تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في كتابه « الهروب من الحرية»إريك فروم يرصد آخر فرار للإنسان

كتب
الأربعاء 20-1-2010
باسم سليمان

يقول إريك فروم : «العلم يعلمنا النقد والفن يعلمنا الإحساس بالجمال» من هذه المقولة التي بها نبتدئ مقاربة كتاب « الهروب من الحرية « لما فيه من كسر للبداهات التي أرساها مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد والتي كانت مشروطة بشكل أو آخر بذكورية سياق اجتماعي امتد زمنا أكثر من طويل

وأسست لفهم مغلوط عن الدينامية التي يعمل بها المجتمع وخاصة في وقت يتم التكلم كثيرا عن الحرية الفردية والمجتمعات الديمقراطية , فهل حقا نحن أفراد أحرار ؟,ونعيش في مجتمعات تكفل للفرد نموه الطبيعي العفوي والمندمج في المجتمع وفق النشاط الحر؟ أم أن الحقيقة عكس هذا وما الدرب الذي ضحت الإنسانية فيه من أجل تلك المثل السامية سوى عبودية موغلة في الذات بعدما كانت تمارس عليها من الخارج , فأصبحت هذه العبودية مقبولة أخلاقيا كونها صادرة عن الضمير ومتبناة من قبل الفرد ذاته كطمأنينة يسعى إليها والدليل على هذا القناع , ما أفرزه القرن الأخير من حروب مهولة ومرض العصر « الضغط النفسي « الذي يفتك بالإنسان ويجعله نهبا لعبودية الاستهلاك والتشيؤ .‏

يأتي هذا الكتاب الذي ألفه إريك فروم وهو من رجالات مدرسة فرانكفورت النقدية في أواسط القرن الماضي ومن أهم علماء علم النفس الاجتماعي إن صح القول كبوصلة تعيد توضع الجهات بشكلها الطبيعي بعدما نالها ما نالها من ارتهانها لأيديولوجيات فكرية كانت ترى صوابية فكرها ونسيت مقولة مهمة « العلم المستقر كالجهل المستقر».‏

يعود الكاتب للتاريخ ولبداية عصور النهضة دارسا التحولات التي أصابت المجتمع القروسطي ومن ثم حركة الإصلاح الديني ونمو الرأسمالية ومن بعدها صيغتها الاحتكارية وكيف أدت هذه التحولات لظهور النازية - كمثال لا أكثر- عن طريق دراسة الآليات التي تعمل بالمجتمع والفرد لأنه لابد من تطابق كبير على صعيد التأثر بين الفرد والمجتمع الذي ينضوي تحته , محللا الطبع التسلطي وتجلياته سواء بالسادية أو المازوخية وكيف أن النازية لم تكن سوى رغبة دفينة في مجتمع عصفت به الرأسمالية الاحتكارية والفردية التي نتجت عن حركات الإصلاح الديني والفكر التنويري في القرون اللاحقة .‏

وهو إذ يعرض كل تلك الشرائح يضعنا على طريق فهم عنوان الكتاب , هل حقا أن الإنسان يهرب من حريته ولماذا؟, وهو من ناضل كثيرا للحصول على تلك الحقوق التي يتغنى بها وبالتالي يصبح مشروعا السؤال التالي : هل الحرية والاستقلال والفرادة الشخصية هم أهم أسباب تعاسة الفرد في هذا الزمن؟, وإن شعوريا ولا شعوريا يبحث عن عبودية جديدة تضمه كالمسنن لمكنتها العظيمة لتعود له الطمأنينة!؟.‏

قديما كان الفرد شخصية شبه ذائبة في مجتمعه , فلم يكن يجد العناء في تمثل دوره الذي فرضه عليه وجوده المشروط وكان مكتفيا بمكانه وزمانه كالطفل الصغير بين أحضان والديه ولكن من الطبيعي أن هذا لن يدوم وهذه الشروط الأولية كانت لا بد ستختفي تدريجيا بحكم تطور الإنسان وسيطرته على الطبيعة وهو مؤهل بطبعه لهذه التغيرات لكن ما الذي حصل ؟وما الذي كبح نمو مؤهلاته لتستقبل الحرية والفرادة الشخصية من التفتح ؟.‏

إن استقلال الإنسان جعله وحيدا بعدما كان يجد عزاءه في محيطه وهذا الاستقلال جعله نهبا للوحدة والعزلة والخوف وخاصة بعدما استطاعت حركت الإصلاح الديني في أوروبا أن تجعله وحيدا في مواجهة المطلق بعدما كانت المؤسسة الدينية تؤمن له هذه الواسطة ورغم ما في هذا الأمر من ربح على طريق حريته إلا أنه أرتد عليه سلبا كذلك التطور الصناعي والاحتكارات التي رافقته وتحول الهدف من النشاط إلى السلعة بدلا من العمل جعله أسيرا لخط الانتاج , وهذه الضغوط الجديدة ومع فناء القبيلة القديمة جعله يبحث عن قبيلة جديدة ولئن كان من المفترض أن تكون قبيلته الجديدة حريته واستقلاله إلا أن نموها تعطل نتيجة تلك القوى الرأسمالية الاحتكارية وما أنتجته من ديكتاتورية كالنازية وليبرالية غير مشروطة إلا بالمنافسة دون أن تؤمن له الظروف المناسبة لنمو فرادته , فالإنسان الذي كسب التحرر من السلطات الخارجية وجد نفسه أسيرا لسلطات داخلية بدلا منها يتبناها لأن حريته لم تكتمل ولا فرادته أي تحرره في ذاته أحبطت , فنشأت عبودية جديدة أشد ضراوة من السابقة وهي استمراء أن يتم استعباد ذات الإنسان بكل رضى .‏

والكاتب إذ يحلل ويركب بنية هذا المجتمع وما آل إليه ليصل للنتيجة التالية : إن الإنسان لن يكون إنسانا مالم يتم السماح لمواهبه الذاتية بالتفتح عن طريق الحرية والنشاط العفوي والحب , فقد قطع الإنسان نصف الشوط الأخلاقي في حضارته فقد استطاع أن يتحرر من عبودية الخارج ولم يبق إلا أن يتحرر من عبودية الداخل الذاتي ليصبح متحررا في ذاته لا في سياقات مفروضة عليه.‏

والكتاب مترجم علي يد محمود منقذ الهاشمي والذي قدم له بعرض جيد لواقع الترجمة وكيف يجب أن نتحول من مجتمع المعلومة إلى مجتمع المعرفة ولن يكون ذلك إلا بإيجاد مؤسسات تكون قادرة على مد الجسور والانتهاء من الترجمات الابتسارية لتتعمق المعرفة في مجتمعاتنا بدلا أن تبقى من الكليشات التي نتغنى بها .‏

الكتاب صادر عن وزارة الثقافة السورية لعام 2009‏

assem-sso@windowslive.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية