إلا أن هذه المساعدات والمنح بقيت حبيسة الأدراج الدولية والذريعة دائماً بسبب سيطرة حركة حماس على القطاع.
فالمساعدات الدولية لشعب محاصر ولا يملك الحد الأدنى من مقومات الحياة أصبحت ورقة للابتزاز على مدى السنوات الماضية، حيث تقوم الدول المؤيدة للكيان الإسرائيلي بربط المساعدات باعتراف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بشروط إسرائيل للتسوية تحت بند «الموافقة على شروط اللجنة الرباعية لتحقيق السلام».
وبالعودة إلى حديث إعادة الإعمار ومنح غزة المساعدات لتجاوز آثار العدوان الإسرائيلي فإن مؤتمر شرم الشيخ الذي انعقد بعد العدوان المذكور تعهد بالمساهمة في جهود إعمار غزة بعد الدمار الكبير الذي لحق بها، وأعلن المؤتمرون الذين مثلوا (87) دولة أن التبرعات المالية تجاوزت 4.5 مليارات دولار ووصفوا تلك التبرعات بأنها فاقت كل التصورات، وتعهدوا آنذاك بالبدء في توزيعها بأسرع وقت ممكن لكن الذي حصل بعد ذلك هو تبخر تلك المساعدات والأرقام الكبيرة بذريعة الإرهاب الفلسطيني وبحجة أن حركة حماس هي التي تسيطر على القطاع المحتل وأن صرف هذه المليارات يجب أن يتم عبر السلطة الفلسطينية التي لا تملك القرار على أرض الواقع كما زعم معظم مندوبي الدول المانحة.
ورغم أن البيان الصادر عن مؤتمر شرم الشيخ أكد الحاجة إلى أن يكون ضخ هذه المساعدات وفق المبادئ الإنسانية من عدالة ونزاهة ووفق الاستقلالية العملياتية إلا أن التصريحات ذهبت أدراج الرياح مع بدء إرسال أول كمية من الأموال إلى القطاع المحتل.
وطبقاً للأرقام المنشورة آنذاك فقد تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 900 مليون دولار منها 300 مليون دولار ستخصص لغزة والباقي لدعم ما يسمى بالإصلاحات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية كما تعهدت المفوضية الأوروبية بتقديم 440 مليون يورو أي ما يعادل 554 مليون دولار في حين كانت المساعدات العربية الأسرع حيث قدمت السعودية مليار دولار و 250 مليوناً من قطر و 174 مليوناً من الإمارات و23 مليوناً من البحرين.
وتعهدت اليابان بتقديم 200 مليون دولار وإيطاليا بـ 100 مليون دولار إضافة إلى 43 مليوناً تم جمعها من التبرعات الخاصة.
ومع كل أسف ظلت قضية المساومة مع الشعب الفلسطيني ومقاومته هي السائدة في عملية صرف المساعدات، ولكن تحت الضغوط الأميركية والإسرائيلية توقفت معظم الأموال عن التدفق إلى القطاع المحتل بذريعة سيطرة حركة حماس على مقاليد الأمور هناك وبذريعة عدم التوصل إلى اتفاق بشأن تثبيت الهدنة في غزة، وربطت التصريحات الغربية عموماً والأميركية خصوصاً تدفق المساعدات بتحقيق توافق ما على الساحة الفلسطينية وحسب الشروط الإسرائيلية التي تريد ترتيب الأوضاع الفلسطينية الداخلية (بنية المؤسسات وتوجهاتها وخياراتها) حسب مقتضيات مصلحة الكيان الإسرائيلي وليس المقصود بالتوافق الفلسطيني تحقيق المصالحة الحقيقية.
كما يأتي رفض إسرائيل القاطع بإدخال المساعدات المالية والمادية إلى القطاع بسبب الحصار الجائر كعامل إضافي في منع تلك المساعدات من الوصول إلى غزة، ولعل قراءة سريعة وعاجلة لأحداث التاريخ تؤكد أن السيناريو ذاته يتكرر مع الفلسطينيين دائماً، ففي مؤتمر باريس 2007 تعهدت الدول المانحة بتقديم المليارات للسلطة الفلسطينية لكن القسم الأعظم منها ظل حبيس المصارف الدولية.
وكانت على الدوام الخطط الأميركية والإسرائيلية تهدف إلى إذكاء الخلافات الداخلية الفلسطينية بدعم طرف على حساب طرف آخر، وذريعتها دوماً هو تحقيق السلام ومحاربة الإرهاب، وإلا ما معنى قطع المساعدات عن مليون ونصف المليون فلسطيني بحجة أن حركة حماس لا توافق على شروط الرباعية، مع أن شروط الرباعية تقضي بمنع مقاومة الاحتلال تحت اسم حل الأجنحة العسكرية للمقاومة والانخراط في عملية السلام والاعتراف بإسرائيل متجاهلة أن أساس الصراع العربي - الإسرائيلي هو الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والتنكر للحقوق العربية والفلسطينية.