وفي هذا الإطار نرصد بعض النتائج التي توصلت إليها الدكتورة رجاء الحسن من جامعة دمشق في دراستها الميدانية حول محددات العمل الزراعي ومستوياته في إحدى قرى ريف محافظة حماة تجمع سكان بلدية خربة القصر للوقوف على الأبعاد الحقيقية والملموسة عوضا عن السمات العامة التي تميز المجتمعات الكلية/حيث تضيع المعالم الخاصة والمميزة للتجمعات الجزئية في نطاق المجتمع الكلي/.
الدراسة أشارت إلى انخفاض نسبة العاملين في الزراعة في هذا التجمع السكاني الذي يتصف بالتجانس من حيث العمل بالزراعة وأساليب الحياة السائدة في المجتمع ومن حيث اعتمادهم في حياتهم على ما تنتجه الأرض، وأوضحت المؤشرات في هذا الجانب انخفاض نسبة العاملين في الزراعة بتجمع خربة القصر إلى 39٪ بعد أن كانت قبل عام 1994 تفوق النسبة 95٪، بينما شكل المشتغلون في مجال الخدمات قرابة نصف السكان وفي الصناعة نسبة 11٪، فيما التغيير الجذري حدث عام 2004 إذ تراجعت نسبة العاملين في الزراعة إلى 13٪ أي انخفضت بمقدار 3٪ سنوياً وفي الوقت ذاته برز قطاع الخدمات بوصفه مجالاً أساسياً للمشتغلين في التجمع المذكور حيث شكلوا قرابة 86٪ وتراجعت نسبة المشتغلين في قطاع الصناعة إلى أقل من 1٪.
مكان الإقامة
وحول توزع السكان حسب مكان الإقامة الحالي والسابق تبين أن المجتمع المبحوث مجتمع منغلق والحراك الاجتماعي والجغرافي يكاد يكون معدوماً حيث بقي مكان الإقامة على حاله داخل قرى البلدية فيما الأشخاص الذين هم خارج القرية ينجزون أعمالهم ويعودون إليها قبل حلول الليل. بينما مثلت الأسر النواتية قرابة 82٪ وفق الخصائص الاجتماعية الأسرية وترجح معطيات الدراسة الميدانية أن يكون المقيمون مع الأسر من الأبناء المتزوجين حديثاً وإقامتهم مؤقتة حيث لم تبلغ نسبتهم إلا قرابة 18٪ ويستدل من هذا أن الأسرة النوائية هي النمط السائد بصورة طاغية. كما بلغ متوسط الدخل السنوي للأسرة من مصادر أخرى قرابة 19 ألف ل.س بانحراف معياري يقارب 63 ألف ل.س فيما بلغت قيمة معامل الاختلاف حوالي 325٪، ما يعني أن الاختلاف بين الأسر شديد الارتفاع، ويعود السبب في شدة الاختلاف بين الأسر إلى عدم توفر فرص عمل في البيئة الريفية يضطرهم غالباً إلى الاعتماد على ماهو متاح في القرية.
أما ارتفاع النفقات عند بعض الأسر فمرده إلى وجود مسنين بحاجة إلى دواء دوري أو معالجة لحالات معينة، في حيث ان انعدام الإنفاق على الصحة والعلاج لدى بعض الأسر إنما يعود إلى اعتماد بعضهم على العلاج المجاني في القطاع الذي يعملون به.
مستوى التعليم
وفي الجانب الموازي لذلك توضح الدكتورة الحسن أن متوسط الإنفاق السنوي على التعليم بلغ قرابة 12 ألف ل.س بانحراف معياري يقارب 17 ألف ل.س وقدرت قيمة معامل الاختلاف حوالي 134٪ ما يشير أن الاختلاف بين الأسر مرتفع جداً، ويعود السبب برأي الحسن في ارتفاع الإنفاق على التعليم لدى الأسر إلى كثرة عدد أفرادها الذين هم في سن التعليم، وبعضهم الآخر يتابع دراسته ما فوق الثانوية خارج خربة القصر مما يكبدهم نفقات إضافية ويرجح أن يكون انعدام الإنفاق في هذا الباب لدى بعض الأسر إلى عدم وجود أبناء في سن التعليم.
متوسط أيام العمل
وعلى صعيد متوسط أيام العمل للمشاركين من أفراد الأسرة في العمل الزراعي فإن متوسط عدد الأيام التي تشارك ربة المنزل بالعمل الزراعي يصل حوالي 162 يوماً في السنة بانحراف معياري يقارب 143 يوماً وبلغت قيمة معامل الاختلاف 87٪، وانخفضت لدى رب الأسرة إلى 122 يوماً سنوياً أي بانحراف معياري يقارب 117 يوماً وبلغت قيمة معامل الاختلاف قرابة 96٪، أما باقي أفراد الأسرة فيلاحظ أنه كلما قل عمر الفرد في الأسرة قلت عدد أيام مشاركته في العمل الزراعي حيث بلغت قيمة معامل الاختلاف للابن الأول قرابة 100٪ والثاني 93٪ ويعود السبب في ذلك إلى طبيعة الدور المنوط بالفرد من حيث جنسه ونسبه ووضعه الاجتماعي.
والدور هنا حسب تعريف لينتون هو الجانب الدينامي لمركز الفرد أو وضعه أو مكانته في الجماعة، وكلما تميز دور الفرد في الأسرة من حيث حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه زاد حجم العمل، والدور هو نتاج اجتماعي أي عملية تعلم يحقق من خلالها تكيفا اجتماعيا جديداً يتم بفعل التنشئة، ويقول براون أيضاً في هذا الصدد أن كلمة الدور مستعارة من المسرح فالفرد يقوم بدوره الذي يجب أن يقوم به إضافة لاستجابته إلى أدوار الآخرين بوصفه أحد أفراد الأسرة من تعلم واكتساب بفعل عمل التنشئة التي تمارس عليه، ولهذا يلاحظ أن رب الأسرة يعد نفسه مسؤولاً عن معيشة أفراد أسرته فنراه يكثف أيام العمل وساعاته بحكم وضعه الاجتماعي وسنه وجنسه ليوفر العمالة المؤجرة للأسرة، وقد بين تحليل الدراسة أن عدد ساعات العمل وأيامه لرب الأسرة تفوق عدد أيام العمل وساعاته لأي فرد من أفراد الأسرة.
أجر ساعة العمل
أما متوسط قيمة أو أجر ساعة العمل في الزراعة للفرد في الأسرة ما بين 40-44 ل.س، إذ تم حساب مشاركة كل فرد من أفراد الأسرة بهذا العمل من خلال متوسط عدد الأيام بالسنة ضرب متوسط عدد ساعات العمل في اليوم ضرب متوسط قيمة أو أجرة الساعة بالليرة السورية تساوي قيمة العمالة الأسرية في السنة بـ ل.س ومثال توضيحي: متوسط عدد أيام العمل في السنة لرب الأسرة 122 يوماً ضرب متوسط عدد الساعات في اليوم خمس ساعات ضرب متوسط قيمة أو أجر الساعة 44 ل.س= 26840 ل.س وهذا الرقم يمثل متوسط قيمة العمل في الزراعة لرب الأسرة، وهذا المقياس ينطبق على باقي أفراد الأسرة.
نتائج
ويستخلص من نتائج البحث أن المردودية في العمل الزراعي لا تتناسب مع النفقات المدفوعة والجهد المبذول فيه، وهذا يسوغ ابتعاد غالبية الشباب عن النظر إلى العمل الزراعي على أنه مهنتهم الأساسية، وعلى صعيد المساحة المزروعة وأنواع المزروعات فلوحظ أن النسبة الأعلى ظهرت عند الذين يستعملون حيازة أقل من 10 دونمات، وشكلت نسبة الأسر التي تزرع هذه المساحة قرابة 58٪ بينما النسبة الباقية من الأسر وتمثل 42٪ فتزرع عشرة دونمات فأكثر، وفيما مضى لم تكن الأسر في بلدية خربة القصر تهتم بزراعة الزيتون فقط سواء لبيع إنتاجه أو استهلاكه محلياً ولكنها أولت مؤخراً أهمية خاصة لزراعة الزيتون فبدأت تستثمر مساحات لابأس بها لمثل هذا النوع من الزراعات نظراً لسهولة العمل والعائد الاقتصادي المرتفع نسبياً، بالمقابل انخفضت نسبة الأسر التي تهتم بزراعة القطن إلى قرابة 2٪ وانعدمت زراعة الشوندر في خربة القصر بسبب احتياج هذين الصنفين إلى مقننات مائية عالية، وأن النمط الزراعي السائد في هذه المنطقة يعتمد في الغالب على المستلزمات المتاحة وبالتالي تسود الزراعات الخفيفة المعتادة والتي يغلب عليها النمط الاستهلاكي العائلي أكثر من النمط التسويقي.
أسباب مؤثرة
وهناك أسباب أثرت في اتباع المزارعين هذا النمط من الزراعات أولها صغر حجم الحيازة الزراعية لدى الأسرة، وعدم تقبل المزارعين تغيير النمط الإنتاجي الذي اعتادوا عليه، ارتباط انتاجهم الزراعي بعوامل الطبيعة التي يصعب التحكم أو السيطرة عليها، هذا كله أدى إلى تعقيد الحياة إلى حد ما حيث غابت بساطة الحياة الاقتصادية المعتمدة على إشباع الحاجات الأساسية نتيجة اختلال التوازن بين مساحة الأرض الثابتة وعدد السكان المتغير، وفي هذا المجال لا يمكن إغفال أثر العامل السكاني وحجم الأسرة والقيم الاجتماعية السائدة والتي هي جزء من البنية الفوقية في التأثير في القيم الزراعية والنمط المحصولي.