تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مواسم الحكي

ملحق ثقافي
19/1/2010
ممدوح عزام

في العقود الماضية، حين تكاثرت البيوت البلاستيكية، كان الموضوع الرئيسي في ريفنا الفقير، حتى لمن لم يشارك في تلك الهمروجة المزورة،

هو الكلام، أو الحكي عن الخيار البلاستيكي، والبندورة والفاصولياء البلاستيكيين، والورد البلاستيكي أيضا،» دون أن يكون في الحديث عنه أي شاعرية بالطبع». كانوا يتحدثون عن تلك الخضراوات كأنما يتحدثون عن الذهب، ولكن تلك الزراعة الغريبة،» هل أقول الغربية؟» انهارت سريعا، وتلاشت، بعد أن سحبت معها إلى القاع عددا كبيرا من فلاحينا المخدوعين. المؤسف أنه لم يعد بإمكاننا أن نعيد الخيار والبندورة والورد أيضا، وغيرها من الزراعات إلى تربتنا كما كنا نعرفها من قبل.‏

ألا تشبه جائزة البوكر، والحكي عنها اليوم في الثقافة العربية، ما حدث بالأمس مع الزراعة؟. تستطيع جائزة البوكر أن تفخر بأنها تمكنت من التسلل إلى العالم العربي بمهارة تزيد بمرات كثيرة، عن مهارة بلدها الأم في السياسة، ودون الدخول في نظرية المؤامرة فإن المؤكد، عندي على الأقل ، أن الترحيب بهذه الجائزة يرتبط بالضرورة بكونها ذات طعم أجنبي، وأن المرشحين لها وغير المرشحين يتطلعون إلى الفوز بها لا من أجل المال وحده، أو الاعتراف العربي بهم فقط، بل من أجل الاعتراف الأجنبي ، والأوروبي حصرا.‏

يبدو لي هذا شديد الأهمية، فهو يشير بقوة إلى أن الثقافة العربية، مثل الزراعة العربية، ترهن نفسها دون تردد لمعايير الاعتراف الغربية، فاللافت أن أي جائزة عربية أخرى لم تثر من النقاش، والجدل، والمماحكة، مثلما أثارت جائزة البوكر. وأكثر ما يخشاه المرء اليوم أن يسارع الروائي العربي إلى محاولة استنبات رواية، أو روايات مشبعة بالأسمدة الكيماوية، والهرمونات المغذية، والمبيدات المضادة للحشرات المحلية، دون أن يستطيع حماية نفسه من أن يكون نصه ذا طعم بلاستيكي خادع.‏

على أن موسم الحكي الجديد حول الجائزة هذا العام، بدأ يقسم المثقفين العرب قسمة عجيبة، بحيث صار الانتصار للروايات المحلية، بصرف النظر عن جمالها أو أهميتها، قاعدة. كأن التجزئة العربية التي هي أمر واقع جغرافي، قد صارت اليوم هوية ثقافية، وإذا كان من المفترض والمتوقع أن تخلق مثل هذه الجائزة تنافسا أدبيا عل الكتابة الجيدة، فإن حقيقة الأمر هو أنها أوجدت تنافسا يفتقر إلى الدراما والحس البطولي، أو إلى الروح الرياضية» وقد شهدنا مع الأسف أن الروح الرياضية العربية قادرة على هزيمة الوجدان الإنساني» و ها نحن اليوم أمام جبهات وخنادق واتهامات وتخليق جديد مدهش لنظرية المؤامرة، والحسد الإقليمي، والعجرفة التاريخية، والإدعاء الأصولي بالريادة والحضور والأهلية. ما الذي يحدث؟ هل كشفت الجائزة أن المثقف العربي يمكن أن يتحول بسبب الجغرافيا إلى منشد رديء لتمجيد الحدود الإقليمية؟ لا أسال كثيرا في الحقيقة، فقد شهدت المباراة الرياضية بين مصر والجزائر، انحياز بعض المثقفين إلى الجغرافيا بطريقة مريعة، ومنهم، ياللهول، الحائز على جائزة البوكر في العام الفائت.‏

لا يمكن تقديم المواعظ في هذا الشأن، لا أملك هذه الموهبة، ولكنني قادر على إعلان الأسى والحزن على ما آلت إله حالنا.‏

تعليقات الزوار

Baraa |  baraa_96@hotmail.com | 19/01/2010 12:35

معك حق مزيدا من الاسى والحزن

علي ديوب |  ali_day59@yahoo.com | 22/01/2010 05:11

إنه انقسام يكشف ما تم السكوت عنه، و التنكر له على مدى عقود. و لعل فضيلة الفضائح العلنية اليوم تتعين، على الأقل، في الرفض و الصمت الاعتصام الكريم عن الانخراط البائس في نتن وادي الجيف

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية