إن الصورة التلفزيونية اليوم تبحث عن الثقة في قوة تأثيرها وهذه الثقة تحتاج بدورها إلى احترام ذكاء المتفرج كما تتطلب قدرات فنية علمية وإلماماً تاماً بمبادئ تصميم كل لقطة من اللقطات سواء قبل التقاطها أما أثناء توليفها مع ما يسبقها أو يليها من لقطات تكون بمجموعها الخبر المصور أو المعلومة المصورة وهذا مبدأ يصلح للدراما أيضاً.
إن الصحفي التلفزيوني الناجح هو الذي يلم مسبقاً بالموضوع المطلوب ويدرسه من جميع جوانبه الفكرية والتقنية كي يستطيع (ربما مع المصور) أن يعبر عنه بالصورة المناسبة الهادفة ويتوصل لتحقيق التأثير التربوي السياسي أو الاجتماعي المراد تحقيقه.
ذلك أن الصورة التي تظهر على الشاشة تعد نتيجة عملية معقدة تتحول فيها الأفكار أو الأحداث إلى مادة مرئية ومفهومة دون عناء ولهذه العملية إذاً أريد لها النجاح شرطان أساسيان هما:
- وجود هدف تزويد المشاهد بمعلومات واقعية ودقيقة قدر الإمكان وكافية للتعبير عن ا لهدف الإعلامي المطلوب.
- مساعدة المشاهد على تلقي هذه المعلومات والثقة بها وفهم الهدف أو المضمون الذي تحمله.
والوفاء بهذين الشرطين يجب استكمال العوامل التالية:
التركيز على مقولة أو معلومة واحدة في الصورة الواحدة أو في اللقطة الواحدة حيث تؤدي اللقطات المتعاقبة إلى إبراز المقولة الكاملة أو المعلومة المحددة المراد إيصالها وحيث تتوحد الأجزاء كلها أو اللقطات المنفردة كلها في نسيج كلي مترابط واحد قد ترافقه صور أخرى بالتوازي وظيفتها توضيح المقولة أو المعلومة أو شرح ظروفها وملابساتها من منظورات سياسية أو جغرافية أو تاريخية توثيقية.
اعتبار عملية التوليف (المونتاج) بين اللقطات عملية إبداعية ينجزها الصحفي (المعد) أو المخرج نفسه بمساعدة المونتير كي يضمن التواصل بين اللقطات والانسياب في مدلولاتها والتضافر في إيصال هدفها الواحد والمشترك.
إن السيل الإعلامي الذي يغمر الصورة الإعلامية الواقعية يتكون من عدد هائل من التفصيلات الصغيرة الثانوية التي قد تشوش على هدف الصورة الأساس.
كأن تمر فتاة جميلة بلباس مثير أمام مشهد حريق وقيام رجال الإطفاء بإنقاذ سكان البناء.
إن لقطة هذه الفتاة يجب أن تستبعد من الصورة حتماً ولكن ثمة بعض التفصيلات الثانوية أيضاً تساهد على إيجاد جو مناسب لمصداقية المقولة الإعلامية مثل تقلبات الطبيعة وحركة السير أو كل ما يمكن أن يكون ذا طبيعة درامية مساعدة.
تجنب تعدد الدلالات لصورة إعلامية واحدة وتحديد مدلول واحد واضح لا يترك مجالاً للشك أو التأويل ويتم ذلك عملياً بالوسائل الفنية والتقنية المتاحة مثل موقع الكاميرا ومنظورها وزاوية محورها وحجوم اللقطات المطلوبة وكذلك مدة تصوير كل لقطة وكمية الإضاءة التي تسلط عليها وهذه العوامل الأربعة يسهل تحضيرها في الأعمال الدرامية ويصعب أحياناً في الربيورتاجات أو الأخبار الصحفية المصورة ولاسيما الآنية والعاجلة.
وتستخدم اللقطات القريبة (لقطات الكلوز) في المقولات المهمة.
ليس فقط لأنها توضح وجه المتكلم وحديثه عن جوهر الموضوع أو الحدث بل لأنها تعطي للمتفرج دلالة موحدة وصورة لا يشوشها أي تفصيل ثانوي ويجري عادة خلال التصوير التبديل باستمرار في حجوم اللقطات حسب تسلسل أهميتها ومشروع توليفها سواء بالقطع بين لقطة ولقطة أو بتحريك عدسة (الزم إن) التي تقرب البعيد وكذلك عدسة (الزوم أوت) التي تبعد القريب وينصح كبار مخرجي التلفزيون بعدم استخدام لقطات الزوم في الدراما لأنها تشكك المشاهد في مصداقية ما يراه بسبب جنوحه عن الرؤية الطبيعة بالعين المجردة.
وعموماً فإن المتفرج بحاجة إلى أفق بصري وذهني يرتب أمامه الشخوص داخل الصورة التلفزيونية وعلاقتها مع الزمان والمكان ونوعية الحدث.
ويعتبر علماء النفس الإعلاميون خلفية الحدث في الصورة أساساً مهماً ومفيداً في استقباله وفهمه ويطلبون إظهار هذه الخلفية في لقطة تمهيدية قد تشكل على شكل صورة فوتوغرافية أو لوحة تشكيلية أو خريطة لمدنية أو منشأة أو مدرسة وغيرها.
كما ينصحون باستخدام لقطات تداخلية (إنسرت) أخرى تمتن العلاقات الأساسية بين اللقطات الواقعية وتفسر أو تساعد على فهم مدلولاتها دون تعليق مباشر والمهم أثناء عملية التوليف إيجاد خط عريض يبقى واضحاً في ذاكرة المتفرج ومتتالياً في سرد الحدث (الخبر أو المعلومة) حيث تكون كل لقطة أساساً لفهم اللقطة التي تليها وحيث تترابط معها أو تتداخل أو أنها قد تؤثر فيها فقط من حيث المضمون دون ترابط أو تداخل بل تكتفي بالتقويم والتفسير وأحياناً بطرح الأسئلة وهذا ما نسميه الخط التحريضي للإعلام وهنا تزداد أهمية إتقان الصورة وحجومها ومنظوراتها المختلفة المناسبة وخلفياتها والوثائق التي قد ترافقها.
ونادراً ما يظهر اليوم على الشاشة مذيع أو مذيعة من أجل التعليق على تقرير سياسي أو اجتماعي مصور بل إن اهتمام المذيع (المعلّق) ينحصر في الإعداد الجيد لقراءة تعليقه المختصر جداً دون أخطاء أو ارتباكات ودون حماسة مفتعلة أيضاً أو برود مزعج بل بطريقة الحياد الإيجابي الذي تعلمناه على يد أساتذتنا الكبار في إذاعة دمشق القديمة مثل الأساتذة يحيى الشهابي وتوفيق حسن وعبد الهادي البكار وعصام حماد وعادل خياطة والسيدة الأديبة عواطف الحفار على سبيل المثال لا الحصر.
إن الصحافة التلفزيونية اليوم أحوج ما تكون إلى طريقة الأداء بالحياد الإيجابي الذي ذكرته وعدم الافتعال والصراخ والتمثيل بوجود الصورة المعبرة بصدق وعفوية وإقناع دونما حاجة إلى تفسير الماء بعد الجهد بالماء.