانات و أجوراً متدنية وتهرباً من تسجيل العاملين الصغار ضمن السياسات التأمينية التي تطلبها عادة قوانين العمل.
البحث عن الأسباب أول الحلول
في معرض البحث عن أسباب تشكل الظاهرة أولاً و من ثم نموها لتصبح إلى ما وصلت إليه لا بد من الوقوف أمام الأرقام المرعبة التي تضمنها تقرير منظمة العمل العربية حول عمالة الأطفال تقف عند آراء ناقشت الظاهرة و أسبابها من قبل مجموعة الباحثين العرب العاملين في إطار المنظمة و من خلال الندوات الاقليمية والعربية التي حملت عناوين مختلفة تصب في العنوان العريض موضوع نقاشنا.
أمام كل ذلك نقرأ أن الفقر و سوء الحالة الاجتماعية للأسرة وغياب المعيل الرئيسي الذي هو الأب تأتي في رأس قائمة الأسباب المؤدية لعمل الأطفال وتسربهم من المدارس لتأمين لقمة العيش لأسرهم. يضاف إلى ذلك الحالة العامة للمجتمع الذي يعاني من نمو معدلات الفقر وارتفاع معدلات و أشكال الاستهلاك تشكل حافزاً أمام أصحاب العمل للدفع بالمزيد من الأطفال لممارسة الأعمال الصعبة.
المهم أن مجموعة من أوراق العمل العربية التي قدمت للندوة القومية حول دور مؤسسات المجتمع المدني في مواجهة مشكلة عمالة الأطفال التي استضافتها دمشق نهاية العام الماضي أكدت أن الفقر و الأمية و العجز من الأسباب التي تدفع الأهل لإرسال أولادهم للعمل، وزجهم في سوق نشطة تشهد ارتفاعاً على عمل الأطفال وسط غياب مناهج و أساليب التعليم و تدني الأجور مؤكدة أيضاً أن الأطفال مقارنة بالكبار أكثر تأثراً بالاغراء المادي و بإمكانهم حسب بعض أصحاب العمل أن يؤدوا أنواعاً معينة من العمل لصغر أحجامهم و أناملهم الدقيقة.
المهم أن هذا الواقع الجديد يؤثر بالتأكيد على صحة الأطفال ونموهم البدني و الذهني ويحرمهم من التعليم و قد يفصلهم عن عائلاتهم ويجعلهم يسيرون بطرق لا تؤدي سوى إلى التشرد والانحراف والحاق الضرر بالأشخاص و بالمجتمع.
ولخصت الأوراق الرأي بالقول بأنه على الرغم من جميع الجهود العالمية للتصدي لهذه المشكلة من قبل المنظمات ذات الصلة و المنظمات غير الحكومية فإنه لم يتم حتى يومنا هذا وضع استراتيجيات فعالة للحد من انتشار الظاهرة وانتقالها إلى مستوى المشكلات الكبرى. و حول تركز مجالات عمل الأطفال في الوطن العربي قالت: غالباً ما يتركز عمل الأطفال في الأعمال الزراعية الصعبة و في الورشات و الصناعات الخطرة و في بيع الحاجيات ومنهم من يعمل في غسيل السيارات وصباغ الأحذية وبيع المواد الاستهلاكية الرخيصة كنوع بديل عن التسول المباشر. و منهم من يعمل في ظروف مليئة بالمخاطر الصحية والجسدية و النفسية عموماً. حيث تدل الدراسات أن 60٪ من الأطفال العاملين يتعرضون لمخاطر جسدية أثناء تأديتهم لعملهم. كما أنهم يجدون أنفسهم أمام مواد كيميائية قاتلة وفي ظروف تنعدم فيها أبسط متطلبات السلامة المهنية. ولهذا فإن مكافحة عمل الأطفال مسألة معقدة وطويلة الأجل و تحتاج إلى تعاون كافة الأطراف المعنية بالموضوع و هي مسؤولية ملقاة على عاتق الجميع من حكومات وأصحاب عمل ونقابات عمال ومعلمين وتعليم ومنظمات غير حكومية و كذلك على الأسرة والمجتمع و المدرسة وبحيث يعمل الجميع في إطار التشاركية والمشاركة الفعالة لحماية الأطفال من الاستغلال و سوء المعاملة.
ولا بد من توعية الرأي العام لكلفة عمالة الأطفال و انعكاساتها على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية من خلال زيادة الوعي و توعية الأهل لمخاطر عمالة الأطفال
ماذا عن المقترحات والحلول؟!
اليونيسيف أعدت قائمة مراجعة للخيارات الاستراتيجية التي يمكن أن تحقق «أفضل مصالح للطفل» وبالنسبة لعمالة الأطفال واشكال الاستغلال الاقتصادي :
- زيادة فرص التعليم و توفير التعليم في مكان العمل. كذلك توفير خدمات إعالة لأولياء الأمور خاصة الأمهات وتشجيع التشدد في تطبيق القوانين ضد المتاجرين بالأطفال و من يبرمون عقود «إذعان» في مجال عمالة الأطفال. وتوفير خدمات للأطفال الذين يعملون في الشوارع. والسعي لتغيير القيم والاعراف التي تتساهل إزاء الاستغلال الاقتصادي للأطفال.
إن منظمة العمل الدولية دعت إلى حزمة إجراءات على المستوى القطري من خلال وضع استراتيجية وطنية و اجراءات صارمة لمكافحة عمل الأطفال. في مقدمتها إقامة تحالف اجتماعي عريض ضد عمالة الأطفال وخلق قدرات مؤسسية للتعامل مع المشكلة و تحسين التشريعات الخاصة وترسيخ نطاق التعليم المتاح للفقراء. و تحسين التشريعات الخاصة بعمالة الأطفال و إجراءات تطبيقها لكن المنظمة تحذر من استخدام ما يسمى بالحوافز السلبية (مثل العقوبات التجارية) ضد البلدان الأكثر فقراً التي ترتفع فيها معدلات عمالة الأطفال و تدعو بالمقابل إلى برامج مساندات لهذه البلدان تساعدها على حل مشكلاتها المتعلقة بعمالة الأطفال .
أمام ما تقدم يبقى السؤال ما الذي فعله العرب حكومات ومجتمعات للمعالجة. و هل تجاوزت حدود الدراسات و الندوات و النقاشات إلى برامج عملياتية تسمح بتجاوز المشكلة في البلدان التي تعاني منها..
وتطلق برامج وعي اجتماعي و توازناً عملياً ضمن اطار مؤسسات واعدة لا تكتفي بالشعارات و البرامج بقدر ما تعطي الأولوية للمعالجات الواقعية بعيدة الأثر. و هل تشهد السنوات القادمة حلولاً تشاركية للحد من هذه الظاهرة ؟!