تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المواقف التركية .. تجسيدحيٌّ لسياسة واضحة

شؤون سياسية
الأربعاء 20-1-2010
الياس غصن ابراهيم

بالعودة إلى المناخ السياسي الدولي في بداية تسعينيات القرن الماضي نتذكر أن العلاقة العربية الإسرائيلية كانت على حالها السيئ وهو الحال الطبيعي ما بين المحتل ومن وقع عليه جرم الاحتلال،

وبالتالي ليس في أجواء الصراع العربي الإسرائيلي ما يحفز لسلام تاريخي في المنطقة ينهي جولات الحروب الدموية المتواترة كل بضعة أعوام بأقل قدر من الخسائر الحاصلة حتى ذلك الوقت في الجانب العربي. ووضع نهاية لمسلسل القضم الإسرائيلي للأراضي العربية كنتيجة مباشرة لكل عدوان اسرائيلي على محيطه العربي. في هذا المناخ غير المبشر بالسلام كانت سورية بخبرتها في العلاقة التاريخية مع دولة العدوان تدرك أن المؤتمر المزمع عقده في مدريد قد يوصل إلى أي مكان غير السلام، وحاولت سورية التوفيق فيما يعرف عنها احترام الإرادة الدولية- المنقوصة في ذلك الوقت لتفرد الولايات المتحدة الأميركية على المسرح الدولي حيث كانت القيادة السوفييتية مشغولة بدفن الاتحاد السوفييتي كنتيجة لأكبر مؤامرة دولية في التاريخ- والانسجام مع تيقن القيادة السورية بأن الطرف المقابل ليس جاهزا للسلام، وأن المؤتمر المزعوم يحمل مشروعا أميركا الى المنطقة تهون إلى جانبه القضية الفلسطينية وتصبح من هوامش الكوارث العربية- وهو واقع الحال اليوم- في وضع العراق وما ينتظر السودان واليمن وربما ما خفيت مؤشراته أعظم.‏

منذ ذلك التاريخ لم يتبدل رأي سورية بعدم وجود طرف مقابل في البحث عن السلام، ومنذ ذلك التاريخ تدرك سورية أن عراب مؤتمر مدريد الرئيسي- الولايات المتحدة الأميركية- ليست وسيطا نزيها في الموقف من طرفي الصراع بل شريك تاريخي معلن للطرف الآخر، وهي أكثر من ذلك لكونها صاحبة أخطر مشروع عالمي للهيمنة على المسرح الدولي وهو ما يلتقي في أكثر من موقع مع المشروع الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. ومع إدراك سورية لواقع موقف الطرف الآخر من السلام كانت سورية تعلم الوسيط غير النزيه بجاهزية سورية دائما لاستحقاقات السلام، وهو ما كشف عن الدور الحقيقي لأميركا حول إيجاد حل للقضية الفلسطينية بأن رؤيتها للحل ستكون من خلال مشروعها الدولي وهو إعادة بناء عالم جديد وفق المتطلبات الأميركية، وكانت أولى مراحله صياغة شرق أوسط جديد تشرف كونداليزا رايس على ولادته ، فكان السحر الذي انقلب على الساحر.‏

الدور التركي أمام الجدار المسدود:‏

إن التطور الديمقراطي المألوف في تركيا وضع تركيا أمام خيارات متعددة منذ تأسيس الجمهورية، فكان المزاج العام في تركيا في حذر دائم من الفكر الأصولي، وهو ما دفع بعض الإدارات المتعاقبة على تركيا لدرء هاجس الأصولية للتوجه نحو الغرب كخيار اجتماعي وسياسي ثم اقتصادي، ولم يكن هذا الخيار موفقا حيث أبقى تركيا على أبواب أوروبا عشرات السنين دون الإذن لها بالدخول في أي من فعاليات المجتمع الأوروبي إلا بالقدر الذي يخدم مصالح الغرب على حساب علاقة تركيا مع دول المنطقة فكان اختبارها الأكثر إذلالا لدورها الإقليمي هو مقدار ما تقدم من خدمات لدولة العدوان الإسرائيلي وبوصول حزب العدالة التركي إلى إدارة الدولة كانت قراءة جديدة للوضع الدولي والإقليمي مستخلصة من نتائج التاريخ السابق الذي جعل من تركيا عدوا لمحيطها الإقليمي وليست صديقا موثوقا من الغرب وبناء عليه اختارت حكومة حزب العدالة إعادة بناء الجسور مع المحيط الإقليمي وفتح الطرق والأبواب لعلاقات ايجابية بناءة، مع المحافظة على مساعي الاندماج في المحيط الأوروبي بما يحقق مصلحة تركيا في كلا الاتجاهين، وبناء على تاريخ طويل وايجابي مع الدولة العبرية اقترحت أن تكون الوسيط وهي الأكثر مصداقية في البحث عن السلام في المنطقة، وفعلت ما أتيح لها من دور في هذا السياق وهي تدرك أن سورية جادة في البحث عن سلام حقيقي يعيد الحقوق المرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي إلى أصحابها بعد أن أقر العالم أن السلام الذي توقع عليه سورية هو سلام دائم واستراتيجي، ولأن إسرائيل تدرك ذلك وهي غير جاهزة للسلام في الوقت الراهن لأسبابها الجغرافية- عدم قدرتها على ترسيم حدودها النهائية- ولأسبابها الاجتماعية قبل انجاز يهودية الدولة التي ينبغي على العرب الاعتراف بها قبل توقيع أي معاهدة سلام، يضاف إلى هذه الأسباب الترابط الوثيق بين المشروع الصهيوني هذا والمشروع الأميركي الذي مازال في مراحله المتعثرة الأولى، يضاف إلى كل ما سبق أن هدف إسرائيل من أي مفاوضات سلام حاليا هو تفكيك الموقف العربي وحلحلة فكر الممانعة والمقاومة المسلحة والسياسية.‏

لهذه الأسباب وجدت الوساطة التركية أنها أمام جدار مسدود بعد أن تعرى الموقف الإسرائيلي أمام العالم، وتكشف لدى المجتمع الدولي غير المرتهن للسياسة الأميركية أن محاولة نقل ملف الوساطة من يد تركيا إلى فرنسا ليس سوى مناورة جديدة للعب بالوقت الثمين لفرص السلام وإعادة توطين اليأس من نهاية قريبة للصراع، وجردة الحساب الإسرائيلية تقول إن تصعيد الموقف مع تركيا إلى حدود قطع الماضي الذي لا يعتز به المجتمع التركي بالعلاقة مع إسرائيل لا يقلل كثيرا من أرباح الدولة العبرية من مجموعة اتفاقيات السلام المبرمة مع أكثر من طرف عربي مقابل أثمان قليلة، وقد يكون الإجراء الفريد من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية بواسطة نائب الوزير تجاه سفير تركيا لدى الكيان الإسرائيلي هو الفصل الأخير في العلاقة الإسرائيلية التركية.‏

El.gosn@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية