تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الغابة و الحطَّاب!

كل أربعاء
الأربعاء 20-1-2010م
سهيل ابراهيم

لم تأذن ذئاب الغابة ، في الأدغال الرأسمالية الاحتكارية في الـولايات المتحدة الأمـريكية ، لـم تأذن لباراك أوباما بتقليم شــجـرها بمقص التغيير ، الذي حمله في قبضته أشــهراً طـويـلـة ،

و طاف به شـرقاً و غـرباً ، في أرجـاء القارة الموروثة من الهنود الحمـر و رعـاة البقر لفراعنة العالم الجديد المحمولين على أكتاف أمم الأرض البائسة ، و سواعد المحرومين في أكواخ الـفقر و مغاور التخلف المنسية على قشرة الأرض منذ مئات السنين !‏

على مـنـابـر لـوس أنـجـلوـس و شـيكاغـو و بوسطن و واشنطن كان باراك أوباما في حملته الانتخابية مزهواً يرفع لواء التغيير ، و يعد الأمريكيين بصفحات جديدة من التاريخ يتوازى فيها بـطـر الـرخـاء مع ضوابط القيم ، و سلاح القوة مع ميزان العـدل ، و أناشـيـد الحـرية مع حمائم السلام ، كان مقنعاً و قريباً من صورة المخّص الأسطوري الذي لفحته شـمـس الـزمـن فـلـونـت بشرته، و أضاءت عينيه بالرؤيا، فنهض من شقوق التناقضات التي تعصف بالمجتمع الأمريكي ليعيد التوازن إلى قوة عظمى فقـدت لجامها ، و عالم مـتناحـر تكاد تطحنه الصراعـات ، و تفتك به المجاعات و تصرعه فيروسات العلل المبتكرة .‏

نـحـن بـيـن من كاد يـقـنـعـهم رجل أمريكا الجديد ، و كدنا نهلل له ، و نصفق لهذا الحطَّاب الواثق الذي وقف على رأس تـلـة الكابيتول في واشنطن معلناً بدء فصل تقليم الشـجـر العليل في الغابة الأمـريـكية ، ربما فـعـلـت جذوره الأفريقية فعلها فينا ، و ربما شـدنا إليه خطابه الفصـيـح المجـلـل بـنـبـرة الـثـقـة و الـتـحـدي ، أو ربما كنا ننتظر في عز مرارتنا أي أحد آخر في البيت الأبـيـض الأمريكي غـيـر جورج دبليو بوش ، باعتباره خلاصة الحماقة و المغامرة الأمـريـكـية الموروثة من تحت قبعات الخيالة الأشقياء في صفوف رعاة البقر في مزارع تكساس !‏

نـسـيـنـا الـمـؤسـسة السياسية الأمريكية و نسينا شركات النفط و السلاح ، و منظمة إيباك ، و قوانين وول سـتـريـت و اللـوثة الصهيونية في عقول الأمريكيين ، و ثقافة صراع الحضارات التي روج لها مفكرو النخبة في المجتمع الأمريكي ، نسينا كل هذه الذئاب الجارحة ، و لم نر إلا ذلـك الحطّـاب الـذي وقف على تـلـة الكـابـيـتـول ، يحمل مقصاً لتقليم الغصون العليلة في الغابة الأمريكية في مهمة التغيير المستحيلة !‏

عـام مـضى و بـاراك أوباما لا يعرف من أين يبدأ ، يخطو مرة نحو الأمام ، فتستنفر ذئاب الغابة فيعود للوراء خطوتين ، ثم يتلهى بقوانين الضريبة ، و ميزانيات الضمان الصحي ، يلتفت إلى شـرق الأرض حيث حرائق سـلفه المشتعلة ، فيوصيه خبراء إدارته بصب الزيت عليها بدلاً من إطفائها ، فيرسـل من جـديـد ثـلاثـيـن ألـفـاً من المحـاربين ليجدد شباب الحرب في أفغانستان ، و تـحـت بصـره لـسـان من الـنـار يقتـرب من البـرمـيـل النووي في باكستان ، ثم يرشوه العالم الأوروبـي الـمـتـمـدن بجائزة نوبل للسلام ، يجنح إلى الحوار مع عصاة الأرض وفق التوصيف الأمـريـكـي ، فـيحمل المفاوض الأمريكي ألغامه في ملفه التفاوضي ، و يفجر أول جسر للحوار تعبره نيات أوباما لجلاء الحقائق المطلقة ، يمد أصابعه إلى الأوراق الفلسطينية التي بهت حبرها مـن كـثـرة ما عـبـثـت بها الأصابع ، فيقرأ مستشاروه على مسامعه قصة الهولوكست اليهودي ، بدلاً من قصة المحرقة الغزاوية ، و يضعون على طاولته صورة جلعاد شاليط ، بدلاً من صورة مـحـمـد الـدرة ، و أمـام المشهد تغيم الرؤية في عيني رجل التغيير ، فيقفل ملفاته و يخلد في نوم عميق !‏

و بعد ، هل تـستنسخ الإدارات الأمريكية وجوه رجالها دورة إثر دورة ، أم أن قانون الغابة أقـوى من الحطَّـاب ، و حـاجـات الـشـركات الاحتكارية أقوى من حاجات التغيير في خلائط أمة أمريكية كل شيء فيها قابل للبيع و الشراء !‏

نـنـتـظـر سـنـة أخـرى و نـرى !‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية