وترافقهم البوارج والطائرات لإعادة احتلال شبه الجزيرة المنكوبة والمدمرة «هاييتي»، والهاييتيون يتساءلون عن المغزى من عسكرة المساعدات «الإنسانية» الأميركية، وقد توالى هبوط الطائرات العسكرية الأميركية في مطار العاصمة بورت أوبرنس وفي مكان مقر القصر الرئاسي، لتنزل منها قوات أميركية بمعدات قتالية كاملة في أكبر عملية استغلال عسكري لكارثة إنسانية تجاوز فيها عدد القتلى الـ 100 ألف والجرحى الـ 140 ألفاً، أما أعداد المشردين فبلغ الملايين، وقد صدرت انتقادات عديدة واسعة من دول في مجلس الأمن وكذلك من فنزويلا ونيكارغوا، كما احتجت فرنسا ولم يتوان مجلس الأمن أيضاً عن انتقاد طريقة تقديم المساعدات الأميركية.
أما الإعلان الأميركي عن تخصيص نصف مليار دولار والضغط على الحلفاء لتقديم المزيد من التبرعات والمساعدات عن طريق «صندوق هاييتي» الذي يشرف عليه جورج بوش الابن وبيل كلينتون، وبوش معروف بحروبه العدوانية التي شنها إبان فترة رئاسته للولايات المتحدة، وهو أمر يثير الريبة في الغاية من تلك المساعدات وطريقة تقديمها ويتضح أن إغاثة هاييتي عن طريق شركات مملوكة أو مرتبطة بكبار المسؤولين الأميركيين يتيح لهم الفرصة لجني المزيد من الأرباح من هذا البلد المنكوب وراء يافطة عمليات الانقاذ والدعم.
كما أن الشركات الإسرائيلية تنخرط هي الأخرى في وضع مخططات تتيح لها الحصول على موطئ قدم في هاييتي التي دمرها الزلزال، ما يتيح نهب خيرات البلاد وفرض السيطرة عليها.
وهكذا تتضح الصورة المأساوية فأميركا وإسرائيل وبدلاً من تحويل مسؤولية تقديم المعونات والمساعدات إلى المنظمات الدولية المختصة، يجري العمل لاحتكار تقديم «المعونات» من قبل الشركات الاحتكارية الأميركية بقصد الاحتفاظ بالسيطرة على هاييتي، علماً أن لواشنطن تاريخاً حافلاً في محاولات السيطرة على هذا البلد الكاريبي، فقد نفذت وكالة المخابرات المركزية الأميركية انقلاباً عام 1991 للإطاحة بالنظام الديمقراطي ونجحت في تصفية المعارضين للسياسة الأميركية.
وفي عام 1994 أرسلت الولايات المتحدة عشرين ألف جندي إلى شبه الجزيرة للحفاظ على النظام الديكتاتوري الموالي لها، تحت ذريعة مساعدة المدنيين، وفي عام 1999 استطاعت واشنطن والاتفاق مع النظام الحاكم في هاييتي أن تستصدر قراراً بحل الجيش الهاييتي واستبداله بشركة (داينكورب) للخدمات الأمنية، وهي واجهة حقيقية للـ «سي آي إيه» وتابعة لها.
وهكذا فإن النوايا الاستعمارية واضحة في استغلال زلزال هاييتي للتفرد في مصير هذا البلد المدمر، وقد منعت أميركا السفن والطائرات القادمة من أنحاء العالم كلها وخاصة أوروبا من الوصول إلى هاييتي واستثناء الطائرات والسفن الإسرائيلية التي تصل مع السفن والطائرات الأميركية على جناح السرعة، وطبعاً فإن الهدف ليس إنسانياً أبداً فالأوضاع الصحية والإنسانية تتفاقم والاتجار بالبشر وخاصة الأطفال يجري على قدم وساق، كما أن أعمال النهب والقتل تتزايد، ولا تحرك القوات الأميركية المتواجدة بكثافة ساكناً.
وقد حذرت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية من الاتجار بأطفال هاييتي وتعرضهم للعنف منذ الزلزال، وهو ما يحدث فعلاً حالياً.
إن الأصوات ترتفع منددة بمحاولات إعادة احتلال هاييتي تحت غطاء تقديم المساعدات لمنكوبي الزلزال، واستغلال الكارثة الإنسانية لأغراض استعمارية واضحة المعالم.