وانخفاض الأسعار, وصولاً إلى تحسين مستوى المعيشة, الذي صار لسان حال السادة المسؤولين في هذا البلد وإن كان المنادون بتحسين مستوى المعيشة, عازمين فعلاً بشكلٍ صادق على هذا التحسين, فلا بد من التعاطي مع تلك الأوراق الاقتصادية بشكل صادق, بعيداً عن الأمنيات والشعارات, وقريباً, أو ملاصقاَ لعمل حقيقي على الأرض, فما هي هذه الأوراق بعد ورقة التصدير..?
السياحة:
النائب الأول لآبار النفط كلها, لا يزال التعاطي معه غير فاعل كما يجب, وهذا النائب الذي هو السياحة بطبيعة الحال - يحتاج بشكلٍ بديهي إلى عمليات تنقيب واستكشاف وضخ واستثمار. التنقيب والاستكشاف هنا يتمثلان باكتشاف مقدراتنا السياحية وتحديد عناصرها من طبيعة وآثار مدهشة, ولقد قمنا نحن بهذا الاكتشاف فعلاً, ولكن بدلاً من أن نضخه - عبر الترويج واعلام الآخرين فيه من خارج البلاد- بكميات هائلة تتناسب مع الاحتياطيات الكبيرة التي لاقرار لها, فهي غير قابلة للنفاد كما النفط- بدلاً من ذلك رحنا نضخ بكميات شحيحة جداً, وجلسنا على تلك الثروة السياحية الكبيرة, عاجزين عن تسويقها, رغم الطلب الشديد عليها, مفوتين بذلك على وطننا فرصاً جوهرية إن في تأمين فرص العمل, أم في تدفق القطع الأجنبي, أي تفويت فرصة الاستثمار الصحيح والمجدي.
إن الأوهام التي يشهدها قطاع السياحة في هذه الأيام , لن تجدي نفعاً, فالمسألة ليست بتضخيم الأرقام, أو لنقل ليست بعدم فهمها, وليست بتعمد تحليلها على قواعد تكللها الشبهات .. والمسألة أيضاً ليست بتسجيل المواقف المجانية هنا وهناك.
إن واقعنا السياحي الرائع والخام, لا يكفي أن نعرفه نحن, ونتغنى به هنا داخل البلد, كمن يختار الغناء لوحده في الحمام, إذ لا بد ولا بديل عن إخراج هذا الواقع بقوة إلى خارج الحدود, وإلى الحدود البعيدة البعيدة- إن كان التعاطي مع هذا الواقع جاداً وصحيحاً- فما تمتلكه سورية من مقومات سياحية, كفيلة بإفتان العالم كله, فما به لا يفتن? ولكن ... من أين له أن يفتن وهو لا يدري شيئاً عن هذا الواقع, ولا يسمع الغناء في الحمام.. لا بد من الغناء على مسارح هذا العصر المسموعة والمرئية أرضاً وفضاء. ولابد وقتها من رجع للصدى, واستجابة تليق بسورية لأن ما تمتلكه من مقومات سياحية, لا تمتلكه الكثير من الدول في هذا العالم كله, إن كان من خلال الطبيعة المتنوعة, الجبلية والبحرية والنهرية, والصحراوية, أم من خلال الآثار النادرة, التي تبدأ من حادثة القتل الأولى في هذا الكون كله, إذ يمثل ضريح ( النبي هابيل) عليه السلام في منطقة ( الديماس ) بالقرب من دمشق, فضلاً عن حضارة إيبلا وتدمر وأفاميا, وحضارة أوغاريت , موطن الأبجدية الأولى في هذا الكون كله أيضاً, وما إلى هنالك من الشواهد الحضارية التي يمكن أن تشكل عامل جذب لامثيل له في هذا العالم.
وزارة السياحة تركت هذه العوامل كلها, أو ربما لم يتح لها إلا ذلك, فالنتيجة من حيث قطف الثمار واحدة, فالمهم تركت هذه العوامل, وكثفت الجهود وشحذت الهمم من أجل استصدار أرقام وهمية لاعلاقة لها بالسياحة..?
وبدلاً من الانصراف نحو قطاف الثمار , ويكون لكل واحد منا مهمة وطنية تجاه استثمار السياحة, انصرفنا نحو النقاش حول هذه الأرقام, هل هي صحيحة أم أنها غير ذلك ..?
سوف نسلم بأنها صحيحة كلها, ولكن في حقيقة الأمر هي في غاية الضحالة أمام معطيات السياحة في بلدنا.
السياحة فن, والسياحة بناء, السياحة دبلوماسية, والسياحة صناعة, وعلى الوزارة أو على الدولة أن تدرك جيداًً كيف تتفنن بالسياحة, وكيف تكون قادرة على الإبداع في هذه الصناعة وإنتاجها, ومن ثم تسويق هذا الإنتاج, توفير المناخ المناسب ,سياسة عمل وأفعال على الأرض, كي ينجذب الناس من أصقاع الدنيا إلى هذه ال¯ ( سورية ) التي تتميز عن العالم كله بمقوماتها السياحية, مثلما تتميز أيضاً بتخلف تعاطيها مع هذه المقومات.
وما الحل..?
السياحة تحتاج إلى ترويج .. ثم إلى ترويج وبعد ذلك إلى الترويج, الفعال والمجدي, وتحتاج إلى بذل المزيد من الجهود المضنية, والمزيد من المال ودون تردد, وإلى الجرأة في تسهيل أمور وتشجيع الاستثمارات أكثر فأكثر, ودعوة أشخاص كثر من مختلف أنحاء العالم, يتم اختيارهم بذكاء, وعناية, بحيث أن وجودهم سوف يتبعه مجموعات سياحية, وأفواج وألوية وجيوش من السياح, وكفانا عشوائية بالتعامل البسيط واللامجدي مع هذا القطاع الذهبي, الذي لايزال كالحديد .. يأكله الصدأ.
وفي أيدينا أوراق اقتصادية منقذة أخرى, لم نتقن لعبها بعد .. وسوف نأتي على ذكرها لاحقاً.