تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ورشة عمل مسرحية «على الحافة» الاحتفاء بالبحث الفني

ملحق ثقافي
2012/3/27
وسيم الشرقي:أنهى «مختبر دمشق المسرحي» في الثاني والعشرين من الشهر الماضي ورشة عمله الثانية، بعد الورشة الأولى التي أنجزها في العام الماضي عن الكاتب الإيرلندي صامويل بيكيت «1906-1989»

والتي شارك فيها مجموعة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، من أقسام الدراسات المسرحية، والتمثيل والسينوغرافيا «التصميم المسرحي»‏

الورشة الأخيرة التي أتت تحت عنوان «على الحافة» تناولت تجربة أربعة كتاب بريطانيين من جيلين مختلفين، الأول ممثلاً بهارولد بينتر «1930-2008» وإدوارد بوند «1934» والجيل الثاني ممثلاً برائدي الواقعية الإنكليزية في التسعينيات مارك رافنهيل «1966» وسارة كين «1971-1999».‏

الورشة التي أتت بالتعاون مع المركز الثقافي البريطاني، يرى د. أسامة غنم مدير «مختبر دمشق المسرحي» أنها تأتي ضمن خط العمل الأساسي للمختبر وهو البحث الجماعي كمرحلة أولى، ومن ثم العمل الجماعي بناءً على هذا البحث، فساحة العمل المسرحي الحالية في سوريا تعاني نقصاً كبيراً في البحث العلمي/ المسرحي الجاد، سواءً للوقوف عند آخر التجارب العالمية نصوصاً وإخراجاً والتعرف عليها، أو لإعادة طرح الأسئلة عن ما ينبغي تقديمه للمتابع المسرحي السوري، الذي يغدو أكثر تطلباً مع التطور المتسارع لوسائل الاتصال، وبالتالي سهولة اطلاع الشباب المسرحي على التجارب الحديثة، ومن هنا فإن مثل هذه الورشة التي يتم العمل فيها مسرحيين سوريين شباب ومحترفين، من خريجي المعهد العالي، هي خطوة لردم الهوة بين التجارب العالمية المتنوعة، والإنتاج المحلي.‏

في الورشة التي استمرت ثلاث أسابيع في المعهد الدانماركي بدمشق، تم تقسيم العمل إلى مرحلتين: الأولى من خلال العمل على السياق التاريخي، والفني لأعمال الكتاب، من أفلام وثائقية عن المرحلة، أو إخراجات كلاسيكية أو مجددة لهذه الأعمال، وحتى بعض العروض المسرحية المعاصرة، والتي لا تمت بصلة مباشرة إلى عمل هؤلاء الكتاب، إلى أنها أيضاً ترسم نوعاً من الصورة الكلية لدى المشاركين عن السياق الفني الأكبر لهذه الإنتاجات.‏

أما المرحلة الثانية من الورشة، والتي تشمل الجانب التطبيقي، فكانت من خلال تقسيم المشاركين إلى مجموعات صغيرة بحسب النصوص المختارة، على أن تشتمل كل مجموعة على ممثل ودراماتورج وسينوغراف، تعمل على نص واحد، وتتم خلال ذلك مناقشة آلية العمل التي تختارها المجموعة على هذه النصوص، مع بقية المشاركين، فطبيعة النصوص ليست واحدة، وكما جاء في توصيف المختبر للورشة فإن «مسرحيات هارولد بنتر القصيرة ستتلاقى مع تجديدات إدوارد بوند لبريخت، وصولاً إلى مسرح الواقع الفج مع كل من مارك رافنهيل وسارة كين، هذه الكتابة التي انطلقت من الواقعية الفظة لتتحدى عناصر النص المسرحي الأساسية: الحوار الشخصية والفضاء واللغة».‏

اختيار الكتاب البريطانيين من المختبر «إضافة للتعاون مع المركز الثقافي البريطاني» جاء لارتباط الكتابة المسرحية عند هؤلاء الكتاب بالواقع الاجتماعي، والسياسي المعاش بشكل متميز عن نظرائهم الأوروبيين، فهارولد بينتر الحاصل على نوبل للآداب، تحول في آخر أيامه إلى أشد المعارضين، والمنتقدين للسياسة الأمريكية وحليفتها البريطانية خاصة في الخارج، حيث كان خطاب استلامه للجائزة الشهيرة عام 2005، هجوماً صارخاً لسياستهما الخارجية، سائقاً الأمثلة من العراق إلى أمريكا الوسطى. وفي هذا السياق ربما يأتي نصه القصير «لغة الجبل» 1989 الذي كان أحد النصوص المطروحة في الورشة، فالمسرحية التي يقول عنها بينتر أنها «قاسية قصيرة، وقبيحة» تصور من خلال أربع لوحات قصيرة، وباختزال محكم، لحظات عنف مفرط، وقاس، عنف يقوم به الجنود اتجاه «أهل الجبل» الذين يحظرون عليهم حتى التكلم بلغتهم الأصلية «لغة الجبل».‏

والكاتب الثاني من كتاب الجيل «الأكبر» الذي تتناولته الورشة هو إدوارد بوند، وبشكل خاص نصه «أحمر أسود وجاهل» 1985، النص الذي يأتي ضمن ثلاثية «مسرحيات الحرب» مع النصين الآخرين «شعب المعلبات» و»السلام الكبير»، فالكاتب الذي يعتبر من أهم مجددي المسرح الملحمي الذي نظّر له الألماني برتولد بريشت «1898-1956» يصطدم في هذه الثلاثية بالعالم الذي أصبح مليئاً بالرؤوس النووية، فهو «أي العالم» كما يعبر عنه «الوحش» في أحمر أسود وجاهل «كان هناك الكثير من الصواريخ حتى إن العالم بدا أشبه بالقنفذ».‏

ومن بينتر وبوند وصولاً إلى مارك رافنهيل الذي تعرّف عليه جمهور دمشق المسرحي للمرة الأولى عام 2010 في مشهد معد من نص «تسوق ومضاجعة» 1996، في عرض «حدث ذلك غداً» إخراج «أسامة غنم» بعد ترجمة المشهد إلى المحكية السورية، النص نفسه يحضر مجدداً في الورشة، بعد أن تمت ترجمته مع نص «العوز» 1998 لسارة كين.‏

حيث تبقى الكاتبة الإنكليزية صاحبة الحظ الأكبر من الشهرة في الأوساط المسرحية سارة كين «على الرغم من ندرة ترجماتها إلى العربية» والتي تعد أحد أهم كتاب حركة دراما «في وجهك!» التي ارتبطت بالواقعية الفظة، والصور العنيفة والتحريضية التي تعري القيود التقليدية للمسرح، قدم نصها «العوز» كمادة للعمل في سياق النصوص الأخرى، لتشكل بجموعها المادة العملية للورشة، لتتم أثناء العمل على النصوص، إعادة مناقشة المفاهيم الأساسية للعمل المسرحي، وإعادة طرح الأسئلة حول دور المخرج، ومعنى أدبية النص المسرحي، أو عن دور «الدراماتورج» المصطلح الذي يبدو أنه مازال شائكاً حتى الآن والذي يربط غالباً بإعداد النصوص المسرحية لتقديمها، ولكن الفرق في هذا الجدل هنا، أنه عملي تطبيقي، وليس نظرياً لا يهتدي إلى الإجابات. ‏

والجدير بالذكر أن الورشة السابقة للمختبر قد نتج عنها عرضان مسرحيان عن نصوص صامويل بيكيت القصيرة، تحت عنوان «دراماتورجية بيكيت» أعيد تقديمهما مؤخراً في دار الأوبرا في دمشق، وهما «وقع الخطى» دراماتورجيا وائل قدور، و»خطوات» دراماتورجيا مضر الحجي، وقد قدم كلا العرضين من دون مخرج مسرحي في تجربة تعد سابقة في العمل المسرحي في سوريا.‏

الجانب المهم في السياق التي تأتي فيه هذه الورشة، هو في فكرة ورش العمل نفسها، ومع أشخاص محترفين وأكاديميين، فبعيداً عن الجانب التعليمي الذي من الممكن أن يغلب على ورش العمل في إطار الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية، فإن مثل هذا النوع من الورش الذي من الممكن أن يكثف كماً معرفياً كبيراً في عدد أيام قليل نسبياً، يبقى ضرورياً لإبقاء المعنيين بالعمل المسرحي على تلامس قدر الإمكان مع آخر توجهات الإنتاج المسرحي، خارج الحدود الإقليمية الضيقة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية