والحروب التي خاضتها الادارة الجمهورية السابقة تحت يافطة محاربة ما يسمى بالارهاب، واعتبروا ذلك استخداما مفرطاً للقوة وفي غير محله، كلف الولايات المتحدة غالياً من اقتصادها وسمعتها الدولية.
غير أن الأقدار تقود كما يبدو الرئيس اوباما كي يسير من حيث يدرك أو لا يدرك، على الدرب نفسه الذي بنى حملته الانتخابية على انتقاده. وها هي تنتصب اليوم، وعلى نحو يستعيد مشاهد سوداء من عهد الادارة السابقة، جوقة قلق وتحذير ووعيد من تفشي القاعدة والارهاب في اليمن، بدأت أصواتها ترتفع مع محاولة تفجير طائرة ديترويت في يوم عيد الميلاد، والاعلان بأن صاحب المحاولة النيجيري عبد المطلب تلقى تدريباً في اليمن. وبينما كان اوباما، وأركان ادارته، يحاولون صد اتهامات داخلية بالتقصير في محاربة الارهاب، سارع الوكيل البريطاني للدعوة الى مؤتمر دولي حول اليمن الذي تحول بنظرهم الى مكان يشكل خطراً على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وهو كلام سرعان ما ردده الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون، مضفياً «شرعية» مسبقة على ما يجري التحضير له لليمن في مطابخ الاستخبارات الأميركية.
إن النسخة الأوبامية من الحرب على الارهاب بدأت في الواقع منذ زمن مع اعلان الاستراتيجية الخاصة بأفغانستان والتي تشكل زيادة القوات العنصر الأبرز فيها، وزيادة الضغوط على باكستان لمحاربة طالبان والقاعدة في أراضيها، والتعامل الامني البحت مع دولة فاشلة مثل الصومال، والابقاء على السياسة ذاتها التي اختطتها الادارة السابقة برغبة اسرائيلية، تجاه حركة حماس وحزب الله ، برغم محاولات خجولة لمقاربة مختلفة في الفترة الاولى من عهد الإدارة العتيدة.
وجاءت حادثة طائرة ديترويت، والدعوة الى مؤتمر دولي حول اليمن، ثم اغلاق بعض السفارات الغربية في صنعاء، لتفتح جبهة حرب جديدة خاصة هذه المرة بإدارة اوباما، وليست موروثة عن الإدارة السابقة، ليكون اليمن هو المسرح الجديد لهذه الحرب، برغم أن الادارة التي وجدت نفسها داخلياً في موقع الدفاع، سارعت الى ادراج مواطني 14 دولة أغلبها عربية،على قائمة المشبوهين في حال زياراتهم للأراضي الاميركية.
وهذا الانزلاق المتدرج من جانب ادارة اوباما نحو مهالك الادارة السابقة، يبدو وكأنه يحمل تجاهلاً لكل العبر والدروس التي ظن الجميع أنها باتت واضحة ومعروفة من أخطاء وحماقات إدارة بوش المنصرفة.
واليمن بعد أن سارع الى الترحيب بالمؤتمر الدولي الذي دعا اليه رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون ، حذر بلسان وزير خارجيته من تركيز أميركا على ما يسمى بمكافحة الإرهاب من دون معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، متمنياً أن تكون الولايات المتحدة تعلمت من تجاربها في باكستان وأفغانستان، فلا تكرر الأخطاء ذاتها في اليمن في مسألتي التعامل مع الحكومة ومواجهة القاعدة.
ولعل ما أراد الوزير اليمني قوله هو: إن المعالجة الأمنية والعسكرية وحدها لمشاكل اليمن، كما حدث ولا يزال، في باكستان وأفغانستان، ليست غير مجدية وحسب، بل أنها بالتأكيد سوف تؤمن امدادا وتعاطفا لأي تنظيم متطرف خاصة عندما تؤدي العمليات العسكرية لسقوط ضحايا مدنيين.
ومن الواضح أن المعالجة السليمة تكمن في تجفيف منابع التطرف والعنف عبر مساعدة اليمن اقتصاديا وسياسيا لتجاوز أزماته المتعددة، ودعم مشاريع التعليم ومكافحة الفقر وإصلاح القضاء ومحاربة الفساد وكل جهود اقامة دولة مدنية حديثة .
أما الانزلاق نحو استخدام القوة وفق ما يتم التحضير له من قبل واشنطن وحلفائها، فليس حلا كما قالت سفيرة واشنطن السابقة في صنعاء باربرا بودين وسيؤدي لعواقب خطيرة، ليس على استقرار اليمن وحسب، بل بالنسبة للمصالح الغربية نفسها.
أما لماذا يتحاشى الغرب ولوج هذا الدرب، أي البحث عن حلول لقضايا العنف والتطرف في اليمن وفي افغانستان وباكستان وغيرها من المناطق، والاصرار بدلا من ذلك على الحلول العسكرية والامنية التي تثير سخط الشعوب وتحرج وتضعف الحكومات المحلية، فربما مرده اذا افترضنا حسن النية أن الغرب ليس لديه الصبر للاستثمار في معالجة طويلة الامد للأسباب التي تولد العنف والتطرف من أجل تجفيف منابعها والمساعدة على معالجتها سياسيا واقتصاديا وثقافيا. ولكن قد لا نجافي المنطق، اذا افترضنا أن الابتعاد عن هذه المعالجة هو سياسة مقصودة لأن المطلوب، على الأقل بالنسبة لبعض مراكز القوى والمخططين الاستراتجيين، ليس حل مشاكل تلك البلدان، بل ادامتها، وتكريس الانقسامات التي تستهلك طاقة أبنائها، وتبقي بلادهم أرضا خصبة للتدخلات الخارجية.