أما في العصر الحديث بعد أن أصبحت الدولة هي التي تضع القوانين وهي التي تعاقب على اختراقها والتعدي عليها قسمت جريمة القتل إلى أنواع وحالات يستفيد فاعل الجريمة العذر المخفف وعن النص القانوني الذي عالج به المشرع والعلة التي استند عليها القانون... وللتعرف أكثر تابعنا مع الاستاذ المحامي عمار مصطفى حردان لنسأله:
** ما هي أنواع جريمة القتل ؟
* مقصود وغير مقصود والمقصود قد يكون بسيطاً ، أو مشدداً ( موصوفاً) ، أو مقصوداً مخففاً وعلى الرغم من تصنيف المشرع جرائم القتل إلى ثلاثة أصناف إلا أنه لم يمس وصفها الجنائي بل اعتبرها بجميع صورها جنائية الوصف يعاقب مرتكبوها بعقوبات جنائية تختلف من حال لأخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الظروف التي تخفف من مسؤولية القاتل.
** ما هي الحالات التي يستفيد فيها فاعل الجريمة من العذر المخفف ؟
* هناك ثلاث حالات يستفيد وهي :
– القتل إشفاقاً بطلب المجني عليه.
- التحريض أو المساعدة على الانتحار.
- قتل الأم وليدها اتقاء للعار.
** ما هو النص القانوني الذي عالج به المشرع جريمة قتل الأم وليدها اتقاء للعار؟
* نصت المادة 537 من قانون العقوبات على أنه:
- تُعاقب بالاعتقال المؤقت الوالدة التي تقدم اتقاء للعار على قتل وليدها الذي حملت به سفاحاً.
- ولا تنقص العقوبة عن خمس سنوات إذا وقع الفعل عمداً.
ومن استقراء هذه المادة نجد أنه يشترط أن يكون المجني عليه وليداً، وأن تكون أمه قد حملت به سفاحاً.
** ما هو معنى الوليد. ومتى يعتبر الإنسان أنه تجاوز مرحلة الجنين وأصبح وليداً، أي أصبح صالحاً لأن يكون محلاً لجريمة القتل المقصود الواردة في المادة 537 ؟
* هنا لابد من التمييز بين الوليد والجنين لأن القضاء على حياة الجنين تؤلف عناصر جريمة الإجهاض ، والقضاء على حياة الوليد تؤلف عناصر جريمة القتل ، ومما لا شك فيه أن الإنسان يتجاوز مرحلة الجنين ويغدو وليداً منذ اللحظة التي تبدأ فيها عملية الولادة ، ولا يشترط لقيام صفة الوليد أن تكون عملية الولادة قد انتهت أو أن يكون الطفل قد فصل عن أمه انفصالاً تاماً، بل يتجاوز الإنسان مرحلة الجنين منذ أن يبدأ المولود بالانفصال عن أمه ويصبح أهلاً لتلقي الأثر الخارجي مباشرة وبدون وساطتها ، ولا تتم جريمة قتل الوليد ما لم يثبت أنه ولد حياً.
** ماذا لو ولد الجنين ميتاً وقامت الأم بقتله؟
* إذا ولد ميتاً وخيل لأمه أنه حي وحاولت إزهاق روحه أعتبرت الجريمة خائبة ، ويعاقب عليها التشريع السوري بعقوبة الشروع ضمن حدود القواعد العامة التي نصت عليها المادة 203 عقوبات ، ولا يشترط القانون السوري لقيام هذه الجريمة أن يكون المجني عليه وليداً فحسب إنما يشترط أن يكون هذا الوليد غير شرعي أي ثمرة اتصال جنسي غير مشروع.
** ماذا لو تعدد المتهمون في جريمة قتل الوليد فهل يكون للجميع عذر مخفف؟
* هنا يقتصر تخفيف العقوبة المقررة في المادة 537 على الأم التي أقدمت على قتل وليدها غير الشرعي اتقاء للعار ، فإذا ساعدها أو اشترك معها في اقتراف الفعل شخص آخر كالقابلة أو الطبيب أو الأب بصفة متدخل أو شريك أو محرض فهو لا يعاقب بالعقوبة المخففة وإنما تطبق عليه أحكام المواد 533 – 535 الخاصة بجرائم القتل المقصود البسيط والمشدد.
** ما العلة التي استند عليها المشرع في تخفيف العقوبة ؟
* قد يُستغرب تخفيف عقوبة القتل في مثل هذه الحالة التي تجتمع فيها جريمتان أو أكثر، وهي جريمة الزنا والفاعل أحد أصول المجني عليه ووقوع القتل على حدث دون الخامسة عشرة من عمره فضلاً عن أن مثل هذا القتل غالباً ما يكون متعمداً، لكن المشرع نظر في هذه الحالة إلى الدافع إلى القتل و إلى ظروف ارتكابه فالأم التي تتجاهل عاطفتها لتقضي على حياة وليدها غير الشرعي ، غالباً ما تقدم على عملها وهي لا تزال تحت تأثير الاضطراب الجسمي و النفساني الناجم عن الوضع ، إما لإنقاذ سمعتها أو حياتها أو لتتلافى غائلة إعالة ولدها دون زوج شرعي ملزم بالإنفاق عليه ، وهي في كل هذا لا تنم بفعلها عن نفسية شريرة خطرة بقدر ما تنقاد لإكراه مادي أو معنوي شديد أو لغريزة الدفاع عن البقاء فتكون أجدر بالشفقة من التشديد.
ومن الملاحظ أن مجتمعنا والحمد لله يكاد يخلو من مثل هذه الجريمة ومن النادر رؤيتها في ملفات القضاء.
وبرأينا الشخصي أن المشرع أعطى لهذه المرأة التي لا تستحق أن تحمل أشرف وأنبل لقب تحمله المرأة وهو لقب أم عذراً مخففاً لاتستحقه، فكان حرياً به أن يفرق بين حالة قتل الوليد الذي أتى من سفاح رضائي ، فيشدد عقوبتها لتكون عبرة لأمثالها من ينجرفون وراء الرذيلة ضاربين بعرض الحائط كل تعاليم السماء ، أو قتل الوليد الذي يأتي نتيجة جرم اغتصاب فيمنحها العذر المخفف ناظراً لها بعين العطف كونها ضحية.