تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الـكـومـة

ملحق ثقافي
19/1/2010
قصة: علي القاسمي / المغرب: كانت العَتَمة تلفّ أشجار الحديقة العامة ونباتاتها،

فـتُخـيَّل إليه كأشباح سود طويلة وقصيرة ذوات أذرع متعددة متحركة مثل إخطبوط هائل داكن.‏

وكانت أمطار الليلة الماضية على الأرض قد تجمّدت، هنا وهناك، صقيعاً يتكسر تحت وقع قدميه. وعصفت رياح ثلجيّة تخترق القلنسوة التي يعتمرها، وتلسع أذنيه وأنفه وشفتيه فتحيلها حمراء قانية كعرف الديك. وأخذت أنفاسه اللاهثة المتلاحقة تتناغم مع اصطكاك أسنانه وارتجاف أوصاله. وبينما هو يجري مسرعاً مكدوداً، لاحت له كومة قاتمة على جانب الممرّ. ولم يكُن لديه متسع من الوقت ليمعن النظر أو يطيله في تلك الكومة، فاكتفى بأن حسبها مجرد كومة أحجار جُلبت لترميم سياج الحديقة العامة أو ركام أغصان تجمَّع من جراء تشذيب الأشجار. لا يهمّ.‏

في فجر اليوم الثاني، انطلق كعادته كلَّ يوم يمارس رياضة العدو في الحديقة العامة المجاورة لمنزله. وفي الغَلَس لمح الكومة ما تزال في مكانها على جانب الممرّ. وعندما اقترب منها هذه المرة ندّت منها حركة مريبة. ولم يكن لديه من الوقت الكافي ليدقّق النظر أو يطيل التأمل، إذ كان عليه أن يعود إلى المنزل مباشرة للاستحمام، وتناول طعام الفطور، والتوجّه إلى مقرّ عمله في المصنع قبل الساعة السابعة صباحاً؛ ولهذا اكتفى بافتراض أن الحركة صادرة من واحد من الكلاب أو القطط السائبة التي تتّخذ من الحديقة ملجأً. لا يهم.‏

في اليوم الثالث وبينما هو يركض مقترباً من الكومة ذاتها في المكان نفسه على جانب الممر، تراءى له ما يشبه اليد ممدودة منها. وبعد بضعة خطوات توقَّف عن الجري ليعود القهقرى إليها ويحدّق فيها، فإذا بها امرأة عجوز متلفِّعة بعباءة سوداء تسند ظهرها إلى شجرة كبيرة من أشجار الحديقة. ظلّ مطرقا لهنيهة، ثم دسّ يده في جيبه وأخرج بعض النقود، ووضعها في اليد الممدودة في العراء. ولكنها لم تقبض النقود، فسقطت على الأرض. التقط النقود، وحطّها مرة أخرى في يدها، ونبهها بالمناداة، ولكنها ظلّت صامتة ولم تقبض النقود. لمس كفها وحرّكها بلطف لعلها كانت غافية وهي جالسة، ولكن برودة مريعة سرت من يدها إلى أصابعه وأشاعت في جسده قشعريرة وتوجّساً. وقبل أن يتاح له القليل من التفكير، مال جسم المرأة بأكمله مع تلك الحركة الخفيفة لتسقط على الأرض جثة هامدة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية