أهم الملامسات القريبة للواقع, صدرت عن رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير, عندما اعترف بأن الحل الأمني والعسكري لا يكفي, ولن يضع حداً للارهاب ولابد من البحث عن جوهر المشكلة.
ومهما كانت أفكار بلير وخلفياتها, التي يرى البعض فيها تقارباً مع الاستراتيجية الأميركية القائلة بشن حروب عسكرية واقتصادية وثقافية واجتماعية ضد الارهاب وفتح جبهة جديدة مع حضارات تزعم تلك السياسة بأنها تحتضن الارهاب وترعاه في إشارة إلى (الحضارة العربية الاسلامية), مهما كانت النوايا فإن الدخول في متاهات البحث عن رموز أو قيادات أو تنظيمات وقواعد ارهابية هنا وهناك, سوف يبقى ركضاً خلف المجهول ودخولاً فارغاً في ملاحقة اشباح وافتعال لأحداث ورسم جبهات أقل ما يقال عنها بأنها جبهات خفية ولا تعرف مكاناً ولا زماناً ولن يطال منها الوقت والجغرافيا أىاً كانت القوة البشرية والتكنولوجية المكلفة بهذا الاستهداف. وعودة إلى احداث لندن والتفجيرات التي وقعت فيها وما خلفته من ضحايا ودمار ورعب فإنه لابد من التنبه إلى مجموعة معطيات بدأت تظهر بعد الاحداث وأهمها:
الضغط الشعبي المتزايد على حكومة بلير واعتبار الاخطاء والممارسات التي ترتكبها القوات البريطانية والأميركية في العراق من جهة, والسياسة الخارجية البريطانية الداعمة والمؤيدة بل الحليفة لسياسة جورج بوش العالمية من جهة ثانية هي التي تسببت في مثل هذه الأعمال الانتقامية لأن آلاف الضحايا والقتلى ومشاهد الدمار سواء في افغانستان أو العرق أو فلسطين أو مناطق أخرى من العالم الذي يرزح تحت وطأة الفقر والجهل والحرمان والذي بات اليوم مهدداً في سيادته ونهب ثرواته لن تمر دون انتقام..
وتزداد الأصوات المنددة بتلك السياسات خصوصاً بعد حالة التردي والفوضى التي ظهرت في العراق, وعجز القوات العسكرية الأميركية والمتحالفة معها عن توفير الأمن والاستقرار هناك.
إضافة إلى التدخل السافر في شؤون بلدان منطقة الشرق الأوسط خصوصاً والعالم عموماً, تحت ذرائع نشر الحريات والديمقراطية (الخادعة مظهراً) والمبطنة بالتآمر على تلك الحريات واستهدافا بل القضاء على أي مبادرات حقيقية لنشر بعض منها..
وتضيف أحداث لندن إلى الاجندة السياسية الرسمية والشعبية في الشارع الأوروبي وغيره, تحديات جدية جديدة تتمثل في عجز القوة عن هزيمة الإرادة وخلق مناخات متجددة لتفريخ المزيد من الأعمال الارهابية والافكار الأصولية والمتطرفة.
ومع تزايد مظاهر القوة والاحتلال تزداد الكراهية والحقد والتآمر وتنتفي مقولات الحوار والتواصل الحضاري, ويتشكل عداء حقيقي بين الحضارات وهذا ما يريد المشروع الأميركي الصهيوني الوصول إليه, وعندها لن يخدم هذا الصراع المتشكك سوى الصهيونية واهدافها وسوف يكون التحالف الأميركي الأوروبي أكبر الخاسرين والمتضررين.
ويبقى البحث في موضوع الحرب ضد الارهاب دون الأخذ بالمسببات ومعالجة الخلل في مناطق انتشاره أو دعمه, يبقى عاجزاً وقاصراً, ولن تنفع ال¯ 200 مليار دولار أميركي التي تقرر رصدها للعام الحالي من أجل مكافحة الارهاب إلا في زيادة هذه الظاهرة بل قد يصرف معظم هذه المبالغ في دكاكين جديدة للارهاب وإدارة الازمات.
والعالم اليوم مطالب بتفهم جوهر تلك المشكلة واسبابها وضرورة ايجاد الحلول الناجعة تمهيداً لعالم الحوار والتفاعل الحضاري بدلاً من القطيعة والعداء والكراهية ما يهدد ركائز الحضارت كلها ويضرب منجزاتها التاريخية الاخلاقية والإنسانية وقيمها.