التي يمكن وصفها بالغريبة.ولكن في الحقيقة هي الأصح والأقرب إلى الواقع، خورخي لويس بورخيس الشخصية الفريدة من نوعها في الثقافة العالمية, والذي لعب دورا بارزا في التأكيد على الإرادة القوية للمكفوف, تلك الإرادة التي لا تتوقف عند حدود تعطيل الحواس ليغدو الظلام بالنسبة إليه نورا يحوك منه أساطيره وحكاياته عن الكائنات الخيالية، في إحدى قصصه يتذكر ذلك الطفل الجالس على كرسي في الحديقة، مستسلما لتأملاته:
«ستصير كفيفا، لاتخشى أمرا ما، إن ما سوف تراه يشبه نهاية طويلة لليلة صيف» وأيضا سيقول عن العمى الذي أصابه تدريجيا في محاضرته عن العمى «أعيش في ذلك العالم من الألوان, وإذا تحدثت عن عماي المتواضع أولا لأنه ليس بالعمى المطلق الذي يتخيله الناس وثانيا لأنه يتعلق بي، حالتي ليست درامية بشكل خاص، إنه هبوطٌ بطيء لليل». كما أنه سيوضح العلاقة القائمة بين الشعر والعمى مستشهدا بمقولة لأوسكار وايلد: «إن العصور القديمة قدّمت هوميروس عن عمد كشاعر أعمى»، وكمثال أيضا على العمى وفائدته لبورخيس بالتحديد أسوق مثالا آخر «للعمى منافعه، إنني أدين للظلام ببعض الهبات، معرفتي بالايسلندية، متعة الكثير من أبيات الشعر والكثير من القصائد , وتأليفي لكتاب آخر هو «مديح الظلام»» وكأن بورخيس هنا يقدّس العمى.العمى لدى بورخيس يحفزه على إثبات إبداعه, والقول إن الإبداع لا يقف في وجهه أي شيء, المهم أن هناك فكرة تتبلور، فكرة تقدم شيئا مفيدا للبشر ولو على الصعيد النفسي. عن الذائقة والارتياح «إلى حد ما» الذي تخلفه قراءة بورخيس، يقول كلود موريان: «يعتبر بورخيس من بين عشرة أو خمسة كتاب معاصرين نالوا حظا وافرا من طرف النقاد والقراء. إننا كلما قاربنا أعماله الأدبية نشعر بتغيير ما يغمرنا، كما أن رؤيتنا للإنسان والأشياء تتغير هي أيضا، إننا نشعر كما لوأننا لم نعد أذكياء».
إضافة إلى كتب بورخيس: «الألف»، «كتاب الكائنات الخيالية»، «صنعة الشعر»، هناك كتاب أنيق وثري بمعلوماته ونقصد «سبع ليال» و هي عبارة عن سبع محاضرات ألقاها بورخيس للطلاب في جامعة تيترو كوليسيو، بيونس أيرس بين شهري تموز وآب من عام 1977، وهي في الحقيقة ليست سبع محاضرات بالمعنى «المبسّط» بل سبعة كتب، حيث كل محاضرة كتاب، متاهة من متاهات بورخيس المعروفة.في كل محاضرة يفتح بورخيس آفاقا لإعادة النظر إلى كل موضوع يناقشه، يُشغل مغناطيسه الذي لا يقاوم, وسعيه الدائم إلى إيصال الفكرة للمستمع بطريقة شيقة, هُنا يختلف بورخيس المحاضر عن بورخيس الكاتب حيث تراه لفترة يصفن أو يبحث في رفوف المكتبة في دماغه عن مثال يستحضره ليستخدمه بطريقة بهية تشعر وأنتَ تقرأ أن بورخيس يهمس في أذنك ويفني نفسه في سبيل أن تصلكَ الفكرة.يقول الستر ريد الذي ساعد بورخيس في تحويل المحاضرات تلك إلى كتاب: إن المحاضرات الواردة في هذا الكتاب تكشف جميعها عن القفزات المتتالية في انتباه بورخيس، عن سيلان ذاكرته وعقله وإذا أردنا أن نفهم بورخيس فمن المهم أن نتذكر ذلك , إذ إن التجربة الأدبية لديه هي أكثر توهجا وتأثيرا من التجربة الحقيقية»، تضم هذه الليالي سبع محاضرات تناقش كل محاضرة فكرة معينة وهي: «الكوميديا الإلهية» و «كوابيس» و «ألف ليلة وليلة» و «البوذية» و «الشعر» و «القابالا» و «العمى».