كريستوف كولومبس ذبح شعب هيسبانيولا الأصلي (الآن هاييتي والدومينيكان) بوسائل وحشية تفوق الخيال. ومزّق جنوده الرضع في أحضان أمهاتهم، وضربوا الصخر برؤوسهم، وأطعموا كلابهم من لحمهم، وعلقوا ذات يوم 13 هندياً على مشانق منخفضة بما يكفي لتلامس أصابع أقدامهم الأرض، في مناسبة دينية، ثم بقروا بطونهم وأحرقوهم أحياء.
وأمر كولومبس السكان بتسليم كمية من الذهب كل ثلاثة أشهر، وكانت تقطع يد من لا يستطيع الدفع. وبحلول عام 1535 نزل عدد سكان هيسبانيولا من 8 ملايين نسمة إلى الصفر بسبب القتل والتجويع والإرهاق.
ونشر الغزاة هذه المهمة «الحضارية» في أنحاء أميركا الوسطى والجنوبية.
وعندما أخفقوا في الوصول إلى الكنوز الأسطورية لتلك الشعوب ولم يدلهم أحد أين كانت مخبأة، عذبوا السكان الأصليين وعرضوهم للشنق والإغراق وتقطيع أوصالهم باستخدام الكلاب، ودفنهم أحياء وحرقهم.
وقطع الجنود أثداء النساء. وأرسلوا الناس إلى قراهم بأيد مقطعة، وأنوف معلقة على رقابهم، وكانوا يطاردون الهنود مع كلابهم الرياضية.
ولكن معظمهم قتل بسبب العبودية والمرض، إذ اكتشف الغزاة أن التكاليف بالنسبة إليهم أقل عندما يجعلون الهنود يعملون حتى الموت، واستبدل بهم من هم على قيد الحياة. وكان متوسط العمر المتوقع في العمل بالمناجم والمزارع ثلاثة أو أربعة أشهر وفي غضون قرن كان نحو 95٪ من سكان أميركا الجنوبية والوسطى قد أبيدوا.
وقد مارس الغزاة هذه الإبادة في ولاية كاليفورنيا خلال القرن الثامن عشر بشكل منهجي، وأنشأ أحد المبشرين الفرانسيسكان ويدعى جانيبورا سيراسلسلة من الإرساليات، وكان وراء الأمر في الواقع، معسكرات اعتقال واسترقاق وسخرة، فكان السكان يساقون بقوة السلاح ويجبرون على العمل، ويحصلون على خمس السعرات الحرارية التي كان يحصل عليها الرقيق الأفارقة فيما بعد في أميركا في القرن التاسع عشر. وماتوا من الإرهاق والجوع والمرض بمعدلات مذهلة، وكان يتم باستمرار الإتيان بغيرهم ، وهكذا فني السكان الأصليون.
جانيبوراسيرا، كاهن كاليفورنيا، جرى تطويبه عام 1988، والتطويب هو أن تقوم السلطة البابوية بوضع أحد الأموات في رتبة السعداء والأبرار، وهي مقدمة لمنحه رتبة القديس، واليوم يتطلب الأمر «معجزة» واحدة لإعلانه قديسا!.
وبينما كان الإسبان متعطشين للذهب، قام البريطانيون باستعمار أميركا الشمالية، وكانوا يريدون الأرض. وفي نيوإنغلاند حاصروا قرى السكان الأصليين وقتلوهم وهم نيام، وانتشرت المجازر غربا، وأيد ذلك على أعلى المستويات، جورج واشنطن الذي أمر بالتدمير الكامل لبيوت الإ يروكوا وأراضيهم. وأعلن توماس جيفرسون أن الحروب مع الهنود يجب أن تستمر حتى إبادتهم أو ترحيلهم إلى ماوراء الميسيسبي، وخلال مذبحة ساندكريك عام 1864 قامت القوات في ولاية كولورادو بذبح شعب أعزل، يرفع راية السلام، وقتلت الأطفال والرضع، ومثَّل الجنود بكل الجثث واستأصلوا أجزاء من الأعضاء التناسلية واستخدموها كعلب وضعوا فيها التبغ، أو زينوا بها قبعاتهم، وقد وصف ثيودور روزفلت هذه الحادثة بأنها مشروعة ومفيدة أكثر من أي عمل حربي على الحدود.
والمجازر لم تنته بعد، فقد قال تقرير لصحيفة الغارديان الشهر الماضي: إن مربي المواشي في منطقة الأمازون البرازيلية الغربية حاولوا قتل كل من بقي حياً من إحدى القبائل التي تسكن الغابات.
ومع كل ذلك فإن أفظع أعمال الإبادة الجماعية في التاريخ نادرا ما تهز ضميرنا الجماعي، ولو انتصرت النازية في الحرب العالمية الثانية لكانت الجرائم نفيت أو سوغت أو تم التقليل من شأنها وإن استمرت.
والشعوب المسؤولة عما جرى في الأمركيتين، إسبانيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة وغيرها، لن تتساهل مع أي مقارنات، ولكن الحلول النهائية لما جرى في الأمركيتين كانت ذا دلالات عميقة، فهؤلاء الذين قادوا الحملات وتلطخت أيديهم غدوا وطنيين، أو أبطالا، أو قديسين وأولئك الذين سعوا إلى إيقاظ ضمائرنا وذواكرنا، فإما نسيهم التاريخ وإما تعرضوا للإدانة.
وبناء عليه يرفض اليمين الغربي، وخاصة المحافظين الجدد مراجعة السلوك الغربي وإعادة النظر في أسس قيام الدول الغربية في الأمركيتين، وصحيح أن ماسبق معاد للإمبريالية وللنزعات العسكرية الحديثة، ولكن على كل الضمائر الحية أن تقف اليوم على حقيقة أكثر أهمية وأكثر خطورة تنطوي على مبدأ معروف جيدا، من مبادئ الشمولية والإبادة الجماعية، وهو أنه من السهل قمع أولئك الذين لايرى أحد ما يحدث وما يحل بهم. وخير الأمثلة عندما عتِّم الإعلام الأميركي على ما جرى في مجازر إسرائيل داخل غزة وعندما تم الحديث عن الاخيار والأشرار لتسويغ مجازر جورج بوش في العراق وأفغانستان، ومعه ثلة من الشركاء من العالم الغربي وغيره ومئات الأخطاء تحدث عنها القادة الميدانيون تسببت بمجازر إبادة هنا وهناك في حروب القرن الحادي والعشرين، ولكن البحث عن النفط هو البديل عن الذهب والأرض، ترى ماذا سيكتب التاريخ عنها؟ وما بين الأمس واليوم.. السلوك لم يتغير والتعتيم، والتسويغ والحديث عن تمردات في العراق وأفغانستان وفلسطين كلها تثير الارتياب والتمرد، كلمة تثير الاهتمام وغالبا ما يكون وراءها محاولة لمقاومة الغزو وكلمة متمردين، أو إرهابيين بتسمية وحشية تطلق على أناس لديهم شيء نريد انتزاعه منهم. تلك هي مجازر أصحاب الضمائر الميتة.
بقلم: جورج مونبيوت